في ظل ظهور “فيروس كورونا” وتزايد حالات الإصابة يومًا بعد يوم، يعيش الناس في هذا الزمان الراهن تجربة فريدة من نوعها، حيث يتجه العديد منهم نحو استكشاف بيئات تاريخية أو خيالية تحمل طابعًا مماثلًا للتحديات الصحية الراهنة. تلك البيئات الخيالية أو الأمراض الفتاكة تُعدّ مصدر إلهام للكتّاب الذين يستكشفون مفهوم الأوبئة في أعمالهم الأدبية. تُعتبر هذه الأعمال جزءًا من فئة أدب الأوبئة الذي يركز على تصوير الأمراض التي قد يتوقعها البشر وتأثيرها على حياتهم، مثل وباء الطاعون الذي اجتاح أوروبا في الفترة بين عامي 1347 و 1352 م، أو الكوليرا والأمراض الفتاكة الأخرى.
في عالم الأدب، تبرز روايات عديدة تتناول موضوع نهاية العالم بسبب الأوبئة، ومن بين هذه الروايات يأتي “العمى” للكاتب جوزيه دي سوزا ساراماغو. تروي هذه الرواية قصة وباء يصيب البصر وينتشر بسرعة، محدثًا انهيارًا في هيكل المجتمع. من خلال أسلوب ساراماغو الفريد، يظهر الإنسان في وجه الظروف الصعبة وكيف يتأثر بالخير والشر في مثل هذه الأزمات.
أيضًا، يتجلى “الطاعون” لألبير كامو كعمل أدبي يناقش الوباء وتأثيره على البشر. يصوّر كامو في روايته هذه كيف يتغير الإنسان وتظهر نقاط ضعفه أمام مواجهة الأمور المجهولة، مع التركيز على دور الدين والعلم في التعامل مع الأزمات الصحية.
من ناحية أخرى، تقدم رواية “الحب في زمن الكوليرا” للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز قصة حب رومانسية تتداخل مع وباء الكوليرا، ملمحة إلى كيفية تأثير الأمراض على العلاقات الإنسانية والحياة الشخصية.
في سياق ألماني، يتجلى “موت في البندقية” لتوماس مان كرواية تتناول حياة أديب مسن يُهوس بمطاردة صبي صغير، وتظهر كيف يتأثر الفرد بالتغييرات في العالم خلال فترة وباء.
على الساحة العالمية، يُقدّم الكاتب تشارلي هيوستن في روايته “الذي لا ينام” قصة حول وباء الأرق الذي يصيب العالم، وكيف يسعى البطل للبحث عن علاج لهذا الوباء الذي يجتاح العالم بأسره.
أما في الأدب العربي، فقد ألهمنا الطبيب والكاتب المصري أحمد خالد توفيق بروايته “شربة الحاج داود”، حيث يربط بين العلم والدراما والهجاء في سرد تفاصيل وأثر الأوبئة في المجتمع.
وفي نهاية المطاف، تأتي “المحطة الحادية عشرة” لإيميلي سانت جون مانديل لتختم سلسلة الروايات بتصوير نهاية العالم مع ظهور “إنفلونزا جورجيا”، موفِّرة للقارئ تجربة أدبية تفاعلية تتعامل بعمق مع تأثير الأوبئة على الحياة والبشر.
إن هذه الروايات الأدبية تعتبر مرآة لتجارب البشر في مواجهة الأوبئة، حيث يتأمل الكتّاب في نقاط ضعف الإنسان وقوته، وكيف يتعامل مع الظروف الصعبة ويتأثر بتلك التحديات الصحية التي تهز أركان المجتمع وتعيد ترتيب أولويات الحياة.
المزيد من المعلومات
في سياق تعاطي الأدب مع قضايا الأوبئة، يظهر أن علم الأوبئة يشكل موضوعًا رئيسيًا في الأعمال الأدبية العالمية التي تعامل مع هذا الجانب المعقد من تجارب الإنسان. إذ يسعى الكتّاب إلى تقديم صورة شاملة للتأثيرات البيولوجية والاجتماعية والنفسية للأوبئة على البشر ومجتمعاتهم.
على سبيل المثال، يمكن ذكر رواية “الجزيرة” للكاتب ألدس هكسلي، حيث تدور الأحداث في مستقبل بعيد يتميز بالتكنولوجيا المتقدمة، ولكن يتفشى فيروس قاتل يُحدث تغييرات هائلة في البشر. يتناول الكتاب مواضيع مثل الحقوق البيولوجية والتحولات الاجتماعية التي تحدث جراء الأوبئة.
أيضًا، يمكن الإشارة إلى رواية “حالة الطوارئ” للكاتب مايكل كرايتون، حيث يتسارع الإنسان نحو التطور البيولوجي نتيجة لفيروس ينتقل بين البشر والحيوانات. تتناول الرواية قضايا الأخلاق والتكنولوجيا والتحولات في الهوية البشرية.
ومن ناحية أخرى، يشهد الأدب العربي محاولات لاستكشاف مواضيع الأوبئة وتأثيراتها، حيث يأتي في هذا السياق رواية “العين” للكاتبة الإماراتية ميثاء الحربي، التي تتناول قصة انتشار فيروس خطير في مجتمع عربي خيالي، وتسلط الضوء على التحولات الاجتماعية والنفسية للأفراد خلال تلك الأحداث.
وفي سياق الأدب الفانتازي، يمكن الإشارة إلى رواية “الحرب العالمية الثالثة” للكاتب حسام الدين محمود، حيث يستخدم الكاتب العناصر الفانتازية لاستكشاف تأثيرات وباء خيالي على مجتمع مصر.
في الختام، يظهر أن الأدب يعتبر وسيلة فعّالة لاستكشاف وفهم تأثيرات الأوبئة على الإنسان والمجتمع، حيث يقدم تصويرًا غنيًا وعميقًا لتلك التحديات الصحية وكيفية التعامل معها على مستوى شخصي وجماعي.