عدد المسلمين في أمريكا
يُعد الإسلام واحدًا من أسرع الديانات نموًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعكس دينامية التغيرات الديمغرافية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها البلاد. هذا النمو لا يرتبط فقط بالهجرة من الدول الإسلامية، وإنما كذلك بارتفاع معدلات التحول الديني، حيث يختار العديد من الأمريكيين من خلفيات دينية مختلفة اعتناق الإسلام سنويًا. من هنا، تتزايد أهمية فهم التوزيع السكاني للمسلمين في الولايات المتحدة، ونمط حياتهم، ودورهم في المشهد الديني والسياسي والاجتماعي الأمريكي.
عدد المسلمين في الولايات المتحدة: تقديرات دقيقة
تشير أغلب الدراسات التي أُجريت في السنوات الأخيرة إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يتراوح ما بين 3.5 إلى 4.5 مليون نسمة، أي ما يمثل ما بين 1.1% إلى 1.4% من إجمالي عدد السكان الأمريكيين البالغ أكثر من 330 مليون نسمة. إلا أن هذه التقديرات قد تتفاوت باختلاف المصادر والمنهجيات الإحصائية.
وفقًا لتقرير مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) عام 2021، فإن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يُقدر بحوالي 3.85 مليون شخص. وقد أشار المركز إلى أن الإسلام سيكون ثاني أكبر ديانة في البلاد بعد المسيحية بحلول عام 2040 إذا استمرت معدلات النمو الحالية.
توزيع المسلمين الجغرافي في أمريكا
يعيش المسلمون في الولايات المتحدة في مناطق متنوعة جغرافيًا، إلا أن هناك تركزًا ملحوظًا في ولايات ومناطق حضرية معينة، ما يعكس أنماط الهجرة، وسوق العمل، والتكامل المجتمعي.
| الولاية / المنطقة | عدد المسلمين التقديري | ملاحظات |
|---|---|---|
| نيويورك | أكثر من 750 ألف | أكبر تجمع إسلامي في أمريكا |
| كاليفورنيا | أكثر من 500 ألف | تنوع عرقي وديني شديد، وخاصة في لوس أنجلوس |
| إلينوي (شيكاغو) | حوالي 350 ألف | مركز رئيسي للجالية الباكستانية والعربية |
| تكساس | أكثر من 250 ألف | توسع حديث وتنوع في الأصول العرقية |
| ميشيغان (ديترويت) | حوالي 200 ألف | كثافة سكانية عالية من أصول عربية |
| نيوجيرسي | حوالي 150 ألف | وجود مراكز دينية وتعليمية إسلامية قوية |
الأصول العرقية والعرقية للمسلمين الأمريكيين
يتميز المجتمع المسلم الأمريكي بتنوع عرقي وثقافي كبير، ما يميّزه عن المجتمعات المسلمة في بلدان أخرى. ويمكن تصنيف الأصول العرقية الرئيسية للمسلمين في الولايات المتحدة على النحو التالي:
-
الأمريكيون من أصول جنوب آسيوية (باكستان، الهند، بنغلادش): يشكلون حوالي 35% من المسلمين في أمريكا.
-
الأمريكيون من أصول عربية: يمثلون حوالي 25% من عدد المسلمين.
-
الأمريكيون من أصول إفريقية (السود الأمريكيون): حوالي 20% من المسلمين.
-
البيض من أصول أوروبية أو أمريكية بيضاء: يمثلون نحو 5%.
-
الأمريكيون من أصل لاتيني، وآسيويون شرق آسيويين (صينيون، ماليزيون، إندونيسيون): يشكلون النسبة الباقية.
هذا التنوع العرقي يؤثر على ممارسات العبادة، والخطاب الديني، والاندماج الاجتماعي، ويعكس صورة شديدة التعقيد عن الإسلام في أمريكا، تختلف كثيرًا عن الصورة النمطية السائدة في الإعلام.
التحول الديني إلى الإسلام
واحدة من الخصائص البارزة للإسلام في الولايات المتحدة هي النسبة العالية من المتحولين دينيًا. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 23% من المسلمين الأمريكيين لم يولدوا في عائلات مسلمة، بل اعتنقوا الإسلام لاحقًا. الغالبية العظمى من هؤلاء من الأمريكيين الأفارقة، يليهم الأمريكيون من أصول لاتينية وبيض من خلفيات مسيحية.
هذا التحول يعكس دينامية العقيدة الإسلامية التي يجد فيها البعض إجابة على أسئلة روحية وفكرية، إضافة إلى التأثر بالمجتمعات المسلمة ومبادئ العدالة الاجتماعية والتكافل التي تنادي بها التعاليم الإسلامية.
الحياة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية للمسلمين
يُظهر المسلمون الأمريكيون معدلات عالية نسبيًا من التحصيل العلمي والمشاركة في سوق العمل. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، فإن ما يقارب 31% من المسلمين الأمريكيين حاصلون على شهادة جامعية، وهي نسبة قريبة من المعدل الوطني العام في الولايات المتحدة.
