في كتابها الرائع “الحريم وأبناء العم – تاريخ النساء في مجتمعات المتوسط”، تأخذنا الكاتبة جيرمين تيليون في رحلة استكشافية عبر الزمن والمكان، حيث تقف الأنظار على أرض المتوسط، تاريخًا طويلًا من القهر والتقاليد القديمة التي غالباً ما كانت تتسم بالظلم تجاه النساء.
يستند الكتاب إلى فهم عميق للواقع الاجتماعي في بلدان المتوسط، حيث يتناول بشكل تحليلي وشامل موقف المرأة وكيفية تأثير الثقافة والتقاليد في حياتها اليومية. يرصد تيليون بجدارة الصورة الصعبة التي تواجهها النساء في تلك المجتمعات، حيث يُرتكب الجرائم باسم الشرف، والنساء يعيشن حياتهن تحت وطأة حماية الرجال، الذين يكونون آباءً وأخوةً وأزواجًا في آن واحد.
تبرز تيليون في كتابها أن هذا النوع المتطرف من القهر ليس مقتصراً على المجتمعات الإسلامية، بل يعود جزءًا من تراث تاريخي مشترك مع الفترة ما قبل المسيح والتأثير الوثني الذي لا يزال يثقل كاهل المجتمعات المسيحية والإسلامية على حد سواء.
ومن خلال فحص الابتكار الاجتماعي الفريد الذي يتمثل في زواج أبناء الأعمام (المعروف أيضًا بـ “جمهورية أبناء العم”)، تظهر الآثار الضارة على وضع المرأة وكذلك عواقبها الاقتصادية والاجتماعية.
باستمرارها في الرحلة التحليلية، تعتمد تيليون على مصادر غنية تمتد من هيرودوتس إلى القديس بولس وابن خلدون. تمزج ببراعة بين الأساطير والأدب والإثنوغرافيا والتاريخ الشخصي، وتقدم تحليلًا سوسيولوجيًا عميقًا يبرز الحياة اليومية للمرأة في هذه المجتمعات المعقدة.
يُظهر الكتاب، الذي نشر في عام 2000 من قبل دار الساقي للنشر والتوزيع، بجدارة وتأمل ذكاء الملاحظة والمعاينة العلمية، ويمتد في اتساع نطاقه ليكون عملاً فريدًا ومؤثرًا يتناول قضايا الأسرة وشؤون المرأة بشكل شامل ومفصل.