تحفيظ القرآن للأطفال

هل تريدين مساعدة طفلك على حفظ القرآن الكريم؟ دليل شامل للأمهات والمربين

يُعد حفظ القرآن الكريم من أجلّ الأعمال التي يمكن للإنسان أن يقوم بها في حياته، وإذا كان هذا العمل يتم في سن الطفولة، فقد اجتمع فيه فضل الزمان مع فضل العمل. لذا تسعى كثير من الأمهات إلى غرس هذا الحب العظيم في نفوس أطفالهنّ، ليكبروا على ارتباط وثيق بكلام الله تعالى، وتتشكل شخصياتهم الروحية والعقلية من منطلقات قرآنية أصيلة.

يبدأ هذا المشوار المبارك من لحظة اتخاذ القرار بأن يكون الطفل من حفظة القرآن، ثم الاستعداد لتنفيذه بأساليب تربوية وتعليمية تتوافق مع طبيعته العمرية والنفسية، مع ما يتطلبه الأمر من صبر، وتكرار، وتوجيه، واستمرارية. ولا شك أن الأم -بما لها من دور محوري في حياة الطفل- تُعد حجر الزاوية في هذه المهمة.

في هذا المقال المفصل، نستعرض كل الجوانب العلمية والعملية التي تحتاجها الأم أو المربي لمساعدة الطفل على حفظ القرآن الكريم، بدءًا من التهيئة النفسية، مرورًا بوضع الخطة والمنهج، ووصولًا إلى الأدوات الداعمة والعوامل المساعدة في ترسيخ الحفظ واستمراره.

أولاً: أهمية حفظ القرآن الكريم للأطفال

إن تعويد الطفل على حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة يحمل فوائد عظيمة على الصعيد الديني، النفسي، العقلي والاجتماعي، ويمكن تلخيص بعض هذه الفوائد فيما يلي:

• تنمية الذاكرة والقدرات الذهنية: تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يبدؤون في حفظ القرآن في سن مبكرة يتمتعون بذاكرة قوية وقدرة عالية على الاستيعاب والتركيز، مما ينعكس على تحصيلهم الدراسي.

• ترسيخ القيم الأخلاقية والإيمانية: من خلال تكرار الآيات وسماعها باستمرار، يتشرب الطفل القيم القرآنية كالصبر، الصدق، برّ الوالدين، العدل، الرحمة وغيرها من المعاني التي تُكوِّن شخصيته مستقبلاً.

• الطمأنينة النفسية والاستقرار السلوكي: القرآن الكريم مصدر للسكينة، وتلاوته وحفظه يُشعر الطفل بالأمان ويقلل من القلق والتوتر.

• التواصل مع اللغة العربية الفصحى: يتقوى الحس اللغوي لدى الطفل، ويتعود على تراكيب فصيحة تساعده في اكتساب مهارات اللغة والنحو والبلاغة.

ثانيًا: التهيئة النفسية والروحية للطفل قبل البدء بالحفظ

من الخطأ الشائع الشروع مباشرة في تحفيظ الطفل دون تهيئة نفسية أو روحية تسبق هذا العمل العظيم. إذ من الضروري أن يشعر الطفل أن الحفظ رحلة جميلة ومحببة، لا عبء ثقيل أو واجب قسري.

الخطوات المقترحة للتهيئة:

• غرس حب القرآن في قلب الطفل: قبل أن يحفظ، يجب أن يحب. وهذا يتم من خلال سرد قصص عن فضل القرآن، والثواب العظيم للحافظ، ومكانته في الدنيا والآخرة.

• تهيئة بيئة قرآنية في المنزل: تشغيل القرآن بصوت مقرئين ذوي أصوات جميلة، تعليق آيات على الجدران، ومتابعة برامج تعليمية قرآنية مرئية.

• التدرج في الطلب: البدء بأهداف صغيرة وسهلة لا تجهد الطفل، ثم التدرج شيئًا فشيئًا حسب تطوره.

• استخدام التعزيز الإيجابي: مكافأته عند الحفظ، مدحه أمام الآخرين، وإشعاره بأنه مميز ومحبوب لاهتمامه بكلام الله.

ثالثًا: متى نبدأ؟ التوقيت الأنسب لحفظ القرآن

بحسب علماء التربية، فإن أفضل وقت يبدأ فيه الطفل بحفظ القرآن هو ما بين سن 3 و 7 سنوات، وهي الفترة الذهبية التي يكون فيها العقل أشد تقبلاً للحفظ وأسرع في التلقين. بل إن بعض الأسر تبدأ قبل ذلك بسماع الآيات وتكرارها مع الطفل حتى دون إدراك كامل منه، مما يرسخ الصوت القرآني في ذاكرته السمعية.

لكن الأمر ليس مقيدًا بعمر معين، فكلما وُجد الاستعداد الذهني والبيئة المناسبة، فإن الحفظ ممكن في أي سن. المهم هو اتباع الأسلوب المناسب لكل مرحلة.

رابعًا: التخطيط العملي لحفظ القرآن

يتطلب حفظ القرآن الكريم خطة منهجية واضحة، تنظم الوقت، وتُقسِّم المهام، وتُعزز المتابعة والاستمرارية. وهذه بعض المبادئ الأساسية للخطة:

1. تحديد الورد اليومي:

الورد اليومي هو عدد الآيات أو الأسطر التي يجب حفظها يوميًا. يجب أن يكون متناسبًا مع عمر الطفل وقدرته على التركيز. في البداية، يكفي البدء بآية أو آيتين قصيرتين.

