تعاني دول العالم الثالث، بصفة عامة، من تداعيات جائحة فيروس كورونا 19 بشكل لا مثيل له، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80٪ من القوى العاملة في العالم تأثرت بشكل مباشر، وهو ما يمثل تحديًا هائلًا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. يعتبر القطاع الاقتصادي هو الأكثر تأثرا، حيث ترتبط تلك التأثيرات بشكل مباشر بكل من السياسات والمجتمع والاقتصاد.
تجدر الإشارة إلى أن هناك نحو 3.375 مليار عامل في العالم، ومن بينهم نحو 2.7 مليار عامل تأثروا سلبا بالجائحة، وهذا يمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة العالمية. وفي هذا السياق، يظهر الأثر البارز على الدول النامية حيث تراجعت دخول العاملين بشكل كبير نتيجةً للركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة.
ليس هذا وحسب، بل يظهر أيضًا أن حوالي 20٪ من سكان العالم، أي نحو 1.6 مليار إنسان، يعملون في الاقتصاد غير الرسمي أو بأجور يومية، وهؤلاء يعدون من الأكثر تأثرا بإجراءات الإغلاق التي اتخذتها الدول لمواجهة الجائحة. ومن ثم، يتضح أن التداول في السوق السوداء والأعمال غير المنظمة تعاني أكثر فأكثر، مما يجعل هذه الشريحة السكانية أكثر عرضة للتأثيرات الاقتصادية السلبية.
مع تفاقم الأزمة، يظهر أن الدول النامية تعاني بشكل أساسي من ركود اقتصادي، وتراجع في مستويات الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة في معدلات البطالة وتفاقم مستويات الفقر. ينعكس هذا التدهور على ميزانيات هذه الدول، حيث يتزايد عجز الميزانية بشكل مستمر، ويتسبب في دفع تلك الدول نحو المزيد من عمليات الاقتراض.
وفي سياق الديون، يظهر أن الخطر يتجلى في زيادة تبعية الدول النامية وتراكم ديونها، وهو ما ينذر بمستقبل مالي صعب يتعين على الأجيال القادمة تحمل أعباءه. وبما أن الصندوق الدولي يلعب دوراً حاسماً في توفير القروض للعالم الثالث لمواجهة تداعيات كورونا، فإن ذلك يزيد من عبء الديون المتراكمة.
وفيما يتعلق بتكلفة هذه الديون، يتبين أن الدول النامية تدفع ثمناً باهظاً، إذ يتم طباعة وإصدار الدولار واليورو والجنيه الإسترليني من قبل الدول الدائنة منذ عقود. وهو ما يجعل تلك الديون تكلف الدول المدينة الكثير من الموارد الحقيقية والجهد، بينما لا يتم على الدول الدائنة دفع أكثر من تكلفة الورق وحبر الطباعة.
تتسارع الأزمة عندما تنظر إلى تأثيرات سياسة التيسير الكمي، حيث يتم ضخ كميات هائلة من النقد الطازج في اقتصادات الدول المصدرة للعملة. تهدف هذه السياسة إلى تحفيز الاقتصادات عبر زيادة الطلب الخارجي، ولكن بالوقت نفسه تدفع الدول النامية للاقتراض بفعل التشجيع على زيادة ديونها بسبب فائدة منخفضة. وتظهر السيولة الزائدة في دول العالم الثالث تحفيزًا لزيادة الديون، مما يزيد من التبعية المالية لتلك الدول ويضعها في دائرة مفرغة من الديون.
في الوقت الذي تشهد فيه الدول النامية تزايد الديون، يظهر أن تكلفة هذه الديون تتضاعف، بينما تظل تلك الدول الدائنة تستفيد فقط من تكلفة الطباعة. إن هذا الواقع الاقتصادي الذي يعاني منه العالم الثالث يبدو كشكل من أشكال الظلم المالي الدولي، حيث يتحمل الفقراء والأضعف اقتصاديًا أعباء الديون بينما تستفيد الدول الغنية من عمليات الطباعة والديون بتكلفة ضئيلة.
المزيد من المعلومات
في هذا السياق، يبرز أن دول العالم الثالث تجد نفسها في حالة تفاقم اقتصادية، حيث يتسارع التراكم الديني ويتزايد العجز في الميزانيات العامة. تعمل الظروف الاقتصادية الصعبة على زيادة الحاجة إلى الإنفاق العام لمواجهة التحديات المتنوعة التي يفرضها الوضع الراهن. ومع ذلك، يتزايد الضغط على ميزانيات هذه الدول، التي بالفعل محملة بالديون المزمنة.
ليس هذا فقط، بل يظهر أيضًا أن الإيرادات من العملات الأجنبية تتناقص بشكل ملحوظ في ظل تراجع حركة التحويلات النقدية للعاملين في الخارج وتأثر صادرات السلع الأولية بفعل جائحة كورونا. وهذا يزيد من العجز في ميزان المدفوعات، خاصة للدول التي تعتمد بشكل أساسي على تحويلات العمال وصادرات الموارد الطبيعية.
يتمثل الخطر الحقيقي في زيادة تبعية دول العالم الثالث وتوجيه مستقبلها نحو مزيد من الديون، وهذا يعزز دور الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تحميل تلك الدول أعباءً مالية إضافية. وبما أن هذه الهيئات تفرض سياسات التقشف وتعزز سياسات التحفيز النقدي، يصبح من الواضح أن الدول النامية تجد نفسها في حلقة مفرغة تتجاوزها مشكلة الديون بكل تزايد.
من الجدير بالذكر أن عملية طباعة النقود في الدول الغربية، والتي تعتمد على سياسة التيسير الكمي، تتسبب في إطلاق كميات هائلة من النقد الطازج إلى الأسواق العالمية. وهذا النقد يجد طريقه إلى الدول النامية، مما يحفز دورة الديون ويجعل تلك الدول تتجه نحو الاقتراض بشكل متزايد.
تتسارع الأمور عند النظر إلى تأثيرات سياسة التيسير الكمي، حيث يتم ضخ كميات هائلة من النقد الطازج في اقتصادات الدول المصدرة للعملة. يهدف هذا التحفيز إلى تحفيز الاقتصادات المتقدمة، ولكنه في الوقت نفسه يجعل الدول النامية تزيد من معدلات الديون بسبب فوائد الاقتراض المنخفضة.
في الختام، يتضح أن الديون السوداء لدول العالم الثالث تمثل تحديًا هيكليًا يجب مواجهته بشكل جاد. ينبغي على المجتمع الدولي التفكير في سياسات تحفيزية حقيقية تدعم الدول النامية دون تحميلها مزيدًا من الديون، وتعزيز التوازن في العلاقات المالية الدولية للتخفيف من تأثيرات الأزمات الاقتصادية على الشعوب والاقتصادات في تلك الدول.