في سبعينيات القرن العشرين، وسط اتساع رقعة المد السلفي الذي اجتاح مصر، كانت القرية الصغيرة إبشان في شمال دلتا النيل تشهد ولادة ونموًا فنيًّا استثنائيًّا. كان هناك شاب ذو بشرة سمراء يواجه اتهامات بالترويج لعبادة الأصنام، ولكن قلة كانت تدرك أنه وراء هذه التهم يكمن واحدٌ من أعظم النحاتين العرب.
الدكتور السيد عبده سليم، رغم محيطه الذي لم يفهم قيمة إبداعه، كان يشكل رمزًا للتميز الفني في عالم النحت. ولد ونشأ في إحدى القرى النائية بشمال دلتا النيل، حيث كان يلتهمه هموم الحياة اليومية ويعيش تفاصيل حياة الريف. ومع ذلك، كان يحمل همًّا خاصًّا، إذ كان يستغل وقت فراغه في إبداع تماثيل من الطين على جسر الترعة الكبيرة التي تقطع قلب القرية.
في ظل ظروف بساطة الحياة، اكتشف السيد عبده سليم شغفه بالفن التشكيلي. انطلقت هوايته من تشكيل الطين إلى استخدام الصلصال في دروس التربية الفنية أثناء دراسته الثانوية. تطوّر هذا الاهتمام إلى أن انضم إلى كلية الفنون الجميلة، حيث أتقن فن النحت وتخرج عام 1976. ولكنه لم يكتفِ بذلك، بل أكمل دراسته حتى حصل على الدكتوراه من جامعة حلوان عام 1998.
تميزت أعمال السيد عبده برؤية خاصة تستمد إلهامها من الموروث الشعبي والتاريخي. كان يدمج عناصر الثقافة في خطابه الفني، ما أضفى لأعماله طابعًا دلاليًّا فريدًا. وعلى الرغم من الاتهامات التي واجهها بالترويج للأصنام، فقد استمر في تقديم إبداعاته في ميادين متعددة، من الإسكندرية والجيزة إلى كفر الشيخ وبورسعيد ودمياط والمنصورة وطنطا.
أعماله الرائعة، مثل تماثيل نجيب محفوظ وطه حسين وأحمد شوقي، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي في مصر. كما نجح في إقامة أول مسبك للأعمال البرونزية في إبشان، حيث يجذب الفنانين من جميع أنحاء العالم لتنفيذ أعمالهم.
وفي رحلة الابتكار الدائم، قام السيد عبده بتنفيذ تماثيل في الخارج، مما أضاف بصمته الفنية في مدن مثل تشانشونغ في الصين وفلنيوس في ليتوانيا وبيروت في لبنان. ورغم كل التحديات، أصر على البقاء في قريته الصغيرة، حيث أسس مسبكه وأثبت لأهله أن إبداعه ليس مجرد صناعة للأصنام، بل هو تعبير فني عن ثقافته وتاريخه.
في الختام، يظل الدكتور السيد عبده سليم شاهدًا على قوة الإرادة والإبداع في مواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية، حيث أضاف إلى تراث الفن التشكيلي المصري بصمة لا تُنسى، وكان قدوة للشباب الطموح الذين يحلمون بتحقيق تأثير إيجابي من خلال فنونهم.
المزيد من المعلومات
الدكتور السيد عبده سليم، بوصفه فنانًا نحاتًا بارعًا، لم يقتصر إبداعه على الأعمال الفنية المحلية، بل تجاوزت أعماله الحدود الجغرافية لتمتد إلى أماكن بعيدة عن وطنه. استطاع أن يحقق شهرة دولية من خلال مشاركته في العديد من المعارض الدولية والفعاليات الفنية حول العالم.
من بين تلك الأعمال الدولية البارزة، يتجلى إبداعه في تمثال من الجرانيت الذي أُنشئ في مدينة تشانشونغ الصينية، حيث تمثل هذه القطعة الفنية تلاحمًا بين الفن المصري والثقافة الصينية. كما أبدع تمثالًا آخر من الحجر الصناعي في فلنيوس، عاصمة ليتوانيا، حيث تجسد هذه الأعمال الفنية التفرد والتنوع الذي يميز أسلوب الدكتور السيد عبده سليم.
وقد نقل الفنان تراثه الفني الفريد إلى العاصمة اللبنانية بيروت من خلال تمثال من الرخام، مما أضاف للمشهد الثقافي الغني في هذه المدينة الجميلة. وليس هذا فقط، بل نجح السيد عبده في خلق تمثالين للرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز، أحدهما في فنزويلا والآخر في القاهرة، مما يُبرز تأثيره الدولي واعتراف الزعماء بموهبته الاستثنائية.
يتسم أسلوب الدكتور السيد عبده بالابتكار واستخدام مواد فنية متنوعة، مما يعكس تنوع تجربته واستعداده لاستكشاف مجالات جديدة في عالم النحت. ومن خلال مشاركته في المعارض والفعاليات الدولية، يعتبر السيد عبده سفيرًا للفن المصري، يقدم صورة غنية ومتنوعة عن التراث والإبداع الفني في مصر.
في نهاية المطاف، يظل الدكتور السيد عبده سليم رمزًا للإصرار والتميز الفني، حيث تعتبر مسيرته الفنية قصة نجاح تلهم الأجيال الجديدة من الفنانين والمثقفين في مصر وخارجها.