في ظل الأرقام الجافة والإحصائيات الباردة التي تستعرضها السجلات التاريخية، نجد أن بلجيكا، البلد الذي حمل عبء الحرب العالمية الثانية على كاهله، قد أدركت مرارًا وتكرارًا مدى وطأة الصراعات الدموية التي تعصف بالأمم والشعوب. إذا نظرنا إلى سجلات الأحداث التي شهدتها هذه الأرض الطيبة، نجد أنَّ عدد السكان في بلجيكا في بداية عام 1939 بلغ حوالي 8،387،000 نسمة، حيث كانوا يعيشون حياة هادئة تحت ظلال السلام.
ولكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وتوغل جحافل الغزاة، بدأت تتغير المعالم وتتبدل الأحداث بوتيرة مرعبة. فقد سقط من الجنود البلجيكيين شهداء على أرض الوطن بلغ عددهم 12،000 جندي، قضوا نحبهم في ساحات القتال وعلى خطوط التماس، مما خلف جراحاً عميقة في نفوس الأهالي والمجتمع بأسره.
ولكن الألم الذي خلفته الحرب لم يقتصر على الجنود فقط، بل امتد ليشمل الأبرياء أيضاً. فقد بادرت أيادي العدو الى ارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية في التراب البلجيكي، مما أدى إلى سقوط 76،000 مدني بريئاً، سالت دماؤهم كنهر جاري، محملةً القلوب بألم لا يُحتمل.
وهكذا، بلغت حصيلة الضحايا الإجمالية لبلجيكا في ذلك الزمان المظلم 88،000 شهيد، وهو رقم يصعب تصوره إلا بعدما نتأمل الخسائر البشرية الجسيمة التي خلفتها الحرب العابرة للقارات والحدود. إنها أرقام تروي قصة الألم والمعاناة التي مر بها هذا الشعب الصامد، الذي واجه التحديات بكل شجاعة وإصرار.
وحين نرى أن نسبة الوفيات بلغت 1.05٪ من سكان بلجيكا في عام 1939، ندرك مدى الخسارة الفادحة التي لاحقت هذا الوطن الصغير، وكم تركت آثارها جرحاً عميقاً في ذاكرة الأجيال القادمة. إنها ليست مجرد أرقام تمثل إحصاءات بل هي شاهد على واقع مرير عاشه أبناء هذا البلد الطيب، ودرس تاريخي يجب ألا ننساه أبداً.
وعلى الرغم من الجروح التي خلَّفتها الحرب، فإن بلجيكا وشعبها لم يستسلموا لليأس، بل بنوا من جديد على ركام الدمار، وعملوا على ترميم جراح الوطن وبناء مستقبل أفضل. إنها قصة صمود وتحدي، ترويها تلك الأرقام المؤلمة، وتحمل في طياتها دروساً تاريخية قيّمة عن الصمود والإرادة وروح التضحية التي تجسدت في شعب بلجيكا خلال تلك الفترة الصعبة.