تُعتبر العلاقة بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة موضوعًا شائكًا ومعقدًا، ويأتي كتاب “تحت رعاية الله: الدين والسياسة الأمريكية” للكاتب الحائز على جائزة بوليتزر، غاري ويلز، ليسلِّط الضوء على التصادم المتكرر بين هذين العنصرين في الحياة الأمريكية. يتناول ويلز في كتابه هذا الانتخابات الرئاسية لعام 1988 كنقطة انطلاق، وهي انتخابات شهدت ترشح اثنين من الوزراء ومواجهة أحد أعضاء مجلس الشيوخ اتهامات بالخطيئة. من خلال هذا السياق، يستعرض ويلز النسيج التاريخي للولايات المتحدة ليُظهر كيف تتواصل النزاعات الدينية الحالية مع الصراعات الدينية في الماضي.
يطرح الكتاب وجهة نظر مفادها أن المعايير العلمانية التي وضعها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة قد تم فهمها بشكل خاطئ على مر العصور. بالرغم من وجود متشددين ونارثوريين رجعيين، يؤكد ويلز أن الدين كان غالبًا قوة تقدمية في السياسة الأمريكية. ومن المفارقات التي يوضحها أن السياسة المتبعة لفصل الكنيسة عن الدولة قد أدت إلى تعزيز موقف الكنيسة بدلاً من إضعافه.
يتميز كتاب “تحت رعاية الله” بجودة الملاحظة الفائقة التي تعكس براعة غاري ويلز في الكتابة والتحليل. يقدم الكتاب نظرة ثاقبة وأصلية حول سبب عدم قدرة الدين والسياسة على الانفصال التام في الولايات المتحدة. يعزو ذلك إلى التداخل العميق بين القيم الدينية والمبادئ السياسية التي تشكل الهوية الأمريكية.
يُظهر ويلز من خلال كتابه كيف أن الدين، على الرغم من محاولات فصله عن السياسة، قد ظل دائمًا جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي الأمريكي. يتطرق إلى أمثلة تاريخية متعددة، مشيرًا إلى أن الدافع الديني كان وراء العديد من الحركات السياسية والاجتماعية التي شهدتها الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينغ جونيور كانت متأثرة بشكل كبير بالإيمان الديني، كما أن العديد من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية قد استمدت زخمها من الأخلاق والقيم الدينية.
من ناحية أخرى، يُناقش الكتاب كيف استغل بعض السياسيين الدين لأغراضهم الشخصية والسياسية، محاولين تحقيق مكاسب انتخابية من خلال اللعب على الوتر الديني. وهذا الاستغلال يبرز التوترات والتحديات التي تواجه مفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة، وكيف أن هذه التوترات قد شكلت جزءًا من التطور السياسي للولايات المتحدة.
نُشر الكتاب بواسطة دار نشر سيمون وشوستر في شهر سبتمبر من عام 1990، ويُصنّف ضمن فئة العلوم السياسية والحكومة الأمريكية بشكل عام. إن “تحت رعاية الله” ليس مجرد تحليل تاريخي، بل هو دعوة للتأمل في كيفية تأثير الدين على السياسة والعكس، وكيف يمكن أن يؤدي التفاهم المتبادل والاحترام بين هذين المجالين إلى تعزيز الديمقراطية الأمريكية.
باختصار، يُعتبر كتاب “تحت رعاية الله: الدين والسياسة الأمريكية” عملاً متميزًا يجمع بين التحليل العميق والتأريخ الشامل، ويقدم رؤية فريدة حول العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة، مبرزًا أهمية هذه العلاقة وتأثيرها المستمر على الهوية الأمريكية.