شركة فايزر الدوائية: التاريخ، الإنجازات، وأبرز المنتجات

مقدمة

تُعد شركة فايزر (Pfizer Inc.) واحدة من أكبر وأقدم شركات الصناعات الدوائية في العالم، وتتميز بتاريخ طويل يمتد لأكثر من 170 عامًا في تقديم حلول علاجية مبتكرة أثرت بشكل كبير على الصحة العامة عالميًا. تأسست الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت رمزًا للابتكار الطبي بفضل تطويرها لأدوية شكلت تحولًا في مسار علاج العديد من الأمراض المستعصية. ساهمت فايزر في إنقاذ ملايين الأرواح من خلال توفير علاجات فعالة لأمراض مزمنة وخطيرة مثل السرطان، أمراض القلب، الأمراض المعدية، والاضطرابات النفسية والعصبية.

التأسيس والبدايات (1849–1900)

تأسست شركة فايزر في عام 1849 بمدينة بروكلين، نيويورك، على يد اثنين من المهاجرين الألمان: تشارلز فايزر (Charles Pfizer) وابن عمه تشارلز إرهارت (Charles F. Erhart). بدأت الشركة كمصنع صغير لصناعة مواد كيميائية. وكان أول منتج لها هو مادة “سانتونين” المستخدمة في علاج الطفيليات المعوية، وهو منتج لاقى رواجًا كبيرًا وساهم في نمو الشركة خلال سنواتها الأولى.

منذ بدايتها، ركزت فايزر على جودة الإنتاج واستخدام التقنيات الحديثة في التصنيع الكيميائي، ما جعلها تتميز عن كثير من الشركات الناشئة في ذلك الوقت. في أواخر القرن التاسع عشر، وسّعت الشركة نشاطها في تصنيع حمض الستريك، والذي أصبح جزءًا هامًا من عملياتها لعقود طويلة.

التطور خلال القرن العشرين (1900–2000)

الحربان العالميتان ودور فايزر

خلال الحربين العالميتين، لعبت فايزر دورًا محوريًا في إنتاج المضادات الحيوية، لا سيما خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت من أوائل الشركات التي أنتجت البنسلين على نطاق صناعي واسع. استجابت فايزر لتحديات تلك المرحلة من خلال تطوير طرق تخمير متقدمة لإنتاج البنسلين بكميات ضخمة، ما ساعد في علاج جروح الجنود المصابين وإنقاذ الأرواح.

التوسع العالمي

بعد الحرب، بدأت فايزر في التوسع خارج الولايات المتحدة، حيث أسست فروعًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا. هذا التوسع جعلها واحدة من الشركات الدوائية القليلة التي تتمتع بحضور عالمي في منتصف القرن العشرين. كما استثمرت الشركة بشكل كبير في البحث والتطوير، مما مكّنها من إنتاج أدوية مبتكرة لمعالجة أمراض القلب، الضغط، والسكري.

الابتكارات في الطب النفسي والقلب

في السبعينيات والثمانينيات، أنتجت فايزر عددًا من الأدوية التي تركت أثرًا عميقًا على الممارسة الطبية، منها:

• زيبريكسا (Zoloft): أحد أشهر مضادات الاكتئاب، والذي ساعد ملايين الأشخاص في التغلب على الاكتئاب واضطرابات القلق.

• نورفاسك (Norvasc): دواء يستخدم لعلاج ضغط الدم المرتفع وأمراض القلب، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم في مختلف أنحاء العالم.

• لوبيد (Lipitor): وهو أحد أكثر الأدوية شهرة في تاريخ الطب، حيث يُستخدم لخفض الكولسترول وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. في فترة من الزمن، كان هذا الدواء الأعلى مبيعًا على مستوى العالم.

فايزر في القرن الحادي والعشرين: مرحلة التحول والابتكار

التوسع في مجال التكنولوجيا الحيوية

مع بداية القرن الحادي والعشرين، أدركت فايزر ضرورة مواكبة التحولات الجديدة في علم الجينوم والبيولوجيا الجزيئية. وبدأت في استثمارات ضخمة في مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية. قامت بعدد من عمليات الاستحواذ الاستراتيجية، من أبرزها:

• استحواذها على شركة فارماسيا (Pharmacia) في 2003: وهو ما منحها حقوق التسويق الحصري لدواء سيليبريكس (Celebrex)، المستخدم في علاج التهاب المفاصل.

• الاندماج مع وايث (Wyeth) في عام 2009: هذه الصفقة العملاقة عززت قدرة فايزر على إنتاج لقاحات وأدوية بيولوجية.

إنتاج اللقاحات والأمصال

برزت فايزر كلاعب رئيسي في سوق اللقاحات خلال العقدين الماضيين، ومن أبرز إنجازاتها:

• لقاح بريفنار (Prevnar 13): لقاح ضد المكورات الرئوية، يُستخدم لحماية الأطفال وكبار السن من الالتهابات الرئوية والتسمم الدموي، ويعد من أهم مصادر دخل الشركة.

