عدد مرات هدم الكعبة: تاريخ طويل من التدمير والإعادة البناء
الكعبة المشرفة، قبلة المسلمين وأقدس مكان على وجه الأرض، هي معلم ديني وتاريخي عظيم في مكة المكرمة. يقع هذا الهيكل المعماري في قلب المسجد الحرام، وقد شهد العديد من الأحداث الكبرى عبر العصور، بما في ذلك فترات من التدمير والهدم وإعادة البناء. على الرغم من أن الكعبة تعتبر رمزًا للعبادة والروحانية في الإسلام، إلا أنها مرت بتقلبات عظيمة من الدمار والهدم على مر العصور.
في هذا المقال، سنستعرض التاريخ الطويل للكعبة المشرفة، بما في ذلك الأوقات التي تعرضت فيها للهدم وأسباب ذلك، وكيف تم إعادة بنائها في كل مرة، إلى جانب المعلومات المتعلقة بأهم الحوادث التي تعرضت لها.
1. الهدم الأول للكعبة: من بناء إبراهيم عليه السلام
الكعبة المشرفة بنيت أول مرة في عهد النبي إبراهيم عليه السلام، كما هو مذكور في القرآن الكريم. وقد أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم ببناء الكعبة مع ابنه إسماعيل عليه السلام. قال الله تعالى في القرآن الكريم في سورة البقرة: “وإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ” (الآية 125). ومن المعروف أن الكعبة قد خضعت لتغيرات عدة عبر العصور، بدءًا من فترة بناء إبراهيم عليه السلام.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الكعبة قد دُمِّرت وتهدمت قبل هذا الهدم الكبير الذي نحن بصدد الحديث عنه. يقول بعض المؤرخين أن الكعبة قد تعرضت للدمار بسبب الطوفان الذي حدث في زمن النبي نوح عليه السلام. هذا الطوفان دمر كل ما في الأرض من معالم حضارية، ولذلك فقد تم بناء الكعبة من جديد بعد تلك الفترة.
2. الهدم الثاني: في عهد قريش
وصلنا إلى مرحلة زمنية أخرى عندما تعرضت الكعبة للهدم على يد قريش في الجاهلية، وذلك في حادثة شهيرة تعرف بـ”عام الفيل”. في تلك الفترة كان الكعبة قد أصبحت مركزًا تجاريًا مهمًا في مكة، وكان العبث في هيكلها أمرًا مستهجنًا. لكن، في فترة ما قبل الإسلام، حدث نزاع داخلي حول من يتولى إعادة بناء الكعبة بعد أن تأثرت جدرانها بفعل الحروب والفيضانات.
كان ذلك في عام 605م، حيث تعرضت الكعبة لدمار جزئي بسبب الفيضانات والأمطار الغزيرة، مما دفع قريش لإعادة بناء الكعبة على نفقتهم الخاصة. لكن، بسبب الصراع بينهم حول من سيحصل على شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، كاد هذا العمل أن يؤدي إلى نزاع كبير بينهم. انتهت القصة بتعيين النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليحل هذا النزاع في وقت لاحق، حيث قام بتركيب الحجر الأسود في مكانه أثناء بناء الكعبة بعد الفتح الإسلامي.
3. الهدم الثالث: غزوة مكة والتدمير المؤقت للكعبة
في عام 63هـ، أي في القرن السابع الميلادي، تعرضت مكة المكرمة لحصار من قبل الجيوش الفارسية، حيث كانت هذه الحروب تتمركز حول المناطق المقدسة في شبه الجزيرة العربية. في تلك الفترة، تعرضت الكعبة لدمار شديد نتيجة الهجمات على مكة. وعلى الرغم من أنها تعرضت للهدم جزئيًا، فقد بقيت أهميتها في قلوب المسلمين، وتم إعادة بناء الكعبة على يد الخليفة عبد الله بن الزبير.
