في كتابها الممتع والمثير بعنوان “الأخلاق بين الأديان والفلسفة”، تقدم الكاتبة كريمة دوز رحلة فكرية عميقة تستكشف أبعاد الأخلاق وتأثيرها على حياة الإنسان. إن هذا العمل الأدبي الذي يمتد عبر 284 صفحة، صدر في عام 2016 عن دار الكاتب، يشكل مصدرًا ذا قيمة يستحق الاطلاع.
تبحر دوز في أروقة الأخلاق برؤية فريدة، حيث ترى أن الأخلاق ليست مجرد مجموعة من القواعد والقوانين، بل هي حاجة ملحة للإنسان. إنها القوة التي توجهه نحو تحقيق توازن مثلى بين احتياجاته الشخصية والاحتياجات الجماعية. ترى الكاتبة أن الأخلاق تمثل الدافع الذي يجعل الإنسان يخاطر بنفسه من أجل تحقيق الخير العام، وهي القوة التي تعلو فيه عطفًا وعدالة.
تتساءل دوز، وبأسلوبها الأدبي الراقي، عن مصدر وجدان الإنسان، وترى أن هذا المصدر يجب أن يكون دائمًا وجدانيًا. إما أن يختار الإنسان الالتفاف نحو دين يقوده نحو الخير والإحسان، كما فعلت جماهير بني آدم، أو يتجه إلى فلسفة يضعها كركيزة في حياته، لكن دائمًا يظل في خطر أن يهدمها شخص آخر. إن عدم وجود هذا الاتجاه يؤدي إلى حياة خالية من القيم والأخلاق، حياة بهيمية لا محالة.
تبرز الكاتبة بوضوح أن الإيمان بسماوية الأخلاق يمثل أساسًا أعمق وأكثر اتساقًا على الصعيدين المعرفي والنفسي. تظهر الفارق الكبير بين دين يؤكد على أهمية الرعاية للضعفاء والإحسان إليهم كوسيلة لتحقيق النصر والرزق، وبين أولئك الذين يفتقرون إلى أدنى حجة لإدانة قتل طفل بسبب إعاقته.
في نهاية المطاف، يظهر هذا الكتاب كمصدر ثري ومفيد في فهم أعماق الأخلاق وتأثيرها الجوهري على الإنسان والمجتمع. يجسد الأدب الإسلامي في هذا العمل مفهومًا عميقًا للأخلاق يستحق التأمل والتأمل، مما يجعله قطعة أدبية لا غنى عنها في مكتبة كل من يتطلع إلى فهم أفق الأخلاق في سياق ديني وفلسفي.