بلوتو: أصغر الكواكب وأسراره المثيرة في أطراف النظام الشمسي
رغم صغر حجمه وبعده الهائل عن الشمس، إلا أن بلوتو يظل واحدًا من أكثر الأجرام السماوية إثارة للجدل والدراسة في علم الفلك. على مر العقود، شغل هذا الكوكب الصغير – أو الكوكب القزم بحسب التصنيفات الحديثة – حيّزًا واسعًا في الأبحاث الفلكية، ليس فقط بسبب خصائصه الفيزيائية الفريدة، بل أيضًا بسبب الجدل العلمي العميق الذي دار حول مكانته في النظام الشمسي. فمنذ اكتشافه في أوائل القرن العشرين وحتى قرار الاتحاد الفلكي الدولي في عام 2006، كانت هوية بلوتو محل نقاش حاد، مما جعله مادة غنية للبحث والدراسة.
يمثل بلوتو نموذجًا مثيرًا لكيفية تطور الفهم العلمي مع تطور الوسائل التكنولوجية وتراكم المعرفة، فقد تحول من كوكب تاسع رسمي في النظام الشمسي إلى كوكب قزم، بناءً على مجموعة من المعايير الدقيقة التي تُمكّن العلماء من تصنيف الأجرام السماوية. هذا المقال يتناول بلوتو من زواياه المختلفة، بدءًا من نشأته، وخصائصه الجيولوجية، والمناخية، وصولًا إلى تفاصيل اكتشافه وتداعيات إعادة تصنيفه، بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققت بفضل البعثات الفضائية الحديثة.
اكتشاف بلوتو: البحث عن الكوكب التاسع
تم اكتشاف بلوتو في 18 فبراير 1930 على يد الفلكي الأمريكي “كلايد تومبو” في مرصد لويل في ولاية أريزونا. وقد جاء هذا الاكتشاف نتيجة جهود طويلة هدفت إلى العثور على كوكب مفترض أُطلق عليه حينها “الكوكب X”، وكان يُعتقد أنه يؤثر بجاذبيته على مدارات أورانوس ونبتون. رُغم أن الحسابات التي أدت إلى البحث عن بلوتو اتضح لاحقًا أنها لم تكن دقيقة، إلا أن المصادفة العلمية قادت إلى اكتشاف جرم سماوي حقيقي في أطراف النظام الشمسي.
أُطلق عليه اسم “بلوتو” اقتراحًا من فتاة بريطانية تُدعى “فينيتيا بورني” التي كانت تبلغ من العمر 11 عامًا، وقد أعجب الاسم الفلكيين لكونه يتناسب مع إله العالم السفلي في الأساطير الرومانية، ويبدأ بالحرفين الأولين من اسم الفلكي “Percival Lowell”، الذي ساهم في التمهيد لاكتشافه.
الخصائص الفيزيائية والفلكية لبلوتو
رغم أنه كان يُعد كوكبًا رسميًا في النظام الشمسي، فإن بلوتو يتميز بخصائص فيزيائية تختلف عن الكواكب الثمانية الأخرى، ما ساهم لاحقًا في إعادة تصنيفه ككوكب قزم. وفيما يلي أبرز هذه الخصائص:
-
الحجم والكتلة: يبلغ قطر بلوتو حوالي 2,377 كيلومترًا فقط، أي أقل من خُمس قطر الأرض، ويصل حجمه إلى نحو 0.2% من حجمها. وتبلغ كتلته قرابة 1.3 × 10^22 كغم، أي ما يعادل 0.002 من كتلة الأرض، وهو أقل من كتلة قمر الأرض.
-
المدار والمسافة عن الشمس: يدور بلوتو حول الشمس في مدار بيضاوي وغير منتظم بشدة، ويميل بزاوية كبيرة عن مستوى مدارات الكواكب الأخرى. تتراوح مسافته عن الشمس بين 4.4 و7.3 مليار كيلومتر، وتستغرق دورته المدارية الكاملة 248 سنة أرضية.
-
التركيب الداخلي: يُعتقد أن بلوتو يتكون من مزيج من الصخور والجليد، مع نواة صخرية محاطة بطبقة من الجليد المائي والنيتروجيني. وتُظهر البيانات أن لديه غلافًا جويًا رقيقًا يتكون بشكل أساسي من النيتروجين، بالإضافة إلى غازات الميثان وأول أكسيد الكربون.
-
المناخ والسطح: يظهر سطح بلوتو مظاهر جيولوجية معقدة، تشمل جبالًا جليدية وسهولًا متجمدة وأودية عميقة. ومن أبرز معالمه سطح “سبوتنيك بلانوم” – سهل نيتروجيني شاسع يتميز بانخفاض التضاريس، ويُعتقد أنه يُعاد تشكيله باستمرار بفعل النشاط الداخلي.
أقمار بلوتو وعلاقته الخاصة مع “شارون”
بلوتو يمتلك خمسة أقمار معروفة حتى الآن، هي: شارون (Charon)، ستيكس (Styx)، نيكس (Nix)، كيربيروس (Kerberos)، وهيدرا (Hydra). ويُعد شارون أكبر هذه الأقمار وأقربها إليه، ويبلغ قطره حوالي 1,212 كيلومترًا، أي ما يقرب من نصف قطر بلوتو، مما يجعله أكبر قمر نسبيًا مقارنة بكوكبه.
