بورتوريكو: وضع سياسي معقد

عنوان المقال: وضع بورتوريكو السياسي

المقدمة

تُعدّ بورتوريكو من الكيانات الجغرافية والسياسية ذات الوضع الفريد في النظام الدولي، إذ إنها ليست دولة مستقلة ذات سيادة، كما أنها ليست ولاية أمريكية كاملة العضوية. ينطوي هذا الوضع على مجموعة معقدة من التبعات القانونية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر على سكان بورتوريكو البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين نسمة. لفهم ما إذا كانت بورتوريكو دولة ذات سيادة، من الضروري التعمق في تاريخها السياسي، علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، مركزها القانوني في النظام الدولي، والمطالبات المستمرة من قبل سكانها بشأن مستقبل الجزيرة.

الخلفية التاريخية

تمتلك بورتوريكو تاريخًا استعماريًا طويلاً بدأ مع اكتشافها من قبل كريستوفر كولومبوس عام 1493 لصالح التاج الإسباني. خضعت الجزيرة للسيطرة الإسبانية لمدة أربعة قرون تقريبًا حتى نهاية الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898، والتي أدت إلى توقيع معاهدة باريس، التي تنازلت فيها إسبانيا عن بورتوريكو للولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت بورتوريكو إقليمًا تابعًا للولايات المتحدة.

في عام 1917، منح قانون جونز سكان بورتوريكو الجنسية الأمريكية، إلا أن هذا لم يُغير من واقعهم كإقليم غير مدمج، حيث يخضعون لسلطة الكونغرس الأمريكي ولكن دون تمثيل تصويتي كامل فيه. وفي عام 1952، تم اعتماد دستور محلي لبورتوريكو، وأصبحت “كومنولث” (دولة حرة مرتبطة بالولايات المتحدة)، وهو وضع قانوني لا يُكسبها الاستقلال ولا يعاملها كولاية أمريكية كاملة.

الوضع القانوني والدستوري

من الناحية القانونية، تعتبر بورتوريكو “إقليمًا غير مدمج” (unincorporated territory) تابعًا للولايات المتحدة، وفقًا لتصنيف المحكمة العليا الأمريكية. هذا يعني أن الدستور الأمريكي لا ينطبق بشكل كامل على سكان بورتوريكو إلا في الحدود التي يقررها الكونغرس. لا يمكن اعتبار بورتوريكو دولة ذات سيادة لأن:

1. السيادة الخارجية: العلاقات الدولية لبورتوريكو تخضع بشكل كامل للحكومة الفيدرالية الأمريكية. لا تمتلك بورتوريكو تمثيلًا دبلوماسيًا مستقلاً، ولا تتمتع بالحق في الانضمام إلى المنظمات الدولية كعضو مستقل.

2. السيادة التشريعية: يمتلك الكونغرس الأمريكي سلطة كاملة على القوانين التي تحكم بورتوريكو، ويمكنه تعديل أو إلغاء أي قرار صادر عن الحكومة المحلية.

3. السلطة القضائية: القضاء الفيدرالي الأمريكي يمتد إلى بورتوريكو، والمحاكم المحلية تخضع لنظام قانوني يتبع النموذج الأمريكي.

4. الضرائب والحقوق السياسية: رغم أن سكان بورتوريكو مواطنون أمريكيون، إلا أنهم لا يتمتعون بحق التصويت في الانتخابات الرئاسية ولا في انتخاب أعضاء الكونغرس الذين يصوتون في مجلسي النواب والشيوخ. كما أنهم لا يدفعون بعض أنواع الضرائب الفيدرالية.

السيادة من منظور القانون الدولي

في السياق الدولي، السيادة تُفهم على أنها القدرة الكاملة للدولة على اتخاذ قراراتها بمعزل عن أي سلطة أجنبية، وأن تكون معترفًا بها من قبل المجتمع الدولي ككيان مستقل. بورتوريكو لا تُعد دولة ذات سيادة بموجب هذا التعريف، نظرًا لعدم امتلاكها القدرة على توقيع المعاهدات أو إقامة علاقات دبلوماسية مستقلة.

كما أنها ليست عضوًا في الأمم المتحدة أو في معظم المنظمات الدولية التي تشترط السيادة كشرط للعضوية. تمثلها الولايات المتحدة في معظم المحافل الدولية، مما يعكس افتقارها للاستقلال السياسي.

الوضع الاقتصادي والاعتماد على الولايات المتحدة

تعتمد بورتوريكو بشكل كبير على الدعم المالي الفيدرالي الأمريكي، ويشكل هذا أحد أبرز مظاهر غياب السيادة الاقتصادية. يُقدر أن جزءاً كبيراً من ميزانية الحكومة البورتوريكية ممول من خلال برامج المساعدات الأمريكية، بما في ذلك المساعدات الاجتماعية والرعاية الصحية.

