متى اخترع الإنترنت: تاريخ وتطور شبكة الاتصال العالمية

يُعتبر الإنترنت من أهم الاختراعات التي غيرت وجه العالم، فهو الأساس الذي قامت عليه الثورة الرقمية التي غيرت طريقة التواصل والعمل والترفيه والتعليم وحتى التجارة. لكن متى وكيف بدأ هذا الاختراع العظيم؟ وما هي الخطوات التي مرت بها هذه التقنية حتى أصبحت شبكة عالمية تربط مليارات البشر حول الكرة الأرضية؟ سنستعرض في هذا المقال تاريخ اختراع الإنترنت، ونحلل المراحل المختلفة التي مرت بها هذه التقنية، كما نسلط الضوء على الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في تأسيسها وتطويرها.

بدايات الإنترنت: فكرة ربط الحواسيب

تعود فكرة الإنترنت إلى خمسينيات القرن العشرين، عندما كانت الحواسيب الإلكترونية في مراحلها الأولى، وكانت مكلفة وضخمة، وتستخدم بشكل رئيسي للأغراض العسكرية والأبحاث العلمية. في ذلك الوقت، كانت هناك حاجة ماسة لتبادل المعلومات بين المؤسسات المختلفة التي تستخدم هذه الحواسيب، خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الحرب الباردة تدور رحاها، وكانت الحاجة إلى نظام اتصالات موثوق ومتين لمواجهة التهديدات.

كانت المشكلة الأساسية هي أن الحواسيب لم تكن متصلة ببعضها البعض، فكل جهاز يعمل بمعزل عن الآخر، ولا يمكن تبادل البيانات أو الموارد بشكل مباشر. ولحل هذه المشكلة، ظهر مفهوم “الشبكة” أو “Network” التي تسمح بربط عدة حواسيب معًا، بحيث يمكن تبادل المعلومات بينهما بسرعة وفعالية.

مفهوم الـ ARPANET: البداية الحقيقية للإنترنت

تعود بداية الإنترنت الحديثة إلى عام 1969، عندما أنشأت وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الدفاعية الأمريكية المعروفة اختصارًا بـ (DARPA) شبكة تجريبية أُطلقت عليها اسم ARPANET. كانت هذه الشبكة تهدف إلى ربط عدة جامعات ومراكز بحثية أمريكية لتبادل المعلومات والتعاون في المشاريع العلمية، خاصة في مجال الدفاع.

كانت شبكة ARPANET تستخدم تقنية التبديل بالحزم (Packet Switching)، وهي طريقة لتقسيم البيانات إلى حزم صغيرة ترسل عبر الشبكة بشكل مستقل، ثم يتم إعادة تجميعها في الوجهة النهائية. هذه التقنية مكنت الشبكة من التعامل مع أعطال بعض الأجهزة أو الخطوط دون فقدان البيانات، الأمر الذي ساهم في جعل الشبكة أكثر مرونة ومتانة مقارنة بطرق الاتصال التقليدية.

في البداية، ربطت ARPANET أربعة مواقع فقط: جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، معهد ستانفورد للأبحاث، جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، وجامعة يوتا. هذه البداية كانت حجر الأساس لما سيتحول لاحقًا إلى شبكة الإنترنت العالمية.

تطور البروتوكولات: TCP/IP

مع ازدياد عدد الأجهزة والشبكات المتصلة، ظهرت الحاجة إلى بروتوكولات موحدة تتيح لهذه الشبكات المختلفة التواصل فيما بينها بسهولة وبدون تعقيد. في أوائل السبعينيات، طور العالمان فينت سيرف وروبرت خان بروتوكولًا جديدًا أطلقا عليه اسم “بروتوكول التحكم بالنقل/ بروتوكول الإنترنت” أو TCP/IP، وهو مجموعة من القواعد التي تنظم كيفية تقسيم البيانات، إرسالها، توجيهها، واستقبالها بين الأجهزة المتصلة.

يعتبر اعتماد بروتوكول TCP/IP في 1 يناير 1983 لحظة مفصلية في تاريخ الإنترنت، حيث أصبح هذا البروتوكول الأساس لربط جميع الشبكات التي بدأت تنتشر بسرعة. هذا التوحيد ساعد على توسيع نطاق الإنترنت ليشمل ليس فقط الجامعات والمؤسسات العسكرية، بل أيضًا المؤسسات التجارية والعامة.

نشأة شبكة الويب العالمية (WWW)

رغم أن الإنترنت كان موجودًا ويعمل منذ أوائل السبعينيات، إلا أن الشبكة العالمية التي نعرفها اليوم والتي تعتمد على صفحات الويب كانت نتاجًا لتطور لاحق في أوائل التسعينيات. في عام 1989، قدم العالم البريطاني تيم برنرز-لي فكرة شبكة الويب العالمية (World Wide Web) أثناء عمله في منظمة الأبحاث النووية الأوروبية (CERN).

