تأثير المتفرج وطلب المساعدة

تأثير المتفرِّج: من الأفضل أن تطلب المساعدة عندما تحتاج إليها

في المجتمعات المعاصرة، يعد طلب المساعدة عند الحاجة من أبرز الأفعال التي تعكس الوعي الذاتي والقدرة على التكيف مع الظروف المحيطة. ولكن، رغم ذلك، هناك العديد من العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تجعل الأفراد يترددون في طلب المساعدة في الأوقات التي تكون فيها في أمس الحاجة إليها. من بين هذه العوامل يبرز ما يعرف بـ “تأثير المتفرج” (Bystander Effect)، وهو ظاهرة نفسية مثيرة تمثل العائق الأكبر في اتخاذ الأفراد قرار طلب المساعدة من الآخرين في الحالات الطارئة أو غيرها من الحالات التي تتطلب الدعم. في هذا المقال، سنتناول تأثير المتفرِّج، الأسباب التي تقف وراءه، وأثره على سلوك الأفراد في مختلف المواقف، بالإضافة إلى أهمية تعلم كيفية تجاوز هذه الظاهرة والتصرف بشكل أكثر فعالية عند الحاجة للمساعدة.

تعريف تأثير المتفرِّج

تأثير المتفرِّج هو ظاهرة نفسية تشير إلى تراجع احتمال قيام الأفراد بتقديم المساعدة في حالة وجود آخرين يشهدون نفس الموقف. يُعتقد أن الأفراد يقللون من مسؤوليتهم في المواقف الطارئة عندما يكونون في مجموعة، حيث يتوقعون أن يكون هناك شخص آخر سيتدخل ويقدم المساعدة. تزداد هذه الظاهرة وضوحًا في المواقف التي تتطلب تصرفات فورية أو قرارات حاسمة، مثل الحوادث أو الحالات الطارئة.

يرتبط هذا المفهوم بالدراسات التي أجراها علماء النفس في ستينيات القرن الماضي، خاصةً الدراسة الشهيرة التي أجراها بيلينجر ودامبر. هذه الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يشهدون حادثًا، مثل الاعتداء أو السقوط، يتأخرون في التدخل أو تقديم المساعدة إذا كانوا في مجموعة مقارنة بالأفراد الذين كانوا يشهدون الحادث بمفردهم.

أسباب تأثير المتفرِّج

هناك العديد من الأسباب النفسية والاجتماعية التي تساهم في ظاهرة تأثير المتفرِّج. فيما يلي بعض العوامل الرئيسية:

1. الانتظار الجماعي (Diffusion of Responsibility):
   يُعتبر هذا أحد الأسباب الأكثر تأثيرًا في تأثير المتفرِّج. في المواقف الطارئة، يُقلل الأفراد من مسؤوليتهم عندما يكونون جزءًا من مجموعة كبيرة. يعتقد كل فرد أن شخصًا آخر سيقدم المساعدة أو سيستجيب للموقف، وبالتالي يتجنب التدخل.

2. التبعية الاجتماعية (Social Influence):
   في المواقف التي لا يعرف فيها الشخص كيفية التصرف، يكون التأثير الاجتماعي قويًا. إذا لم يتصرف أي شخص آخر في المجموعة، فإن الأفراد يميلون إلى اتباع نفس السلوك ويشعرون بأنه لا يوجد سبب للقيام بأي شيء. هذا يتجلى بوضوح في المواقف التي يواجه فيها الأشخاص أحداثًا غير مألوفة أو محيرة.

3. الإنكار أو التقليل من خطورة الموقف:
   في بعض الحالات، قد لا يرى الأفراد الحدث على أنه يحتاج إلى تدخل سريع أو قد يعتقدون أن الوضع ليس خطيرًا بما يكفي ليتم اتخاذ الإجراءات. هذا يمكن أن يسبب التأخير في تقديم المساعدة، حيث يظن البعض أن الموقف ليس طارئًا أو أن المساعدة ليست ضرورية.

4. الخوف من الحكم الاجتماعي (Social Judgement):
   يخشى بعض الأفراد من تقديم المساعدة في حال كانت المساعدة غير مرحب بها أو إذا تم تفسير تدخُّلهم على أنه تصرف مبالغ فيه. يمكن أن يؤدي هذا الخوف إلى تراجع الأفراد عن تقديم الدعم في المواقف التي تتطلب التدخل السريع.

5. الشك في قدرة الذات على المساعدة:
   بعض الأشخاص يشعرون بأنهم ليسوا مؤهلين أو ليس لديهم المهارات اللازمة للتعامل مع الموقف بشكل صحيح. هذه المشاعر قد تؤدي إلى تجنب التدخل خوفًا من ارتكاب خطأ أو الفشل في تقديم المساعدة الفعالة.

تأثير المتفرِّج في الحياة اليومية

تأثير المتفرِّج لا يقتصر فقط على المواقف الطارئة أو الحوادث، بل يمتد إلى مجموعة متنوعة من السلوكيات اليومية. على سبيل المثال:

• في بيئة العمل، قد يتردد الأفراد في طلب المساعدة من زملائهم أو المديرين في حالة وجود مشاكل كبيرة، معتقدين أن الآخرين قد يكون لديهم حلول أفضل.

