بقع بيضاء على الجلد عند الأطفال: الأسباب، الأنواع، وطرق العلاج

تُعد صحة الجلد لدى الأطفال من المواضيع التي تستحوذ على اهتمام بالغ من الأهل، نظرًا لحساسية بشرتهم وسرعة تأثرها بالعوامل البيئية أو الداخلية. ومن بين المشكلات الجلدية الشائعة التي قد تثير قلق الأهل، ظهور بقع بيضاء على الجلد عند الأطفال، والتي قد تكون مؤشرًا على حالات صحية بسيطة وعابرة أو أعراضًا لأمراض جلدية تستدعي التدخل العلاجي والمتابعة الطبية. يهدف هذا المقال إلى تقديم شرح شامل وموسع حول أسباب ظهور هذه البقع البيضاء، أنواعها المختلفة، طرق التشخيص والعلاج، مع التركيز على أهمية الوقاية والعناية بالبشرة في سن مبكرة.

أولًا: ما المقصود بالبقع البيضاء على الجلد؟

البقع البيضاء على الجلد هي مناطق تظهر بلون أفتح من لون الجلد الطبيعي المحيط بها. وهي ناتجة عن فقدان جزئي أو كلي لصبغة الميلانين في تلك المناطق، مما يجعلها تختلف في اللون عن باقي البشرة. قد تظهر هذه البقع في أماكن مختلفة من الجسم مثل الوجه، الذراعين، الساقين أو الظهر، وقد تكون صغيرة الحجم أو كبيرة، مسطحة أو مرتفعة قليلًا، مصحوبة أو غير مصحوبة بأعراض أخرى مثل الحكة أو الجفاف.

ثانيًا: الأسباب الشائعة لظهور البقع البيضاء عند الأطفال

1. النخالة البيضاء (Pityriasis Alba)

من أكثر الأسباب شيوعًا، وتُعد النخالة البيضاء من الحالات الجلدية الحميدة. تتسم بظهور بقع بيضاء مائلة إلى الوردي أحيانًا، غالبًا على الوجه، وتكون مصحوبة بجفاف وتقشر بسيط في الجلد. تظهر غالبًا في الأطفال ذوي البشرة الداكنة أو المختلطة، وتنتج عن اضطرابات طفيفة في إنتاج الميلانين، خاصة بعد التعرض للشمس أو بعد التهابات جلدية سابقة.

2. البرص أو البهاق (Vitiligo)

البهاق هو اضطراب مناعي ذاتي يؤدي إلى تدمير الخلايا الصبغية (الميلانوسيتات)، مما يسبب فقدان التصبغ في الجلد وظهور بقع بيضاء ناصعة. قد يظهر في أي عمر، لكنه قد يبدأ في الطفولة. وتكون البقع الناتجة عنه ناصعة البياض وحدودها واضحة، وغالبًا ما تزداد مع مرور الوقت إن لم تُعالج.

3. التينيا الملونة (Tinea Versicolor)

عدوى فطرية سطحية تسببها فطريات المالاسيزيا، تؤدي إلى اضطراب في توزيع الميلانين، مما ينتج عنه بقع بيضاء أو بنية أو وردية اللون، غالبًا على الجذع والكتفين. قد يصاحبها حكة خفيفة، وتظهر غالبًا في الطقس الحار والرطب.

4. نقص الفيتامينات والمعادن

نقص بعض الفيتامينات، مثل فيتامين B12، وفيتامين D، والنحاس، قد يؤدي إلى تغير لون الجلد وظهور بقع بيضاء أو باهتة، نتيجة لتأثيره على وظيفة الخلايا الصبغية أو صحة الجلد بشكل عام.

5. الإكزيما (Atopic Dermatitis)

الإكزيما من الاضطرابات الجلدية الشائعة لدى الأطفال، وتسبب جفافًا شديدًا والتهابًا في الجلد. في مراحل ما بعد الالتهاب، قد تظهر مناطق من الجلد أقل تصبغًا نتيجة لاضطراب مؤقت في إنتاج الميلانين، تُعرف بـ hypopigmentation.