4. الهدم الرابع: في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي
من بين أكثر الحوادث شهرة التي تسببت في هدم الكعبة هي حادثة هدم الكعبة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي في عام 73 هـ. تلك الحادثة حدثت في فترة الخلافة الأموية حينما كان الحجاج واليًا على العراق والشام. في تلك الفترة، كان الحجاج قد قام بمحاصرة عبد الله بن الزبير داخل مكة، وقد لاقت هذه الحملة معارضة شديدة من أهل مكة.
في خضم هذه الصراعات السياسية، تعرضت الكعبة لدمار شامل، حيث قام الحجاج بن يوسف بتدمير أجزاء من الكعبة بحجة أنها كانت غير مستقيمة. عقب الحادثة، قام عبد الله بن الزبير بإعادة بناء الكعبة من جديد، وهذه المرة تم توسيع الهيكل وبناءه بشكل محكم.
5. الهدم الخامس: في زمن الفتن الداخلية
في العصر العباسي، ومع مرور الوقت، ومع وقوع الحروب الداخلية والفتن السياسية بين الأسرة الحاكمة والمتمردين، كانت الكعبة تتعرض للتهديدات. في عام 317 هـ، تعرضت مكة للدمار مرة أخرى بسبب التغيرات السياسية، حيث خُربت بعض أجزاء الكعبة، وظلت الهيكل المحيط بها متضررًا.
في هذا الوقت، لم يكن هناك هدم شامل للكعبة، بل كان الهدم جزئيًا فقط، ومع ذلك، كان هذا الهدم جزءًا من الفتن السياسية والاضطرابات التي عانت منها الدولة العباسية.
6. الهدم السادس: في زمن الحروب الفاطمية
في العصر الفاطمي، الذي شهد حروبًا عدة بين القوى المختلفة على المنطقة العربية، تعرضت الكعبة للدمار مرة أخرى في القرن الرابع عشر الميلادي. أدى انتشار الفتن والصراعات إلى تهدم بعض أجزاء الكعبة. إلا أن تلك الفترة كانت مختلفة عن الفترات السابقة، حيث تم ترميم الكعبة بسرعة نسبية، وأصبحت قوتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة تساهم في تسريع عملية إعادة البناء.
7. الهدم السابع: في زمن الحملات الصليبية
في وقت الحروب الصليبية، التي بدأت في القرن الحادي عشر الميلادي، تعرضت مكة المكرمة مرة أخرى لأضرار هائلة، بما في ذلك تدمير أجزاء من الكعبة. كانت هذه الفترات مليئة بالتهديدات والصراعات السياسية التي انعكست على الحياة الدينية في المنطقة.
ورغم الضغوطات السياسية والعسكرية، استطاع المسلمون المحافظة على قدسية الكعبة، وأعيد بناء الأجزاء المدمرة في فترة لاحقة، واستمر هذا الوضع حتى العصر العثماني.
8. الهدم الأخير: في العصر الحديث
في العصر الحديث، وخاصة في القرن العشرين، كان هناك مشروع تطوير شامل للمسجد الحرام. شمل ذلك التوسعات الهائلة في الهيكل المحيط بالكعبة، كما تم إزالة بعض المباني القديمة وإعادة ترميم الكعبة.
في عام 1997م، تعرضت الكعبة لبعض الأضرار بسبب أعمال التطوير بالقرب منها، ولكن لم يحدث هدم كامل، بل كان التدمير في بعض الأجزاء من المنطقة المحيطة.
خلاصة
الكعبة المشرفة، على الرغم من تاريخها العريق والمليء بالأحداث الكبرى، فقد عرفت العديد من فترات الهدم والبناء. عبر العصور، شهدت الكعبة عمليات إعادة بناء وصيانة ضخمة جعلتها في نهاية المطاف هيكلًا متينًا وثابتًا يعكس قوة وإرادة المسلمين في الحفاظ على مكانتهم الروحية والدينية.
