في عالم ما قبل الإنترنت، كان لوسائل الإعلام وخاصة الصحافة دور بارز في توجيه وتشكيل الوعي الجماعي والفكر العام للمجتمعات. وعلى الصعيدين الوطني والدولي، تاريخ الصحافة الغربية يتميز بتقاليدها العريقة التي أصبحت علامات مميزة في تطور الصحافة العالمية. يبرز تقليد مجلة “تايم” الأمريكية كواحد من العادات البارزة، حيث تقوم بانتخاب شخصية، مجموعة، أو فكرة تعكس الحدث البارز لتحمل لقب “شخصية العام” سنوياً.
منذ عام 1927، تستمر مجلة “تايم” في تقديم هذا التقليد الذي ينسجم مع نمط الحياة الرأسمالية، حيث يتم اختيار الشخص أو الكيان الذي يتمتع بالنفوذ والتأثير الأكبر في أحداث العام. يعتبر فوز شخصية بلقب “شخصية العام” فخرًا يبرز مكانتها ويسجلها في التاريخ. وقد تم اختيار شخصيات مثل تشارلز ليندبرج الذي قاد أول رحلة جوية من نيويورك إلى باريس في عام 1927، والمخترع إيلون ماسك الذي فاز في عام 2020.
تأخذ مجلة “تايم” في اعتبارها عددًا من المعايير عند اختيار شخصية العام، مثل التأثير الكبير على الأحداث العالمية أو الابتكار البارز أو التفوق في المجالات الرياضية أو الفنية. ويتم تصويت القرّاء لاختيار الفائز، لكن القرار النهائي يظل في يد محرّري المجلة. يتم الإعلان عن الفائز في السابع من ديسمبر من كل عام، ما يمنح المجلة فرصة لاستعراض الأحداث البارزة والشخصيات المؤثرة خلال السنة.
وفي هذا السياق، لم تقتصر شخصيات العالم على المشهورين الغربيين فقط، بل شملت أيضًا بعض الشخصيات العربية. فقد تم تكريم الرئيس السادات، الذي غيّر ديناميات العلاقات مع إسرائيل في عام 1978، كشخصية العام. وكانت القضية الفلسطينية والسياسيون العرب يحظون بتسليط الضوء عليهم على غلاف المجلة، مما يعكس تأثير القضايا الإقليمية على الساحة العالمية.
على الرغم من هذه التقاليد الجميلة في الغرب، يظل وطننا العربي بحاجة إلى تجذير مثل هذه العادات لتكريم الشخصيات المؤثرة والمبدعة في مختلف المجالات. لا يزال هناك فجوة تقنية تحتاج إلى تعزيز مشاركة الجمهور في اختيار الشخصية الملهمة لتكون رمزًا للأجيال القادمة.
في الختام، يبقى تأثير شخصية العام في مجلة “تايم” مصدر فخر وإلهام، فهي تسجل ببساطة ملامح التاريخ وتكرم الرموز البشرية التي أثرت في مسار العالم وتاريخه.
المزيد من المعلومات
تعد مجلة “تايم” الأمريكية واحدة من أبرز المجلات الأسبوعية العامة في الولايات المتحدة وحول العالم. تأسست المجلة في عام 1923 من قبل هنري لوس وبريتون هارت، وسرعان ما أصبحت مرجعًا هامًا للأحداث والتطورات العالمية. يتناول تحرير المجلة مجموعة واسعة من المواضيع بما في ذلك السياسة، والثقافة، والتكنولوجيا، والفنون، والعلوم.
تقديم مجلة “تايم” لجائزة “شخصية العام” لا يقتصر على الشخصيات البشرية فقط، بل قد شملت في بعض الأحيان كيانات غير حية أو حتى فكرة أو مجموعة. على سبيل المثال، في عام 1982، تم اختيار الكمبيوتر الشخصي كـ “المعلومة العلمية” كشخصية العام، مما يبرز تأثير التكنولوجيا على تطور المجتمعات.
علاوة على ذلك، تُعد قائمة شخصيات العام في مجلة “تايم” مكملًا للسجل التاريخي للأحداث الهامة. فقد ظهرت على غلاف المجلة شخصيات مثل مارتن لوثر كينغ الذي نُشرت صورته في عام 1963، في فترة حركة حقوق السود في الولايات المتحدة. وقد تم اختيار البابا فرنسيس كشخصية العام في عام 2013، وهو أول بابا من أمريكا اللاتينية يتسلم هذا اللقب.
تستمر مجلة “تايم” في تقديم تقاريرها وتحليلاتها العميقة حول الأحداث الجارية، مما يجعلها مصدرًا موثوقًا للقرّاء الذين يتطلعون إلى فهم أعماق الأخبار وتأثيرها على المجتمعات. وبفضل تقليدها في اختيار شخصية العام، تظل المجلة عاملًا بارزًا في تسليط الضوء على الشخصيات والأحداث التي ترسخ نفسها في ذاكرة العالم.
