هل يمكن لأشعة الهواتف المحمولة أن تضر الحمض النووي؟
أصبح استخدام الهواتف المحمولة جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث نعتمد عليها في العمل، والتواصل الاجتماعي، والتسلية، والتعليم. ومع ازدياد عدد مستخدمي الهواتف المحمولة حول العالم، تزداد أيضًا الأسئلة المتعلقة بتأثيرات هذه الأجهزة على صحتنا، خاصةً على مستوى التأثيرات البيولوجية مثل تلف الحمض النووي. في هذا المقال، سنناقش ما إذا كانت أشعة الهواتف المحمولة يمكن أن تضر الحمض النووي، وندرس الأدلة العلمية المتاحة حول هذه القضية.
الأشعة الصادرة عن الهواتف المحمولة: الأنواع والخصائص
قبل التطرق إلى تأثيرات أشعة الهواتف المحمولة على الحمض النووي، من المهم أولاً فهم نوع الأشعة التي تصدر عن هذه الأجهزة. الهواتف المحمولة تعمل بتقنية الاتصالات اللاسلكية التي تستخدم إشعاعات كهرومغناطيسية ضمن نطاق الموجات الراديوية (Radiofrequency, RF) أو الموجات العالية التردد. هذه الإشعاعات تصنف عادةً كإشعاعات غير مؤينة (non-ionizing radiation).
الإشعاعات غير المؤينة تختلف عن الإشعاعات المؤينة (مثل الأشعة السينية وأشعة غاما)، التي تمتلك طاقة كافية لإزالة الإلكترونات من الذرات أو الجزيئات، ما قد يؤدي إلى تلف الحمض النووي. بالمقابل، لا تمتلك الإشعاعات غير المؤينة طاقة كافية لهذا التأثير المباشر. على الرغم من ذلك، هناك تساؤلات حول تأثير التعرض المستمر لها على مستوى الخلايا البشرية.
العلاقة بين الأشعة غير المؤينة والحمض النووي
أشعة الهواتف المحمولة تنتمي إلى فئة الإشعاعات غير المؤينة، ما يعني أنها لا تستطيع التأثير مباشرة في بنية الحمض النووي عن طريق التأين. لكن هذا لا يعني أن هذه الأشعة لا قد تؤثر على الخلايا والأنسجة في الجسم.
الأبحاث المبكرة في هذا المجال أظهرت أن الإشعاعات غير المؤينة قد تكون قادرة على إحداث تغييرات بيولوجية غير مباشرة تؤثر في الحمض النووي. على سبيل المثال، قد تؤدي إلى توليد الجذور الحرة (Free Radicals) في الجسم، وهي جزيئات غير مستقرة يمكن أن تسبب تفاعلات كيميائية ضارة داخل الخلايا. هذه التفاعلات قد تؤدي إلى تلف الحمض النووي، مما يزيد من احتمالية حدوث طفرات أو تغيرات وراثية.
الأبحاث العلمية: هل تؤثر أشعة الهواتف المحمولة على الحمض النووي؟
على مر السنين، أجريت العديد من الدراسات لفحص تأثيرات الإشعاعات غير المؤينة، مثل تلك التي تصدرها الهواتف المحمولة، على الحمض النووي.
دراسة 1: تأثير الإشعاع على الخلايا البشرية
أظهرت دراسة أجراها معهد أبحاث السرطان الوطني الأمريكي في عام 2011 أن التعرض المستمر لأشعة الهواتف المحمولة يمكن أن يتسبب في زيادة الجذور الحرة داخل الخلايا، مما قد يؤدي إلى تلف الحمض النووي. ولكن، في نفس الوقت، اعتُبر أن هذا التأثير لا يكون قويًا بما يكفي لإحداث تغييرات جينية دائمة على مستوى الكروموسومات. أي أن تأثيرات أشعة الهواتف المحمولة كانت غير مباشرة ولكنها قد تساهم في حدوث نوع من التلف المؤقت.
دراسة 2: التجارب على الحيوانات
أجريت العديد من التجارب على الحيوانات لدراسة تأثيرات إشعاع الهواتف المحمولة. إحدى الدراسات المثيرة التي نشرت في مجلة Environmental Health Perspectives عام 2013 أجرت تجربة على فئران تم تعريضها للإشعاعات الكهرومغناطيسية الخاصة بالهواتف المحمولة. أظهرت نتائج الدراسة أن الحيوانات التي تعرضت لهذه الإشعاعات بشكل مستمر لمدة طويلة أظهرت بعض التغيرات في خلايا المخ وبعض العلامات المرتبطة بالإجهاد الخلوي.
