تأثير شجار الوالدين على الأبناء

ماذا يفعل الأبناء أثناء شجار الوالدين؟

إن شجار الوالدين يمثل أحد أكثر المواقف صعوبة وتأثيرًا على الأطفال في مختلف الأعمار. فالعلاقة بين الأبوين تلعب دورًا محوريًا في تشكيل شخصية الطفل وبناء سلوكه، وبالتالي فإن مشاهدتهم في حالة توتر أو صراع يمكن أن تترك تأثيرات عاطفية ونفسية عميقة. لكن، كيف يتصرف الأبناء عندما يشهدون شجارًا بين والديهم؟ وما هي الطرق التي يتعاملون بها مع هذا الموقف المؤلم؟ في هذا المقال، سنناقش تصرفات الأبناء أثناء شجار الوالدين وتأثير ذلك عليهم.

1. ردود فعل الأطفال حسب أعمارهم

تختلف ردود أفعال الأبناء أثناء شجار الوالدين بناءً على مراحل نموهم وعمرهم. في كل مرحلة، يتأثر الطفل بشكل مختلف بالمواقف التي يشهدها.

• الأطفال الصغار (من 2 إلى 6 سنوات): في هذه السن، غالبًا ما لا يفهم الأطفال سبب الشجار بين والديهم، ولكنهم يستطيعون الشعور بالتوتر والغضب الذي يعم المنزل. قد يظهر الأطفال في هذا العمر حالة من الارتباك، وتكون استجابتهم غالبًا بالبكاء أو الانكماش، حيث يسعون إلى الشعور بالأمان في حضن أحد الوالدين. بعض الأطفال قد يظهرون سلوكيات غير مفهومة مثل طلب الحضانة أو التمسك بأحد الوالدين كوسيلة للحصول على الحماية العاطفية.

• الأطفال في سن المدرسة (من 6 إلى 12 سنة): يبدأ الأطفال في هذا العمر بفهم بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى الشجار بين الوالدين. قد يشعرون بالحيرة أو القلق حول التغيرات في الجو العاطفي بين الأب والأم، وقد يظهرون علامات الارتباك والتوتر. بعضهم قد يصر على التدخل في محاولة لتهدئة الأمور، بينما قد يميل آخرون إلى الانسحاب من الموقف واللجوء إلى اللعب أو العزلة. في بعض الأحيان، قد يتطور لديهم الشعور بالذنب، معتقدين أن شجار الوالدين هو نتيجة لتصرفاتهم السيئة.

• المراهقون (من 13 إلى 18 سنة): المراهقون يكونون أكثر قدرة على فهم ديناميكيات العلاقة بين الوالدين، وقد يدركون في كثير من الأحيان الأسباب التي أدت إلى الشجار. ومع ذلك، فإن المراهقين قد يشعرون بالغضب أو الإحباط، سواء تجاه الوالدين أو بسبب مشاعر العجز تجاه قدرتهم على إصلاح الموقف. في بعض الحالات، قد يعبرون عن مشاعرهم بالعدوانية أو بالانسحاب الاجتماعي. بينما قد يسعى آخرون إلى تقديم النصائح أو التصرف كوسيط بين الوالدين، ظنًا منهم أن هذا قد يساعد في تخفيف التوتر.

2. أسباب اختلاف ردود الفعل عند الأبناء

• العوامل الشخصية: شخصيات الأطفال تختلف من طفل لآخر، وبالتالي فإن ردة فعلهم تجاه شجار الوالدين تعتمد على خصائصهم النفسية والعاطفية. الأطفال الأكثر حساسية قد يتأثرون بشدة بالأجواء العاطفية في المنزل، بينما قد يتصرف الأطفال الأكثر استقلالية بطريقة أكثر هدوءًا.

• العلاقة السابقة مع الوالدين: الأطفال الذين يشعرون بالأمان والراحة في علاقاتهم مع والديهم قد يكونون أكثر قدرة على التكيف مع الشجارات والتعامل معها. في المقابل، الأطفال الذين يعانون من مشاكل في العلاقة مع أحد الوالدين قد يجدون في هذه الشجارات فرصة لتأكيد مخاوفهم أو مشاعرهم السلبية.