• لقاح نيموكوكال كونغوجيت (PCV13): ساهم بشكل كبير في تقليل وفيات الأطفال الناجمة عن الأمراض التنفسية.

لقاح فايزر–بيونتيك ضد كوفيد-19

أحد أعظم إنجازات فايزر في تاريخها الحديث هو تطوير لقاح مضاد لفيروس كوفيد-19 بالتعاون مع شركة “بيونتيك” الألمانية للتكنولوجيا الحيوية. بدأ تطوير اللقاح في أوائل عام 2020، وتمت الموافقة عليه للاستخدام الطارئ من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في ديسمبر 2020.

كان لقاح Pfizer-BioNTech BNT162b2 هو أول لقاح بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) يُعتمد للاستخدام البشري. وقد ساهم في تحجيم انتشار الوباء على مستوى العالم، وجرى استخدامه في عشرات الدول عبر برامج تطعيم ضخمة.

أثبت اللقاح فعاليته العالية في الوقاية من الإصابة الشديدة، كما تم تطوير جرعات معززة لاحقة منه للتعامل مع المتحورات الجديدة للفيروس مثل “دلتا” و”أوميكرون”. كانت هذه التجربة علامة فارقة ليس فقط في تاريخ فايزر بل في تاريخ الطب الحديث.

الجدول التالي يوضح أهم منتجات فايزر الدوائية وتصنيفاتها

فايزر والبحث العلمي

تعد فايزر من أكثر شركات الأدوية استثمارًا في مجال البحث والتطوير. تنفق الشركة سنويًا ما يزيد عن 10 مليارات دولار على الأبحاث السريرية، التطوير التكنولوجي، وتجارب الأدوية. لديها أكثر من 80 مركزًا بحثيًا حول العالم، وتوظف آلاف العلماء والباحثين المتخصصين في علم الأدوية والبيولوجيا الجزيئية والكيمياء الحيوية.

تتعاون فايزر مع جامعات ومراكز أبحاث كبرى مثل جامعة هارفارد، جامعة أكسفورد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) لتطوير تقنيات علاجية متقدمة مثل العلاج بالخلايا الجذعية، وتعديل الجينات بتقنية كريسبر.

فايزر والاستدامة والمسؤولية المجتمعية

تتبنى فايزر استراتيجيات مسؤولة اجتماعيًا من خلال مبادرات لمساعدة الدول النامية في الحصول على الأدوية واللقاحات بأسعار منخفضة أو مجانية. أطلقت برامج مثل:

• البرنامج العالمي للقاحات بالشراكة مع مؤسسة GAVI.

• صندوق الوصول إلى الأدوية الذي يوفر أدوية الأمراض المزمنة في إفريقيا وآسيا.

كما تُسهم فايزر في دعم البحوث لمكافحة الأمراض المعدية مثل السل والإيدز والملاريا.

أبرز التحديات والانتقادات

رغم نجاحاتها، تعرضت فايزر لانتقادات متعددة على مر السنين، تتعلق بأسعار الأدوية المرتفعة، واحتكار براءات الاختراع، والدعاوى القضائية المتعلقة بالآثار الجانبية لبعض أدويتها. على سبيل المثال، تعرضت لغرامات ضخمة تجاوزت المليار دولار بسبب ممارسات تسويقية غير أخلاقية لبعض المنتجات.

كما واجهت تحديات تتعلق بالشفافية خلال توزيع لقاح كوفيد-19، حيث طُلب منها الكشف عن تفاصيل الاتفاقيات مع الحكومات، لكن ذلك خضع لمراجعة قانونية شديدة.

مستقبل فايزر

تعمل فايزر حاليًا على تطوير أدوية وعلاجات مبتكرة في مجالات متعددة، أبرزها:

• العلاج الجيني: تطوير علاجات طويلة الأمد لأمراض نادرة مثل الهيموفيليا.

• الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة: لتحسين اكتشاف الأدوية وتقصير دورة التطوير.

• اللقاحات المضادة للسرطان: بالاعتماد على تقنيات mRNA، وهو امتداد للنجاح الذي تحقق بلقاح كوفيد-19.

خاتمة

استطاعت شركة فايزر أن تترك بصمة لا تمحى في عالم الطب والصحة العامة، وأن تجمع بين التاريخ العريق والابتكار المستقبلي. من بداياتها في بروكلين إلى قيادتها لثورة mRNA العالمية، مثلت فايزر نموذجًا لشركة دوائية تنجح في الجمع بين الربح والمسؤولية الاجتماعية. لا يزال الطريق أمامها مليئًا بالتحديات العلمية والطبية، لكنها تواصل تقديم إسهامات نوعية تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة البشر.

المراجع:

1. Pfizer Official Website: https://www.pfizer.com

2. “The Rise of the Modern Pharmaceutical Industry” – Nature Reviews Drug Discovery (2021)