11 خرافة علينا جميعاً التوقّف عن تصديقها
في عالم يفيض بالمعلومات ويتّسع فيه نطاق الوصول إلى المعرفة، ما تزال بعض الخرافات والمفاهيم الخاطئة تواصل الانتشار بين الناس، وتتوارثها الأجيال كحقائق مسلم بها، رغم دحضها علمياً أو منطقياً. تكمن خطورة هذه الخرافات في كونها لا تقتصر على الجوانب الترفيهية أو الأسطورية، بل تمتد لتؤثر على قرارات حياتية وصحية وعلمية يومية، مما يفرض ضرورة التفكيك المنهجي لهذه الأوهام وفضح زيفها بالأدلة العقلية والمصادر الموثوقة.
المقال التالي يقدم استعراضاً معمقاً لأحد عشر خرافة شائعة يجب التوقف عن تصديقها، مع توضيح الأصول التي قامت عليها والحقائق التي تدحضها، بأسلوب يوازن بين الدقة العلمية وسلاسة الطرح.
1. الإنسان يستخدم 10% فقط من دماغه
واحدة من أكثر الخرافات انتشاراً، وهي تصور أن غالبية قدرات الدماغ البشري غير مستغلة، وأن الإنسان يعمل بحد أدنى من إمكاناته العقلية. هذه الفكرة جذبت خيال الكُتّاب والمخرجين، لكنها تفتقر إلى أي سند علمي.
الدراسات الحديثة في علم الأعصاب، باستخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي (fMRI)، أثبتت أن جميع أجزاء الدماغ تنشط وتؤدي وظائفها المختلفة خلال اليوم. حتى أثناء النوم، تعمل مناطق معينة من الدماغ بشكل مكثف. الحقيقة أن الدماغ البشري يستخدم طاقته بكفاءة عالية، ويشارك بأكمله تقريباً في مختلف الأنشطة، حتى وإن تنوعت درجات التركيز من منطقة إلى أخرى.
2. الحلاقة تجعل الشعر ينمو أكثر سماكة
يعتقد الكثيرون أن الحلاقة تؤدي إلى نمو الشعر بشكل أسرع وأكثر كثافة، ولكن هذه الخرافة ناتجة عن سوء فهم بيولوجي. الحقيقة أن الحلاقة لا تغيّر طبيعة جذور الشعر ولا عدد البصيلات في فروة الرأس أو الجسم.
عند حلاقة الشعر، يتم قطع الجزء الخارجي منه فقط، وهو الجزء غير الحي، وبالتالي فإن عملية القص لا تؤثر على البصيلات داخل الجلد التي تحدد كثافة الشعر وسرعة نموه. المظهر الأكثر خشونة بعد الحلاقة يعود إلى كون الشعر المقطوع يبدو أكثر سماكة من الطرف لأنه لم يُستدق بعد.
3. السكر يجعل الأطفال مفرطي الحركة
يُعزى فرط الحركة والنشاط الزائد لدى الأطفال غالباً إلى استهلاكهم للسكر، وقد يكون لهذا الاعتقاد جذور نفسية وسلوكية، لكنه لا يستند إلى نتائج علمية دقيقة.
أظهرت دراسات عديدة، مثل الدراسة التي نشرتها “مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)”، أنه لا توجد علاقة مباشرة بين استهلاك السكر وزيادة النشاط لدى الأطفال. التأثيرات الملحوظة غالباً ما تكون نتيجة لتوقعات الأهل، أو لظروف بيئية معينة مثل الحفلات أو المناسبات التي تكون مليئة بالمحفزات المختلفة.
4. قراءة الكتب في الضوء الخافت تؤذي العين
من النصائح المتكررة عند الأهل والمعلمين هي تجنب القراءة في الإضاءة الضعيفة لتفادي “تلف” العين. في الواقع، لا تؤدي القراءة في الضوء الخافت إلى أذى دائم للعين، لكنها قد تسبب إجهاداً بصرياً مؤقتاً أو صداعاً.
العيون مصممة للتكيف مع درجات إضاءة مختلفة، وما يحدث في الضوء الخافت هو زيادة في الجهد المبذول للتركيز. هذا قد يؤدي إلى الشعور بالتعب، لكنه لا يسبب ضرراً دائماً أو يفاقم من مشكلات النظر على المدى الطويل.
5. الشعر والأظافر يستمران في النمو بعد الوفاة
هي من الخرافات ذات الطابع المثير، وتعود إلى ملاحظات سطحية خلال عملية تحلل الجثث. الحقيقة العلمية أن الشعر والأظافر لا يستمران في النمو بعد الوفاة، وإنما يحدث انكماش في الجلد نتيجة فقدان الرطوبة، مما يعطي انطباعاً زائفاً بأن الشعر أو الأظافر قد طالَت.
عملية النمو تتطلب عمليات أيضية نشطة، وهذه تتوقف كلياً بعد الوفاة. ما يبدو طويلاً هو ببساطة نتيجة لتقلص الأنسجة المحيطة.
6. علينا شرب 8 أكواب من الماء يومياً
شاعت هذه النصيحة لدرجة اعتبارها قانوناً صحياً، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيداً. لا توجد قاعدة علمية موحدة توصي بأن يشرب الجميع نفس الكمية من الماء يومياً، فاحتياجات الجسم تختلف حسب العمر، والنشاط البدني، والمناخ، والحالة الصحية.
الترطيب الجيد مهم، لكن الحصول على السوائل لا يقتصر على الماء فقط، بل يشمل أيضاً ما يحصل عليه الجسم من المشروبات الأخرى والطعام. العلامة الأهم هي لون البول: إذا كان شفافاً أو أصفر فاتحاً، فالجسم على الأغلب مرطّب بما يكفي.
