6 طرق تساعدك على تخطي الأوقات الصعبة

تمرّ حياة الإنسان بمراحل متباينة تتراوح بين الفرح والحزن، النجاح والفشل، الراحة والمحنة. وتُعد الأوقات الصعبة من أكثر الفترات التي تُظهر معدن الإنسان الحقيقي وتختبر مدى قوته النفسية وقدرته على التأقلم والصمود. فالمحن ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي تجارب تشكّل الشخصية وتفتح آفاقاً جديدة لفهم الذات والعالم. في هذا السياق، يصبح من الضروري امتلاك أدوات واستراتيجيات فعالة لتجاوز هذه الفترات الصعبة بوعي وحكمة، مع الاحتفاظ بالسلام الداخلي والاتزان العاطفي.

في هذا المقال المطوّل والمفصّل، سنستعرض ست طرق فعّالة مدعومة بالدراسات النفسية والتجارب الحياتية، تساهم في تمكين الفرد من تخطي الأوقات العصيبة، وتحويل المحنة إلى منحة، والانكسار إلى انطلاقة جديدة.

1. ممارسة القبول الواعي للواقع (Mindful Acceptance)

الخطوة الأولى لتجاوز الأوقات الصعبة تبدأ من الاعتراف بوجود المحنة وقبولها كما هي، دون إنكار أو مقاومة. يُعد القبول الواعي من أهم المبادئ في العلاج السلوكي الجدلي والعلاج القائم على اليقظة الذهنية، حيث لا يعني الاستسلام وإنما الاعتراف بالواقع كما هو بهدف التعامل معه بوعي بدلاً من الهروب منه.

عندما يقاوم الإنسان الألم أو يحاول إنكاره، فإنه يضاعف معاناته. أما القبول الواعي، فيمنح العقل لحظة تنفس يستطيع من خلالها تقييم الموقف واتخاذ خطوات أكثر عقلانية بدلاً من الانفعالات التلقائية. وهذا ما أشار إليه الطبيب النفسي الأمريكي “جون كابات-زين” حين قال: “لا يمكنك إيقاف الموج، لكن يمكنك أن تتعلم كيف تسبح.”

من خلال التأمل الواعي والتنفس العميق والانتباه للحظة الحاضرة دون إصدار أحكام، يستطيع الفرد تهدئة اضطرابه الداخلي، وتوسيع المساحة النفسية التي تسمح له بالتصرف بدلاً من رد الفعل.

2. بناء شبكة دعم اجتماعية متماسكة

الدعم الاجتماعي هو من أقوى العوامل الحامية للنفس البشرية في أوقات الشدة. العزلة في وقت الألم قد تبدو خياراً مريحاً، لكنها غالباً ما تؤدي إلى تفاقم الأوجاع وتضخيم المشاعر السلبية. أظهرت دراسات متعددة في علم النفس الاجتماعي أن الأفراد الذين يمتلكون علاقات اجتماعية داعمة هم أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط وأقل عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق.

ليس المقصود بكثرة المعارف، بل الجودة الحقيقية للعلاقات. وجود شخص أو اثنين ممن يمكن الوثوق بهم والتحدث إليهم دون خوف من الأحكام، يوفّر مساحة آمنة للتنفيس والمشاركة. ويكفي أحياناً مجرد الإصغاء الفعّال من الآخرين حتى يشعر الإنسان بالراحة والانتماء.

يمكن أن تشمل شبكة الدعم الأصدقاء، أفراد العائلة، المعالج النفسي، أو حتى مجموعات الدعم الافتراضية التي تجمع بين أفراد مرّوا بتجارب مشابهة. المهم هو التواصل، وطلب المساعدة عند الحاجة دون خجل أو تردد.

3. إعادة تأطير التفكير السلبي (Cognitive Reframing)

طريقة التفكير هي البوابة التي من خلالها ندرك العالم ونتفاعل معه. في الأوقات الصعبة، قد ينزلق العقل إلى أنماط تفكير سوداوية مثل التعميم المفرط، أو التفكير الكارثي، أو جلد الذات. إعادة تأطير التفكير تعني إعادة صياغة الموقف بطريقة تساعد على تقليل الألم النفسي ورؤية الأمور من منظور مختلف وأكثر إيجابية.

وفقًا لمدرسة العلاج المعرفي السلوكي، فإن تغيير طريقة التفكير يؤدي بشكل مباشر إلى تغيير المشاعر والسلوك. فبدلاً من قول: “أنا فاشل لأنني خسرت عملي”، يمكن للفرد أن يعيد تأطير الفكرة إلى: “لقد خسرت وظيفتي، لكن يمكن أن أستغل هذه الفرصة لإعادة تقييم مساري المهني.”

هذا النوع من التحول الذهني لا يعني التهوين أو التزييف، بل يتطلب وعياً نقدياً بالأنماط العقلية التي تزيد من المعاناة، واستخدام أدوات مثل كتابة الأفكار ومناقشتها منطقياً أو مع معالج نفسي للمساعدة في تحليلها واستبدالها بأنماط تفكير بنّاءة.