كما أن نسبة كبيرة من المسلمين يعملون في مجالات مهنية متقدمة، مثل الطب، والهندسة، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، ما يدل على قدرة المجتمع المسلم على الاندماج والإسهام الفعّال في الاقتصاد الأمريكي.
مع ذلك، يواجه العديد من المسلمين تحديات متعلقة بالتمييز الديني، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث سجلت العديد من التقارير ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات جرائم الكراهية وخطاب الإسلاموفوبيا.
المؤسسات الإسلامية ودورها المجتمعي
شهدت العقود الأخيرة نموًا كبيرًا في عدد المؤسسات الإسلامية، بما في ذلك المساجد، والمدارس الإسلامية، والمراكز الثقافية. هناك حاليًا ما يزيد عن 2600 مسجدًا في الولايات المتحدة، مقارنة بـ 1200 مسجد في عام 2000.
تقوم هذه المؤسسات بأدوار متعددة:
-
دينية: تقديم الصلوات والخطب والدروس.
-
اجتماعية: دعم الأسر، وتقديم خدمات الزواج، والإرشاد الأسري.
-
تربوية: تشغيل المدارس الإسلامية والتعليم الإضافي للأطفال والشباب.
-
سياسية: تشجيع المشاركة السياسية والتسجيل في الانتخابات والتصويت.
المشاركة السياسية للمسلمين
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في وعي المسلمين الأمريكيين بأهمية المشاركة السياسية، وقد انعكس ذلك في ازدياد عدد المرشحين المسلمين في الانتخابات المحلية والاتحادية. كما ازدادت معدلات التصويت بين المسلمين، حيث سجلت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 أعلى نسبة تصويت للمسلمين في تاريخهم في أمريكا، حيث شارك أكثر من 80% من المسلمين المسجلين في التصويت.
من أبرز الشخصيات السياسية المسلمة في الولايات المتحدة:
-
إلهان عمر: نائبة في الكونغرس عن ولاية مينيسوتا، وهي من أصل صومالي.
-
رشيدة طليب: نائبة عن ولاية ميشيغان، وهي من أصل فلسطيني.
-
كيث إليسون: أول مسلم يُنتخب للكونغرس الأمريكي، ويشغل الآن منصب النائب العام في ولاية مينيسوتا.
التحديات التي تواجه المسلمين في أمريكا
رغم الإسهامات الإيجابية المتزايدة، لا تزال هناك مجموعة من التحديات التي تواجه المسلمين في الولايات المتحدة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
-
التمييز الديني والإسلاموفوبيا: لا تزال هذه الظاهرة حاضرة بقوة في بعض المناطق والمؤسسات.
-
تصوير الإعلام للمسلمين: حيث تسود صور نمطية سلبية في العديد من وسائل الإعلام.
-
سياسات الهجرة: بعض السياسات مثل “حظر السفر” المفروض على بعض الدول الإسلامية سابقًا أثرت على الجاليات المسلمة.
-
مشكلات الانتماء: خاصة لدى الأجيال الشابة التي تنشأ بين هويتين: إسلامية وأمريكية.
التوقعات المستقبلية
تشير التوقعات الديمغرافية إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة سيستمر في الازدياد في العقود القادمة، مدفوعًا بعدة عوامل:
-
معدلات مواليد مرتفعة نسبيًا بين المسلمين مقارنة بالمعدل الوطني.
-
الهجرة المستمرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة.
-
التحولات الدينية داخل أمريكا.
وفقًا لمركز بيو، يُتوقع أن يصل عدد المسلمين في أمريكا إلى حوالي 8.1 مليون نسمة بحلول عام 2050، وهو ما سيجعل الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية متجاوزًا عدد اليهود الأمريكيين.
الخاتمة التحليلية
يمثل المسلمون في الولايات المتحدة جزءًا متناميًا ومتنوعًا من النسيج الاجتماعي الأمريكي. من خلال مشاركتهم الفعالة في الاقتصاد، والتعليم، والسياسة، ومن خلال تمسكهم بهويتهم الدينية، يقدم المسلمون نموذجًا للتعايش والتفاعل الإيجابي داخل مجتمع متعدد الثقافات. غير أن التحديات المتعلقة بالاندماج، والتصدي للتمييز، وبناء جسور التفاهم مع بقية مكونات المجتمع تبقى مهامًا مستمرة وضرورية لضمان مستقبل مزدهر لهذه الجالية الحيوية.
المراجع
-
Pew Research Center, “U.S. Muslims Concerned About Their Place in Society, but Continue to Believe in the American Dream”, 2021.
-
Institute for Social Policy and Understanding (ISPU), “American Muslim Poll 2022: A Politics and Pandemic Status Report”.