7. البرق لا يضرب نفس المكان مرتين
الأسطورة تقول إن الصاعقة لا تضرب المكان ذاته أكثر من مرة، وكأن البرق يختار وجهته وفق إرادة خفية. علمياً، البرق لا يملك ذاكرة، بل يبحث عن أقصر مسار بين السحب والأرض. الأماكن المرتفعة أو المعدنية تكون أكثر عرضة للصواعق، وبالتالي فإن المباني الطويلة، كناطحات السحاب، تُضرب بالبرق عدة مرات سنوياً.
كمثال، مبنى “إمباير ستيت” في نيويورك يُضرب بالبرق أكثر من 20 مرة في العام الواحد، مما يُكذّب هذه الخرافة بوضوح.
8. تناول فيتامين “ج” يقي من نزلات البرد
رغم أن فيتامين “ج” (C) له فوائد صحية مهمة، إلا أن الاعتقاد بأنه يمنع نزلات البرد لا يستند إلى أدلة علمية قوية. تظهر الأبحاث، ومنها ما نُشر في “Cochrane Reviews”، أن تناول فيتامين “ج” بشكل منتظم قد يقلل من مدة البرد بدرجة طفيفة، لكنه لا يمنع الإصابة.
الوقاية من الأمراض الموسمية تعتمد أكثر على تقوية جهاز المناعة بشكل عام، عبر التغذية المتوازنة والنوم الكافي والنظافة الشخصية، وليس على جرعة واحدة من فيتامين معين.
9. النعامة تدفن رأسها في الرمال هرباً من الخطر
صورة النعامة التي تخفي رأسها في الرمال أصبحت رمزاً للتهرب من المواجهة، لكنها صورة لا تعكس السلوك الحقيقي لهذا الطائر. النعامة، كأكبر طائر بري، تملك رؤية حادة وسرعة عالية للهروب من الأخطار، ولا تلجأ إلى دفن رأسها إطلاقاً.
هذا المفهوم الخاطئ نشأ من سلوك النعامة في رعاية البيض؛ إذ تنخفض وتضع رأسها بالقرب من الأرض لتقلّب البيض في العش، مما قد يوحي من بعيد بأنها تخفي رأسها في الأرض.
10. الزجاج يتحول إلى سائل مع مرور الوقت
يستند هذا الاعتقاد إلى ملاحظة أن بعض نوافذ الكنائس القديمة تبدو أكثر سمكاً في الأسفل من الأعلى، لكن التفسير الحقيقي ليس تحول الزجاج إلى سائل، بل بسبب أسلوب تصنيعه في الماضي.
الزجاج مادة صلبة غير بلورية (أي لا تمتلك بنية بلورية منتظمة مثل المعادن)، لكنه لا يتدفق أو “ينساب” مع الوقت. ما يظهر من تغير في السمك سببه تقنيات النفخ والتشكيل اليدوي، لا تغيرات فيزيائية لاحقة.
11. عليك الانتظار 24 ساعة قبل التبليغ عن مفقود
يعتقد البعض أن الجهات الأمنية لا تستجيب لحالات الأشخاص المفقودين إلا بعد مرور 24 ساعة، ولكن هذا الاعتقاد غير دقيق وخطير. الواقع أن التبليغ عن شخص مفقود يجب أن يتم في أقرب وقت ممكن، خاصة إذا كانت هناك ظروف مريبة أو مؤشرات خطر.
تأخير البلاغ يمكن أن يؤثر سلباً على نتائج البحث، فكل دقيقة تحتسب في حالات الاختفاء. تعتمد استجابة السلطات على الحالة وسياق الغياب، وليس على مرور فترة زمنية محددة.
جدول يوضح الفرق بين الخرافة والحقيقة
| الخرافة | الحقيقة العلمية |
|---|---|
| الإنسان يستخدم 10% من دماغه | يستخدم الدماغ بالكامل تقريباً في وظائف مختلفة |
| الحلاقة تزيد سماكة الشعر | لا تؤثر الحلاقة على معدل أو كثافة نمو الشعر |
| السكر يسبب فرط الحركة للأطفال | لا توجد علاقة مثبتة بين السكر والنشاط الزائد |
| الضوء الخافت يضر العين | لا يسبب ضرراً دائماً، فقط إجهاد مؤقت |
| الشعر والأظافر تنمو بعد الوفاة | تتوقف عن النمو، والانكماش الجلدي يسبب الوهم |
| 8 أكواب ماء يومياً ضرورة | احتياج الماء يختلف حسب الجسم والنشاط |
| البرق لا يضرب نفس المكان مرتين | الأماكن المرتفعة تُضرب مراراً بالبرق |
| فيتامين C يمنع البرد | قد يخفف الأعراض، لكنه لا يمنع الإصابة |
| النعامة تدفن رأسها في الرمال | تنخفض لتفقد بيضها، لا تهرب من الخطر |
| الزجاج يتحول إلى سائل بمرور الوقت | زجاج قديم غير متجانس، لكنه لا “ينساب” |
| الانتظار 24 ساعة للإبلاغ عن المفقود | يجب التبليغ فوراً في حال وجود خطر أو شبهة |
إن مواجهة الخرافات المنتشرة تتطلب وعياً مجتمعياً قائماً على التربية النقدية والوصول إلى مصادر المعرفة الدقيقة. لا يكفي فقط تصحيح المفاهيم الخاطئة، بل يجب العمل على ترسيخ منهجية الشك البناء والبحث المستمر عن الحقيقة، خصوصاً في عصرٍ تغمره المعلومات ويتكاثر فيه التضليل بوتيرة متسارعة.
المصادر
-
Mayo Clinic – Health Myths Debunked
-
American Psychological Association (APA) – Sugar and Behavior in Children