تدور بلوتو وشارون حول مركز ثقل مشترك يقع خارج جسم بلوتو نفسه، وهذا ما يجعل بعض العلماء يصنفونهما على أنهما “نظام ثنائي”. وتُظهر البيانات أن سطح شارون يتميز بتضاريس مختلفة عن بلوتو، منها صدوع ضخمة وجبال جليدية تشكلت بفعل التمدد الداخلي، ما يشير إلى وجود نشاط جيولوجي سابق.
مهمة نيو هورايزنز: نافذة جديدة على بلوتو
أطلقت وكالة ناسا مركبة “نيو هورايزنز” (New Horizons) في عام 2006، في مهمة تهدف إلى دراسة بلوتو عن قرب لأول مرة في التاريخ. وبعد رحلة استمرت أكثر من تسع سنوات، وصلت المركبة إلى بلوتو في 14 يوليو 2015، وقدّمت صورًا ومعلومات غير مسبوقة عن سطحه وجوّه وأقماره.
من أبرز الاكتشافات التي حققتها المهمة:
-
وجود تنوع جيولوجي كبير على سطح بلوتو، يتضمن تضاريس معقدة للغاية مثل السهول المتجمدة والفوهات والجبال.
-
رصد غلاف جوي دقيق حول بلوتو يتكون أساسًا من النيتروجين والميثان.
-
اكتشاف ضبابات متعددة الطبقات تحيط بالكوكب القزم.
-
وجود نشاط جيولوجي حديث نسبيًا، مما يُشير إلى أن بلوتو لا يزال نشطًا من الناحية الداخلية، رغم بعده عن الشمس وحرارته المنخفضة جدًا.
الجدول المقارن بين بلوتو وأقرب الكواكب إليه من حيث الحجم
| العنصر | بلوتو | عطارد | القمر (التابع للأرض) |
|---|---|---|---|
| القطر (كم) | 2,377 | 4,879 | 3,474 |
| الكتلة (كغم) | 1.3×10^22 | 3.3×10^23 | 7.3×10^22 |
| متوسط درجة الحرارة (°C) | -229 | 167 | -53 |
| مدة الدورة حول الشمس (سنة) | 248 | 0.24 | — |
| عدد الأقمار | 5 | 0 | — |
إعادة تصنيف بلوتو: من كوكب إلى كوكب قزم
في عام 2006، أصدر الاتحاد الفلكي الدولي (IAU) قرارًا رسميًا يستحدث فيه تصنيفًا جديدًا يُعرف بـ”الكواكب القزمة”، وعلى إثره تم إزالة بلوتو من قائمة الكواكب الأساسية، بعد أن كان يُعد الكوكب التاسع في النظام الشمسي.
ويعتمد هذا القرار على تعريف محدد للكوكب، يتضمن ثلاثة معايير:
-
أن يدور حول الشمس.
-
أن يكون لديه كتلة كافية تجعله يأخذ شكلًا شبه كروي.
-
أن يكون قد أزال الأجسام المجاورة من مداره.
رغم أن بلوتو يستوفي الشرطين الأول والثاني، إلا أنه يفشل في الشرط الثالث، إذ إنه يشارك مداره مع أجسام كثيرة ضمن حزام كويبر، ما يجعله كوكبًا قزمًا وفقًا للتصنيف العلمي الحديث.
موقع بلوتو ضمن حزام كويبر
بلوتو يُعد جزءًا من “حزام كويبر”، وهو منطقة ضخمة تقع خلف مدار نبتون، وتضم آلاف الأجسام الجليدية الصغيرة. ويُعتقد أن هذه المنطقة تحتوي على بقايا تكوّن النظام الشمسي، وتُشبه في تركيبها المذنبات، وتُعتبر مخزنًا مهمًا لدراسة مراحل تطور النظام الشمسي.
وجود بلوتو ضمن هذا الحزام يجعله نموذجًا مثاليًا لدراسة هذه الأجرام، لا سيما أن حجمه وتركيبه يمثلان خصائص وسيطة بين الكواكب والمذنبات، مما يوفر فهمًا أعمق للتركيب الكيميائي والجيولوجي للمنطقة الخارجية للنظام الشمسي.
الأهمية العلمية لبلوتو في الأبحاث الفلكية
رغم تقليص مرتبته إلى “كوكب قزم”، فإن بلوتو يظل من أهم الأجرام السماوية لدراسة النظام الشمسي. ويكمن السبب في تنوعه الجيولوجي، ووجود غلاف جوي، وتفاعله المداري المعقد مع أقماره، بالإضافة إلى موقعه على أطراف النظام الشمسي.
يُستخدم بلوتو كنموذج لدراسة الأجسام الجليدية الأخرى في النظام الشمسي، وكذلك لدراسة الظروف الممكنة لتشكل الغلاف الجوي في ظروف منخفضة الحرارة. كما أن فهم آلياته المدارية يُساعد على تحسين النماذج الحسابية لديناميكيات الأجسام السماوية.
خاتمة معرفية
بلوتو، رغم صغره وبعده، يمثل ركنًا معرفيًا بالغ الأهمية في علم الفلك الحديث. تحوّله من كوكب تاسع إلى كوكب قزم لم يُقلّل من أهميته العلمية، بل سلط الضوء على التغيرات المستمرة في فهمنا للكون. إن دراسة بلوتو تُعيد التأكيد على أن التصنيف ليس سوى أداة مؤقتة في يد المعرفة، التي لا تكفّ عن التطور والتوسع، وكل اكتشاف جديد يضيف بُعدًا إضافيًا لفهمنا للفضاء الشاسع الذي نعيش فيه.
المراجع:
-
International Astronomical Union – IAU Definition of a Planet