دراسة 3: دراسة بشرية
دراسة أخرى أُجريت في عام 2016 على مجموعة من البشر أفادت بأن التعرض المستمر للإشعاعات قد يؤدي إلى تغيير في التعبير الجيني لبعض الخلايا، ولكن لم يتم إثبات حدوث تلف مباشر في الحمض النووي أو حدوث طفرات. هذا يشير إلى أنه على الرغم من وجود تأثيرات بيولوجية محتملة للإشعاعات، إلا أن التأثيرات الجينية قد تكون محدودة أو غير مؤكدة.
الخطر المحتمل: تلف الحمض النووي والسرطان
أكثر المخاوف شيوعًا حول التأثيرات الصحية لإشعاعات الهواتف المحمولة هو ارتباطها بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، وهو أمر قد يرتبط بتلف الحمض النووي. وقد بدأت بعض الدراسات في ربط التعرض طويل الأمد لأشعة الهواتف المحمولة بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مثل السرطان الدماغي (أورام الدماغ). لكن الأدلة العلمية الحالية لا تزال غير حاسمة.
تأثيرات أشعة الهواتف المحمولة على الحمض النووي قد تكون مرتبطة بشكل غير مباشر عبر عملية قد تؤدي إلى زيادة الإجهاد التأكسدي. ولكن لا توجد أدلة قاطعة حتى الآن تدعم فكرة أن هذه الإشعاعات تسبب تلفًا دائمًا في الحمض النووي الذي يؤدي إلى السرطان.
عوامل أخرى قد تزيد من الخطر
من المهم أيضًا أن نأخذ في الاعتبار أن الآثار المحتملة لأشعة الهواتف المحمولة على الحمض النووي قد تختلف اعتمادًا على عدة عوامل:
- مدة التعرض: الأشخاص الذين يستخدمون الهواتف المحمولة لفترات طويلة يوميًا قد يكونون أكثر عرضة للتأثيرات السلبية.
- المسافة من الجهاز: استخدام الهاتف المحمول بالقرب من الرأس أو الجسم قد يزيد من مستوى التعرض للإشعاعات.
- الطاقة المرسلة: تختلف مستويات إشعاع الهواتف المحمولة بناءً على طراز الجهاز وقوة الشبكة (مثل 3G و 4G و 5G).
- الحساسية الفردية: قد يختلف تأثير الإشعاعات من شخص لآخر بناءً على عوامل وراثية أو صحية.
هل يجب أن نقلق؟
في النهاية، من المهم أن نتعامل مع هذه القضية بحذر. على الرغم من أن الأبحاث الحالية لا توفر دليلاً قاطعًا على أن إشعاعات الهواتف المحمولة يمكن أن تسبب تلفًا دائمًا للحمض النووي أو السرطان، إلا أن هناك إشارات إلى أن التعرض المستمر قد يؤدي إلى تأثيرات بيولوجية قد تكون ضارة على المدى الطويل. في الوقت ذاته، نظراً لأن العديد من الدراسات لا تزال تحت البحث ولم تُحسم هذه القضية بشكل كامل، يظل من الأفضل أن يتخذ الأفراد بعض التدابير الوقائية للحد من التعرض المفرط للإشعاعات.
نصائح للحد من التعرض لإشعاعات الهواتف المحمولة
- استخدام السماعات أو مكبر الصوت: تجنب وضع الهاتف مباشرة على الأذن ويفضل استخدام سماعات بلوتوث أو سماعات سلكية.
- تقليل مدة المكالمات: تجنب المكالمات الطويلة التي تجعل الجهاز قريبًا جدًا من الرأس.
- استخدام الهواتف على وضع الطائرة: في حالات عدم الحاجة للمكالمات، استخدم وضع الطائرة للحد من الإشعاعات.
- ابتعد عن الاستخدام الزائد: حاول تجنب استخدام الهاتف لفترات طويلة دون انقطاع.
- استخدام الحافظة الواقية: هناك بعض الحقائب الواقية التي تدعي تقليل التعرض للإشعاعات، وقد تساعد في تقليل تأثيرات الهاتف على الجسم.
الخلاصة
على الرغم من أن الأشعة الصادرة عن الهواتف المحمولة لا تصنف كإشعاعات مؤينة ولا توجد أدلة قاطعة تدعم الفكرة القائلة بأنها تسبب تلفًا مباشرًا للحمض النووي، إلا أن الدراسات تشير إلى وجود بعض التأثيرات البيولوجية غير المباشرة، مثل زيادة الجذور الحرة أو الإجهاد التأكسدي. ومع استمرار البحث العلمي في هذا المجال، يظل من المهم اتخاذ بعض الاحتياطات لتقليل التعرض لهذه الإشعاعات.