تأملات في مهرجان الجونة السينمائي: بين الفن وتفاصيل الحياة اليومية

في لحظة من الزمن، جلست أمام شاشة الكمبيوتر، مراقبًا لتصريحات أحد الممثلين المشاركين في مهرجان الجونة السينمائي. كانت كلماته مليئة بالغضب، يعبر فيها عن استياءه من فيلم يحمل عنوان “ريش”، الذي يسلط الضوء على حياة أسرة فقيرة ويناقش مأساتها. ترك الممثل، برفقة زملائه الكبار، قاعة العرض بدون استكمال المشاهدة، معبرًا عن تعبه من المحتوى.

فيما بعد، اتسمت تجربتي بمشاهدة الصور والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنوعت بين الإعجاب والتشجيع وبعض التنمر والحقد، الأمور التي أثرت في نفسي. وبينما كنت أستعرض الصور، انتقل اهتمامي إلى فساتين الممثلات وتفاصيل إطلالاتهن، وهنا بدأت التفاصيل البسيطة تلفت انتباهي.

وفي تلك اللحظة، قررت الانتقال من وراء الشاشة إلى الحياة الواقعية. خرجت إلى صباح جديد مليء بالبخار الخفيف، ووجدت فتى صغير يبلغ خمسة عشر عامًا يقف في ناصية الحارة، يرحب بي بابتسامة ويشاركني صباح الخير. لاحظت أسنانه الصفراء وردت التحية بشكل لطيف.

فتتبادل التحية تلك تكرارًا، وكأن الحياة تعود لطبيعتها. لكنني بعد عدة أيام اكتشفت أن الفتى هو بائع حشيش في المنطقة، وأن التحية والابتسامة تأتي في إطار عمليته لجذب الزبائن. بدأت في التأمل في سبب اختياره لي لتبادل التحية، فقد شعرت بأن وجهي قد يبدو وكأنه يحمل بعض الجاذبية لدى هؤلاء البائعين.

رغم أنني مواطن صالح وشريف، إلا أن ذلك لم يمنعني من أن أكون هدفًا للتحية والابتسامة في سياق عملية بيع غير قانونية. فكرت في مواقف أخرى في حياتي، مثل اللحظة التي تم توجيه سؤال لي عن حيازة الحشيش، وكيف كان يتم ارتباطي بهذه القضية في ذلك الوقت.

وهكذا، رافقت الأحداث اليومية تلك اللحظة، وجعلتني أفكر في الفرق بين الطبقات المختلفة في المجتمع وكيف تنغلق بعضها على نفسها. توجد فجوة واضحة بين تجمع الأثرياء في مهرجان الجونة وبين قضايا الفقر التي يتناولها فيلم “ريش”.

بدأت أتساءل عن اختيار مكان المهرجان ولماذا الجونة؟ هل لا يوجد مكان آخر يمكن للعامة من خلاله متابعة الأفلام؟ تذكرت أن الجونة تمتاز بكونها رمزًا للسياحة والرفاهية، ورأيت الاختلاط بين وجوه الممثلين ولاعبي كرة القدم في إعلانات شهر رمضان. كانوا يقارنون بين التجمع وشخصية الشيخ زايد، وأدركت أن هناك فجوة كبيرة بين هذه الواقعيتين.

وفيما بين ذلك، أصبحت الفساتين والإطلالات محور اهتمامي، وأدركت أنني أصبحت متجهًا نحو التفاصيل السطحية. وهنا أدركت أهمية عدم الغفلة عن جوانب أخرى مهمة في الأحداث الفنية والاجتماعية.

في النهاية، قررت الابتعاد عن التحيات السطحية والتفكير في الأمور بعمق أكبر، وأن أمتنع عن المشاركة في النقاشات التي قد تثير الحقد والانقسام. رغم محاولات العالم حولي في جعلي جزءًا من قصة يروج لها، قررت أن أكون أكثر حذرًا وتواضعًا في التعبير عن آرائي، حتى لا أضع نفسي في مواقف قد لا تليق بي.