• في العلاقات الاجتماعية، قد يتجنب الأفراد طلب الدعم العاطفي من الأصدقاء أو العائلة خوفًا من أن يظهروا بمظهر الضعفاء أو المتطلبين.

• في السياقات التعليمية، قد يمتنع الطلاب عن طلب المساعدة من المعلمين أو الأقران إذا كانوا يشعرون أن هناك آخرين أكثر كفاءة في تقديم الإجابات.

تتجلى هذه الظاهرة في صور مختلفة في المجتمع، حيث يُقلل تأثير المتفرِّج من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات سليمة عندما يتطلب الأمر ذلك.

تأثير المتفرِّج في المواقف الطارئة

يعد تأثير المتفرِّج أكثر وضوحًا في الحالات الطارئة أو الحوادث التي تستدعي تدخلاً فوريًا. في العديد من الحالات، تبين أن وجود عدد أكبر من الأشخاص في مكان الحادث يقلل من احتمال التدخل الفوري. دراسات متعددة أجريت على هذه الظاهرة أظهرت أن الأشخاص في بيئات مكتظة أو عندما يكونون في مجموعة أكبر يكونون أقل استعدادًا للمساعدة مقارنة بالأفراد الذين يواجهون الحادث بمفردهم. على سبيل المثال، في حالات الطوارئ مثل حوادث السير أو مشاجرات في الشوارع، قد يكتفي المتفرجون بالنظر إلى الوضع دون محاولة التدخل، معتقدين أن شخصًا آخر سيتحرك.

يعد هذا التأثير مشكلة خطيرة عندما يكون الوقت عاملًا حاسمًا. ففي الكثير من الأحيان، يتسبب الانتظار الطويل لتقديم المساعدة في تفاقم الوضع وزيادة الأضرار.

كيف يمكن التغلب على تأثير المتفرِّج؟

رغم أن تأثير المتفرِّج ظاهرة نفسية معقدة، إلا أنه يمكن تجاوزها من خلال بعض الاستراتيجيات:

1. تحمل المسؤولية الفردية:
   من خلال تعزيز الوعي الذاتي وتذكير أنفسنا بأنه يجب علينا التدخل في المواقف التي تتطلب المساعدة، يمكن أن نساعد في تقليل تأثير المتفرِّج. تعلم أن المساعدة المطلوبة قد تكون أمرًا حيويًا لإنقاذ حياة شخص آخر أو تقديم الدعم في مواقف حرجة.

2. التركيز على التعليم والتدريب:
   إذا كان الأفراد على دراية بكيفية التعامل مع المواقف الطارئة أو امتلكوا التدريب المناسب (مثل الإسعافات الأولية أو مهارات التدخل الفعّال)، فإنهم سيكونون أكثر استعدادًا للتدخل بشكل مناسب.

3. الاعتراف بمسؤولية كل فرد في مجموعة:
   فهم أن كل فرد في مجموعة له دور أساسي في التصرف بسرعة وفاعلية يساعد في تقليل تأثير المتفرِّج. عندما يشعر الأفراد بأنهم وحدهم المسؤولين عن تقديم المساعدة، يزداد احتمال تدخُّلهم.

4. تعزيز الوعي الاجتماعي:
   من خلال نشر الوعي حول تأثير المتفرِّج في المجتمع ووسائل الإعلام، يمكن زيادة الوعي العام بأهمية التدخل والمساعدة في الحالات الطارئة.

5. تشجيع التفاعل المباشر:
   إذا كان الأفراد قادرين على تعزيز الاتصالات المباشرة مع بعضهم البعض، مثل من خلال التفاعل والتواصل الفعّال في مجموعات صغيرة أو فرق، فقد يساعد ذلك في تقليل الخوف أو التردد في تقديم المساعدة.

أهمية تعلم طلب المساعدة

عندما نتعرض لمواقف صعبة أو بحاجة إلى الدعم، يجب أن نتذكر أن طلب المساعدة ليس علامة على الضعف، بل هو تعبير عن الوعي بحاجتنا وتقدير لفرص التعلم والنمو. من خلال تعلم كيفية طلب المساعدة بشكل فعال، يمكن أن نكتسب المهارات التي تساهم في تحسين نوعية حياتنا.

إن قبول المساعدة من الآخرين ليس فقط مفيدًا في حل المشكلات، بل يعزز أيضًا العلاقات الاجتماعية ويقوي الروابط بين الأفراد في المجتمع. سواء كان الأمر يتعلق بمساعدة عملية أو دعم عاطفي، فإن تعلم كيفية التواصل وطلب المساعدة بشكل فعال هو خطوة أساسية في إدارة التحديات اليومية.

الخاتمة

تأثير المتفرِّج هو ظاهرة نفسية تساهم في تراجع الأفراد عن تقديم المساعدة في المواقف الطارئة أو في الحالات التي تتطلب تدخلًا سريعًا. وللتغلب على هذه الظاهرة، من المهم أن يكون لدينا الوعي الكافي بمسؤوليتنا الفردية في التدخل، وأن نسعى إلى تقليل عوامل التردد والقلق من خلال التعليم والتدريب والمشاركة الفعالة.