2. اختيار السور المناسبة للبداية:

البدء بسور قصيرة من جزء عمّ (كالفاتحة، الإخلاص، الفلق، الناس، الكوثر…) يعطي الطفل شعورًا بالإنجاز السريع، مما يعزز ثقته بنفسه ويحفزه للاستمرار.

3. تقسيم الوقت:

يفضل تخصيص وقت ثابت للحفظ يوميًا، ويفضل أن يكون في الصباح الباكر حيث يكون الذهن أكثر صفاءً. ويمكن تقسيم الجلسة إلى قسمين: جزء للحفظ الجديد، وآخر للمراجعة.

4. استخدام التكرار والتثبيت:

لا يُكتفى بحفظ اليوم فقط، بل يجب أن يراجَع خلال أيام متتالية لضمان تثبيته في الذاكرة طويلة الأمد.

خامسًا: الأدوات والوسائل التعليمية المساعدة

يمكن للأم استخدام العديد من الوسائل التربوية والتقنية لتسهيل حفظ القرآن الكريم على طفلها، من بينها:

1. المصاحف التعليمية:

وتتضمن مصاحف ملونة ومزودة برسوم مبسطة تساعد الطفل على ربط الآيات بصور معينة.

2. تطبيقات الهاتف الذكي:

هناك تطبيقات خاصة لتعليم وحفظ القرآن للأطفال بطريقة مرئية وتفاعلية، مثل:

• تطبيق “آيات”

• تطبيق “تحفيظ القرآن للأطفال”

• تطبيق “جزء عم للأطفال”

3. البطاقات البصرية:

بطاقات تحتوي على آية واحدة مكتوبة بخط واضح ومصورة برسوم، يمكن للطفل الاحتفاظ بها، أو تعليقها في مكان ظاهر.

4. المقاطع الصوتية والفيديو:

سماع القرآن من مقرئ ذي صوت جميل محبوب للطفل (كـ مشاري العفاسي، أو محمد صديق المنشاوي في التسجيلات القديمة الخاصة بالأطفال) يعزز التكرار الصوتي.

سادسًا: دور الأم في رحلة الحفظ

تلعب الأم دورًا محوريًا، ليس فقط كموجهة أو معلمة، بل كمشجعة ومرافقة نفسية وروحية للطفل. وهذا يتطلب منها:

• الصبر وعدم استعجال النتائج: فكل طفل يختلف عن الآخر في قدرته وسرعته.

• أن تكون قدوة: بحرصها على قراءة القرآن أمام الطفل، والاستماع له، وحضور مجالس الذكر، ينشأ على تقليدها.

• الدعاء له باستمرار: “اللهم اجعل ابني من أهل القرآن، الذين هم أهلك وخاصتك”.

سابعًا: التكرار والمراجعة: أساس التثبيت

المراجعة اليومية للآيات المحفوظة ضرورية لتثبيت الحفظ، وتمنع النسيان الذي هو طبيعي في حال غياب التكرار.

جدول مقترح للمراجعة الأسبوعية:

ثامنًا: التعامل مع التحديات والصعوبات

ليس من الغريب أن تواجه الأم بعض التحديات أثناء تعليم طفلها، منها:

• الملل والفتور: ويمكن تجاوزه بالتنويع في الوسائل التعليمية، وربط الحفظ بألعاب ذهنية.

• نسيان ما تم حفظه: يجب أن تكون المراجعة ضعف الحفظ الجديد.

• ضعف التركيز: تقليل المشتتات أثناء جلسة الحفظ، واختيار وقت يكون فيه الطفل في كامل نشاطه.

• المقارنة بغيره: من الخطأ مقارنة الطفل بإخوته أو أقرانه، فلكل واحد طاقته وتكوينه الخاص.

تاسعًا: تحفيز الطفل وتشجيعه

التحفيز عنصر أساسي في الاستمرارية، ويمكن أن يكون بالطرق التالية:

• نظام المكافآت: كأن يحصل على نجمة عند كل صفحة جديدة تُحفظ، أو لعبة صغيرة بعد كل جزء.

• الاحتفاء بالمناسبات: تنظيم احتفال بسيط عند إتمام جزء، ودعوة الأهل للمشاركة.

• تعليقه في المجالس: الإشادة به أمام الزوار والأقارب تُشعره بالفخر.

عاشرًا: التأثير المستقبلي لحفظ القرآن في حياة الطفل

الطفل الذي يحفظ القرآن لا يعيش فقط في أجواء قرآنية أثناء الحفظ، بل تتغلغل هذه التجربة في أعماق حياته وشخصيته. إذ يصبح مرجعًا لأقرانه في الأخلاق والسلوك، ويكتسب ثقة كبيرة بنفسه، وينمو عنده الإحساس بالمسؤولية الدينية والمجتمعية.

وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الحافظين للقرآن أكثر توازنًا نفسيًا وأعلى في مستويات التحصيل الدراسي، وأقدر على إدارة التوتر، بسبب ما يكتسبونه من سكينة وسعة أفق روحي.

خاتمة

إن مساعدة الطفل على حفظ القرآن الكريم ليست مهمة تعليمية فحسب، بل هي مشروع تربوي وحياتي متكامل، يثمر طفلًا صالحًا، وإنسانًا نافعًا، وروحًا مرتبطة بالوحي الإلهي. هذه المهمة تحتاج إلى تدرج وصبر وحب ورفق، وهي في النهاية من أعظم ما يُهدى للولد في حياته.

المراجع:

1. عبد الكريم بكار، الطفل والتربية القرآنية، دار السلام، 2015.

2. القاسمي، فضل حفظ القرآن وتدبره في ضوء الدراسات النفسية التربوية، مجلة العلوم التربوية، 2017.