4. تبني العادات اليومية الصغيرة لتعزيز الصمود

خلال الأوقات العصيبة، قد يفقد الإنسان السيطرة على مجريات حياته، مما يولّد شعوراً بالضياع والعجز. لكن تبنّي عادات بسيطة ومنتظمة يومياً يمكن أن يعيد هذا الإحساس بالتحكم. فحتى أصغر القرارات اليومية – مثل ترتيب السرير، ممارسة المشي لمدة عشر دقائق، تناول وجبة صحية، أو القراءة – تعزز الإحساس بالروتين والاستقرار.

أثبتت أبحاث في علم النفس الإيجابي أن للعادات الصغيرة دوراً كبيراً في بناء ما يُعرف بـ”المرونة النفسية” (Resilience)، وهي القدرة على النهوض بعد السقوط. وذلك لأن هذه العادات تُعد بمثابة رسائل عقلية ضمنية تقول للذات: “أنا أستحق الرعاية حتى وإن كنت أمرّ بظروف صعبة.”

ولا يُشترط أن تكون هذه العادات مثالية أو معقدة، بل يكفي أن تكون مستمرة وثابتة، لأنها تغذي الإحساس بالهوية والاستمرارية وسط التغيرات العنيفة التي قد تفرضها المحن.

5. إعطاء معنى للتجربة المؤلمة

واحدة من أقوى آليات التكيف النفسي هي القدرة على إيجاد معنى لما يحدث حتى وإن كان مؤلماً. يرى فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى (Logotherapy)، أن المعاناة تصبح أكثر احتمالاً عندما ينجح الإنسان في ربطها برسالة أو غاية أسمى. وقد طوّر هذه النظرية بعد تجربته في معسكرات الاعتقال النازية، حيث لاحظ أن من يتمسكون بهدف أو إيمان ما، كانوا أكثر بقاءً وقدرة على الصمود.

تحويل الألم إلى رسالة يمكن أن يتحقق بطرق مختلفة: من خلال التطوع لمساعدة من يمرّون بتجارب مشابهة، الكتابة عن التجربة، إطلاق مبادرات توعوية، أو حتى ببساطة اكتشاف دروس شخصية ساعدت في النمو والتطور.

ووفقاً لدراسة نشرتها مجلة Psychological Science، فإن الأفراد الذين يجدون مغزى في تجاربهم المؤلمة يميلون إلى التمتع بصحة نفسية أفضل على المدى البعيد، ويتحول لديهم الألم إلى محفّز على التغيير والنضج.

6. الاستعانة بالقوة الروحية والإيمانية

الروحانية بمختلف أشكالها تُعد ركيزة أساسية في دعم الإنسان خلال الأوقات العصيبة. سواء كان ذلك من خلال الممارسات الدينية، أو التأمل، أو الاتصال بالله، فإن الإيمان يوفّر للإنسان شعوراً بالثبات والأمل والطمأنينة. وهذا ما تؤكده الدراسات النفسية التي وجدت أن الأشخاص الذين يمارسون شعائرهم الدينية بانتظام أو يمتلكون نظاماً روحياً متيناً، يكونون أكثر قدرة على التكيف في مواجهة الأزمات.

الجانب الروحي لا يقدّم فقط تفسيرات تتجاوز الإدراك البشري المحدود، بل يمنح طاقة داخلية تساعد على تجاوز لحظات الانكسار، والتصالح مع الذات ومع ما لا يمكن تغييره. فالدعاء، والذكر، والصلاة، والتفكر، كلها أدوات تمد الإنسان بالقوة عندما تعجز الوسائل المادية عن المواساة أو الإقناع.

وقد أشار تقرير صادر عن American Psychological Association إلى أن إدماج البعد الروحي في العلاج النفسي أدى إلى تحسن واضح في حالات الاكتئاب والقلق عند العديد من الأفراد.

جدول: مقارنة بين التأقلم السلبي والتأقلم الإيجابي في مواجهة الأزمات

في نهاية المطاف، لا يمكن لأي إنسان أن يتجنب المحن أو يمنع وقوعها، لكنها ليست نهاية الطريق. الأوقات الصعبة هي محطات ضرورية في مسار النمو الإنساني، تحمل في طياتها فرصاً للتأمل، التغيير، وإعادة التشكيل الداخلي. إن استخدام الأدوات الست المذكورة أعلاه، من القبول الواعي إلى القوة الروحية، يشكّل منظومة متكاملة للتعامل بذكاء وفعالية مع الأزمات، وتحويل المعاناة إلى محفّز للنمو لا إلى عبء على الحياة. فالنجاة لا تكون بإنكار الألم، بل بفهمه واستثماره كجزء من رحلة الإنسان نحو تحقيق ذاته.

المراجع:

1. Frankl, V. E. (2006). Man’s Search for Meaning. Beacon Press.

2. Kabat-Zinn, J. (1994). Wherever You Go, There You Are: Mindfulness Meditation in Everyday Life. Hyperion.