قدم برنرز-لي نموذجًا يعتمد على استخدام صفحات الإنترنت التي يتم ربطها بروابط (Hyperlinks) تتيح التنقل بين الصفحات بسهولة، وأسس أول متصفح ويب وبرنامج خادم ويب. هذه الإضافة غيرت شكل الإنترنت من مجرد شبكة لتبادل البيانات إلى شبكة معلومات تفاعلية وسهلة الاستخدام.

مراحل تطور الإنترنت بين 1960 و 2000

• 1960-1970: كانت فكرة ربط الحواسيب عبر شبكة بدأت مع DARPA وARPANET، حيث تم تطوير تقنيات التبديل بالحزم وبدأت أولى التجارب العملية.

• 1980-1983: اعتماد بروتوكول TCP/IP، مما جعل الشبكات المختلفة تعمل معًا بسلاسة.

• 1980s: نشأة شبكة الإنترنت كشبكة متطورة تضم المؤسسات الأكاديمية والعسكرية.

• 1989-1991: ابتكار شبكة الويب العالمية بواسطة تيم برنرز-لي، ونشر أول موقع ويب.

• 1990s: انتشار الإنترنت بشكل واسع بين الجمهور العام، وظهور متصفحات ويب تجارية مثل Netscape وInternet Explorer، وتوسع خدمات البريد الإلكتروني، والمنتديات، ومحركات البحث.

تأثير الإنترنت في القرن الواحد والعشرين

مع بداية الألفية الجديدة، شهد الإنترنت ثورة هائلة في التكنولوجيا والاتصالات. انتشرت خدمات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والبث المباشر، والتجارة الإلكترونية، والتعليم عن بعد. تطورت سرعة الاتصال من خطوط الهاتف البطيئة إلى الألياف الضوئية والشبكات اللاسلكية عالية السرعة، مما أدى إلى ظهور خدمات سحابية متقدمة وتطبيقات ذكية تربط المستخدمين في كل أنحاء العالم.

كما أصبح الإنترنت من الأدوات الأساسية في الحياة اليومية، سواء للأفراد أو للشركات أو الحكومات، حيث توفر منصة للتفاعل، التعلم، التجارة، والإبداع.

جدول يوضح أهم الأحداث الرئيسية في تاريخ الإنترنت

شخصيات مؤثرة في اختراع وتطوير الإنترنت

بول باران وبداية التبديل بالحزم

في أوائل الستينيات، عمل العالم بول باران في وكالة الدفاع الأمريكية على تطوير فكرة التبديل بالحزم لتوفير نظام اتصالات مقاوم للانقطاع، مما شكل الأساس لنمو شبكة ARPANET.

فينت سيرف وروبرت خان: الآباء المؤسسون لبروتوكول الإنترنت

في السبعينيات، طور العالمان فينت سيرف وروبرت خان بروتوكول TCP/IP، الذي وحد الشبكات المختلفة في نظام واحد متكامل، ويعتبران من أبرز الشخصيات التي ساهمت في بناء الإنترنت.

تيم برنرز-لي: مخترع شبكة الويب العالمية

في أواخر الثمانينيات، قدم تيم برنرز-لي مفهوم الويب، وبنى أول متصفح وخادم ويب، مما سهل استخدام الإنترنت وتعميمه بين المستخدمين العاديين.

الخلاصة

اختراع الإنترنت لم يكن حدثًا مفاجئًا أو نتيجة فكرة واحدة فقط، بل كان نتاجًا لتراكم سنوات من البحث والتطوير والمشاريع العلمية التي قامت بها جهات حكومية وأكاديمية وأفراد مبدعين. بدأ الأمر كمشروع عسكري بسيط في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم توسع ليشمل الجامعات، وبعد ذلك المؤسسات التجارية والعامة، ليصبح في النهاية شبكة عالمية تربط البشر بمليارات الأجهزة.

يمثل الإنترنت نموذجًا حيًا على قدرة الإنسان في ابتكار حلول تكنولوجية معقدة ساهمت في تطوير مجتمعاتنا من جميع النواحي، العلمية، الاقتصادية، والاجتماعية، كما يستمر في التطور مع ظهور تقنيات جديدة مثل إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، مما يفتح آفاقًا غير محدودة للمستقبل.

المراجع:

1. Leiner, Barry M., et al. “A Brief History of the Internet.” ACM SIGCOMM Computer Communication Review, 2009.

2. Berners-Lee, Tim. “Weaving the Web: The Original Design and Ultimate Destiny of the World Wide Web.” Harper, 1999.