فيما يلي رحلة مثيرة للعملة العراقية عبر التاريخ، حيث امتزجت الأحداث الاقتصادية والتحولات السياسية لتشكل مسارها الطويل والمعقد. تاريخ العملة العراقية يعود إلى عام 1534م، حيث كانت تستخدم الأوراق النقدية العثمانية لفترة تمتد على مدى أربعة قرون، تحديدًا من عام 1534 حتى عام 1920م.
بعد الفترة العثمانية، جاءت فترة الاحتلال البريطاني في العراق، ومعها تم استبدال العملة العثمانية بالعملة الهندية، التي تضمنت الانة والروبية المعدنية الصادرة عام 1914م، والتي كانت تحمل صورة الملك البريطاني جورج الخامس. وهكذا أصبحت العملة الهندية هي العملة الوحيدة المتداولة في العراق، سواء النوع الورقي أو المعدني.
مع تأسيس مجلس عملة العراق في لندن عام 1931م، بدأت فترة جديدة في تاريخ العملة العراقية. تم ربط الدينار العراقي بالباون البريطاني، وكان يعادل 1000 فلس. وكان المجلس يتبع سياسة نقدية تحفظية، حيث كان يحتفظ بمستويات عالية من الاحتياطي كغطاء للدينار.
في عام 1932م، بعد انتهاء الانتداب البريطاني على العراق، أصدرت الحكومة العراقية الدينار العراقي، واستبدلت به الروبية بمعدل 1 دينار عراقي يعادل 13 روبية هندية. وفي عام 1947م تأسس المصرف الوطني العراقي كمؤسسة حكومية، حيث تولى مسؤولية إصدار العملة الورقية والاحتفاظ بالاحتياطيات.
تطورت القوة الاقتصادية للعملة العراقية عبر السنوات، حيث تم ربطها بالجنيه الإسترليني حتى عام 1959م، ثم تم تحويل الربط إلى الدولار الأمريكي بسعر دينار واحد يعادل 2.8 دولار. وفي عام 1956م، أصبح المصرف الوطني العراقي هو البنك المركزي العراقي، وزادت مسؤولياته لتشمل إدارة العملة والرقابة على معاملات النقد الأجنبي.
تواجه العملة العراقية تحديات كبيرة خلال فترة حرب الخليج في عام 1991م، حيث شهدت انخفاضاً في قيمتها بسبب الحصار الاقتصادي. في هذه الفترة، تم إصدار عملة جديدة تحمل تقنيات مضادة للتزوير. ومع ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة من 2004 إلى 2014، ارتفعت قيمة الدينار العراقي بشكل طفيف.
وفي عام 2003، أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة عملة عراقية جديدة، استبدلت العملات الورقية القديمة، وأُممت كافة المصارف وشركات التأمين. لكن الفترة بين عامي 1991 و2003 شهدت انخفاضاً كبيراً في قيمة الدينار، حيث وصل إلى 3000 دينار للدولار الواحد في أواخر عام 1995م.
تأسس البنك المركزي العراقي في عام 2004، كبنك مستقل، وكان مسؤولاً عن الحفاظ على استقرار الأسعار، وتنفيذ السياسة النقدية، وإدارة الاحتياطيات الأجنبية. خلال السنوات التالية، شهدت القيمة الرسمية للدينار تغيرات، حيث ارتبط بالدولار الأمريكي بسعر ثابت.
وفي نهاية عام 2020، شهدت القيمة الرسمية للدينار انخفاضاً إلى 1470 دينار للدولار الواحد، وفي عام 2021 ارتفعت إلى 1510 دينار للدولار في السوق المحلي. تظهر هذه التغيرات القيمة المتقلبة للدينار العراقي، حيث ارتفعت وانخفضت على مر السنوات بناءً على الظروف الاقتصادية والسياسية.
بهذا، يكون قد اكتمل رحلة الدينار العراقي عبر التاريخ، حيث تجسدت فيها التحولات الاقتصادية والتغيرات السياسية، مما جعل من تاريخها قصة طويلة ومعقدة تعكس تفاعل العملة مع تحولات الزمن والأحداث.
المزيد من المعلومات
تستمر رحلة الدينار العراقي في العودة إلى الماضي والنظر إلى المستقبل، حيث تشكل العديد من الأحداث والتغيرات أثرًا كبيرًا على واقع هذه العملة. في سنوات ما بعد تأسيس البنك المركزي العراقي في عام 2004، توسعت صلاحياته ليشمل إصدار وإدارة العملة، وكذلك الرقابة على الجهاز المصرفي وإدارة قروض الحكومة. ومع مرور الوقت، تطورت السياسات النقدية والاقتصادية لتلبية احتياجات الاقتصاد العراقي المتغير.
في فترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين وتحرير العراق في عام 2003، شهد الدينار العراقي تغييرات هامة. أُممت العملة الوطنية الجديدة بمزيد من التحسينات التكنولوجية للعملات الورقية بهدف تقليل مخاطر التزوير وتحسين التداول النقدي في المجتمع. وفي تلك الفترة، تم استبدال العملات الورقية القديمة بوحدة عملة جديدة بنفس القيمة وبواحد دينار جديد يعادل ألف دينار قديم.
علاوة على ذلك، أثرت التحولات في سوق النفط العالمية على اقتصاد العراق وبالتالي على قيمة الدينار. في الفترة ما بين 2003 و2014، شهدت العراق زيادة في إنتاج النفط وتحسناً في الإيرادات النفطية، مما ساهم في استقرار الدينار العراقي ورفع قيمته بشكل ملحوظ.
ومع ذلك، عاش الدينار العراقي فترات من التقلبات، خاصة خلال الفترة ما بين 2014 و2018 حيث شهد تراجعًا في قيمته بسبب تداولات اقتصادية وأمنية متقلبة، بما في ذلك تأثير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وفي السنوات الأخيرة، عاش الدينار العراقي تحديات جديدة مع تأثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) على الاقتصاد العالمي، وخاصة على أسعار النفط التي تعتبر مصدرًا رئيسيًا للإيرادات العراقية.
مع بداية عام 2021، ورغم استمرار التحديات الاقتصادية والسياسية، استمر الدينار العراقي في التداول، وارتفعت قيمته قليلاً في السوق المحلية. يبقى مستقبل الدينار العراقي متأثرًا بتطورات الاقتصاد العالمي والأحداث السياسية الداخلية، مما يجعل من تحليل وفهم هذه العوامل أمرًا حيويًا لفهم مسار هذه العملة في الأعوام القادمة.