في ظل تطور الفكر العلمي والإنساني الذي شهدته بداية القرن العشرين، برز نشاط فكري متسارع عبر مختلف الميادين العلمية والإنسانية، ولم تكن العلوم اللسانية بمنأى عن هذا النشاط الحضاري. بل على العكس، شهد البحث اللساني تطوراً ملحوظاً، حيث سعى العلماء في الغرب جاهدين إلى كشف أسرار اللغة وفهم آليات عملها. لقد استعانوا في هذا المسعى بالعديد من العلوم اللغوية وغير اللغوية، مما أضفى على اللسانيات طابعاً جديداً في سياق الدراسات اللغوية.
أصبح الخطاب اللساني وآلياته المنهجية سمة بارزة في البحث العلمي المعاصر، وتميز النظر العلمي الحديث بقدرته على حل إشكاليات المعرفة وتأثيراتها على الدرس اللغوي. ومن خلال هذا السياق، يبرز أهمية تأصيل النظريات اللسانية الحديثة في التراث اللغوي لدى العرب.
اللسانيات، التي اعتبرها الغرب هبة ومعلماً من معالم الحداثة، لم تكن مجرد منجزٍ حديث ينبت جذوره عن اللحظة الراهنة. بل كانت تأخذ طابعها من النشاط اللغوي الذي جعل الظاهرة اللغوية موضوعاً للاهتمام طوال التحولات التاريخية للنشاط الفكري الإنساني. فتراث الأمم السابقة كان غنياً بالدراسات والتحليلات حول الظاهرة اللغوية، وهو ما يعكس تعمق وتأصيل الاهتمام اللغوي في الثقافات السابقة.
وبمرور الوقت، تطوّر البحث اللساني في الغرب بشكل لافت، حيث سارت الدراسات نحو الكشف عن قوانين اللغة وآليات عملها. لجأ العلماء في هذا المضمار إلى مجموعة متنوعة من العلوم، سواء كانت لغوية أم غير لغوية، مما جعل اللسانيات تتجاوز حدود اللغة بحد ذاتها وتتناول الخطاب اللساني وآلياته المنهجية كموضوعات مركزية في البحث العلمي الحديث.
يأتي هذا الكتاب، الذي يحمل عنوان “تأصيل النظريات اللسانية الحديثة في التراث اللغوي عند العرب”، ليسلط الضوء على هذا التطور اللساني ويستعرض كيفية تأثيره في التراث اللغوي العربي. بقلم الباحثة هدى رشيد، يقدم الكتاب رحلة شيقة وموسعة عبر صفحاته الـ464، حيث يعكس النظرة العلمية للكاتبة والتحليل الدقيق الذي تقدمه.
صدر الكتاب عن مكتبة الفقيه، ويأتي بغلاف عادي يعكس بساطة التصميم وتركيز الانتباه على محتواه الثقافي العميق. يندرج الكتاب تحت فئة العلوم والطبيعة، تحديداً في فرع علم النبات، حيث يعرض الكثير من المعلومات القيمة حول هذا الموضوع.
إن “تأصيل النظريات اللسانية الحديثة في التراث اللغوي عند العرب” يشكل إضافة قيمة لفهم التطورات اللسانية وتأثيرها في السياق العربي، ويعكس التميز البحثي والفكري للكاتبة هدى رشيد.