من ناحية أخرى، لا تمتلك الجزيرة سيطرة على سياستها النقدية، حيث تستخدم الدولار الأمريكي كعملة رسمية، ويشرف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على السياسة النقدية. كما تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الولايات المتحدة، وتخضع لاتفاقيات التجارة الخارجية الأمريكية دون أن يكون لها رأي في صياغتها.

الهوية الوطنية والانقسام الداخلي

الوضع المعقد لبورتوريكو خلق انقسامًا داخليًا بين سكانها بشأن المسار المستقبلي الذي يجب أن تسلكه الجزيرة. يمكن تصنيف التيارات السياسية السائدة إلى ثلاث مجموعات:

1. دعاة الدولة الأمريكية الكاملة (Statehood): يطالبون بأن تصبح بورتوريكو الولاية رقم 51 في الاتحاد الأمريكي، مما يمنح السكان الحقوق الكاملة كمواطنين أمريكيين.

2. الاستقلاليون (Independence): يسعون إلى إنهاء العلاقة مع الولايات المتحدة والحصول على الاستقلال الكامل كدولة ذات سيادة.

3. مؤيدو الوضع القائم (Commonwealth): يدافعون عن استمرار بورتوريكو كإقليم يتمتع بحكم ذاتي محدود ضمن إطار السيادة الأمريكية.

شهدت الجزيرة استفتاءات متعددة لتحديد مستقبلها السياسي، أبرزها استفتاء عام 2020، حيث صوتت الأغلبية لصالح تحويل بورتوريكو إلى ولاية أمريكية، لكن نتيجة الاستفتاء ليست ملزمة قانونيًا وتحتاج إلى موافقة الكونغرس الأمريكي.

الجوانب الثقافية واللغوية

بورتوريكو تُعد كيانًا ثقافيًا مميزًا داخل الجغرافيا الأمريكية. اللغة الرسمية هي الإسبانية، إلى جانب الإنجليزية، ولكن الغالبية العظمى من السكان يتحدثون الإسبانية كلغة أولى. يتمتع سكان الجزيرة بثقافة لاتينية غنية ومتمايزة عن الثقافة السائدة في البر الرئيسي الأمريكي.

هذا التمايز الثقافي يعزز الشعور بالهوية الوطنية المستقلة لدى كثير من البورتوريكيين، رغم عدم امتلاكهم سيادة رسمية. ويُعد هذا أحد الأسباب التي تجعل خيار الاستقلال لا يزال قائمًا لدى بعض القوى السياسية في الجزيرة.

تحليل مقارن مع كيانات ذات أوضاع مشابهة

يمكن مقارنة بورتوريكو بعدة كيانات أخرى غير مستقلة، مثل:

• جزر فيرجن البريطانية: وهي إقليم تابع للمملكة المتحدة وتخضع بشكل كبير للحكم البريطاني.

• هونغ كونغ (قبل 2020): كانت منطقة ذات حكم ذاتي واسع في ظل السيادة الصينية، إلى أن تم تقليص هذا الحكم الذاتي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

• غرينلاند: إقليم يتمتع بالحكم الذاتي داخل مملكة الدنمارك وله بعض مظاهر السيادة في السياسة الداخلية والعلاقات الدولية.

في ضوء هذه المقارنات، يتضح أن بورتوريكو ليست فريدة في كونها غير مستقلة تمامًا، لكنها تظل حالة معقدة نظرًا لتاريخها الاستعماري الطويل وعلاقتها الاستثنائية مع واحدة من أقوى دول العالم.

خاتمة تحليلية

من خلال استعراض مختلف الجوانب السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية، يتضح أن بورتوريكو ليست دولة ذات سيادة بموجب المفاهيم المعتمدة في القانون الدولي أو الدساتير الوطنية. فهي إقليم تابع للولايات المتحدة يتمتع بدرجة من الحكم الذاتي، لكنه يفتقر إلى السيادة الكاملة سواء في السياسة الخارجية أو التشريعات أو التمثيل السياسي. وعلى الرغم من أن سكان بورتوريكو يحملون الجنسية الأمريكية، إلا أن افتقارهم إلى التمثيل السياسي الكامل والاستقلال التشريعي يجعلهم يعيشون في وضع قانوني وسياسي استثنائي وغير تقليدي.

المراجع

1. U.S. Government Accountability Office – Puerto Rico: Information on How Statehood Would Potentially Affect Selected Federal Programs and Revenue Sources (2020).

2. United Nations Special Committee on Decolonization – Reports on the Political Status of Puerto Rico (multiple years).