• التكرار والحدة: إذا كانت الشجارات بين الوالدين تحدث بشكل متكرر أو تصبح عنيفة، فإن الأبناء قد يطورون استجابة عاطفية قوية تجاه المواقف. في هذه الحالة، قد يشعرون بالخوف أو القلق بشأن سلامة أفراد العائلة أو مستقبل العلاقة بين الوالدين.

3. التأثيرات النفسية على الأبناء

يؤثر شجار الوالدين بشكل عميق على الصحة النفسية والعاطفية للأطفال. هذه التأثيرات قد تكون قصيرة المدى أو طويلة المدى، وقد تتنوع بحسب شدة التوتر والمواقف.

• القلق والخوف: الأطفال الذين يشهدون شجارات متكررة قد يعانون من القلق الدائم والخوف على سلامتهم أو على استقرار العائلة. قد يتسبب ذلك في صعوبة التركيز في المدرسة أو أداء الأنشطة اليومية بشكل طبيعي.

• الذنب والشعور بالمسؤولية: بعض الأطفال قد يشعرون بالذنب، معتقدين أنهم السبب في شجار الوالدين، خاصة إذا كانوا قد أبدوا سلوكًا غير مرغوب فيه أو تصرفات أدت إلى تدهور العلاقات. هذا الشعور بالمسؤولية قد يؤثر على ثقتهم بأنفسهم.

• العدوانية والسلوكيات السلبية: بعض الأطفال قد يعبرون عن مشاعرهم من خلال العدوانية أو التمرد، متأثرين بالعنف اللفظي أو الجسدي الذي قد يحدث في شجارات الوالدين. قد ينعكس ذلك في علاقاتهم مع الأقران أو في سلوكهم في المدرسة.

• الشعور بالانقسام: في الحالات التي يتبع فيها الوالدان أسلوبًا منفصلًا أو يحدث الطلاق، قد يعاني الأبناء من مشاعر الانقسام بين والديهم. قد يشعر الطفل بعدم القدرة على اتخاذ جانب أو موقف محايد، مما يزيد من تعقيد الموقف النفسي.

4. كيف يمكن للوالدين مساعدة الأبناء أثناء الشجار؟

من المهم أن يتبع الوالدان بعض الاستراتيجيات للتخفيف من التأثيرات السلبية لشجاراتهم على الأبناء:

• الاعتذار والتفسير: من الضروري أن يعتذر الوالدان للأبناء بعد الشجار ويشرحوا لهم أن الخلافات أمر طبيعي في أي علاقة، وأنها لا تعني نقص الحب أو الاهتمام. كما يجب أن يتم توضيح أسباب الشجار بطريقة مبسطة ومناسبة لعمر الطفل.

• التأكد من الأمان العاطفي: يجب على الوالدين أن يطمئنا الأبناء على أن الحب والعناية بهم لا يتأثران بشجار الوالدين. وهذا يتطلب تقديم الدعم العاطفي الكافي، سواء من خلال الحوار أو اللمسات الحانية.

• وضع حدود واضحة: في حال كانت الشجارات تتسم بالعنف أو الإساءة، يجب أن يكون هناك حدود صارمة فيما يتعلق بالتعامل مع بعضهما البعض أمام الأطفال، لضمان بيئة آمنة لهم.

5. كيفية التعامل مع الأطفال في حالات الطلاق أو الانفصال؟

إذا انتهت العلاقة بين الوالدين بالطلاق أو الانفصال، يكون دور الوالدين في دعم الأبناء أكثر أهمية من أي وقت مضى. يجب أن يتم التأكيد على أن الأب أو الأم لا يختفيان من حياة الطفل، وأن التواصل مع كلا الوالدين ممكن ومتاح. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يشرح الوالدان للأطفال أن الانفصال ليس خطأهم، وأنهما سيستمران في حبهم ورعايتهم بشكل مستقل.

الخاتمة

شجار الوالدين يترك أثرًا عاطفيًا عميقًا على الأبناء، ويشكل تحديًا لهم في كيفية التعامل مع التوتر والصراع داخل الأسرة. مع ذلك، يمكن تخفيف هذا التأثير من خلال التواصل الفعّال مع الأبناء وتوفير بيئة آمنة وداعمة. الفهم العميق للمشاعر التي يمر بها الأبناء أثناء هذه الأوقات الصعبة، إلى جانب تقديم الدعم العاطفي المستمر، يمكن أن يساعد في الحد من التأثيرات السلبية على صحتهم النفسية والعاطفية.