6. أثر ما بعد الالتهاب (Post-inflammatory Hypopigmentation)

يمكن أن تظهر البقع البيضاء بعد شفاء الجلد من التهابات أو إصابات مثل الحروق، الجروح، أو التهابات الجلد التحسسية. في هذه الحالة، يكون التغير مؤقتًا وعادة ما يعود الجلد إلى لونه الطبيعي مع مرور الوقت.

7. التعرض المفرط للشمس

التعرض الطويل للشمس دون وقاية قد يؤدي إلى إتلاف الخلايا الصبغية في مناطق معينة من الجلد، مما يسبب بقعًا أفتح لونًا، خاصة في الأطفال ذوي البشرة الحساسة أو الفاتحة.

ثالثًا: تشخيص البقع البيضاء عند الأطفال

يتم تشخيص البقع البيضاء من خلال الفحص السريري الدقيق، حيث يلاحظ الطبيب موقع البقع، حجمها، شكلها، وهل يصاحبها أعراض أخرى مثل الحكة أو القشور. في بعض الحالات، تُستخدم أداة ضوء وود (Wood’s Lamp) لتحديد طبيعة التصبغ. وقد يتطلب الأمر فحوصات إضافية مثل:

• فحص الفطريات عبر أخذ مسحة من الجلد.

• اختبارات الدم للكشف عن نقص الفيتامينات أو وجود أمراض مناعية.

• خزعة جلدية في الحالات غير الواضحة للتفريق بين الحالات المختلفة.

رابعًا: طرق العلاج والعناية بالبشرة

1. علاج النخالة البيضاء

• استخدام مرطبات الجلد بشكل يومي.

• تجنب غسل الوجه بالماء الساخن أو استخدام الصابون القاسي.

• يمكن استخدام كريمات تحتوي على الكورتيزون الضعيف لفترة قصيرة إذا أشار الطبيب بذلك.

• استخدام واقي الشمس بشكل منتظم لتقليل التباين اللوني.

2. علاج البهاق

• استخدام الكريمات الموضعية مثل الكورتيكوستيرويدات أو مثبطات الكالسينيورين.

• العلاج بالضوء (phototherapy) خاصة في الحالات المنتشرة.

• قد يُستخدم الليزر لإعادة التصبغ في مناطق محددة.

• الدعم النفسي مهم جدًا لما قد يسببه البهاق من أثر نفسي على الطفل.

3. علاج التينيا الملونة

• كريمات مضادة للفطريات مثل الكيتوكونازول أو الميكونازول.

• في الحالات الواسعة الانتشار، يمكن اللجوء للعلاج الفموي بمضادات الفطريات تحت إشراف الطبيب.

4. تصحيح نقص الفيتامينات

• إجراء فحوص مخبرية لتحديد النقص.

• إعطاء المكملات الغذائية تحت إشراف طبي.

• تحسين النظام الغذائي للطفل بتضمين الخضروات، الفواكه، ومنتجات الألبان الغنية بالفيتامينات.

5. العناية بالبشرة الوقائية

• استخدام مرطبات طبيعية خالية من العطور.

• حماية الطفل من الشمس باستخدام واقيات شمس ذات حماية عالية SPF 50+.

• تجنب مسببات الحساسية أو المنتجات الكيميائية القاسية.

خامسًا: الفرق بين الأنواع المختلفة للبقع البيضاء

يوضح الجدول التالي أهم الفروق بين أبرز الأسباب الشائعة للبقع البيضاء:

سادسًا: متى يجب زيارة الطبيب؟

رغم أن العديد من البقع البيضاء لا تستدعي القلق الفوري، إلا أن بعض الحالات تتطلب التدخل الطبي السريع، خاصة إذا:

• استمرت البقع في النمو أو الانتشار.

• لم تستجب للعناية المنزلية خلال أسابيع.

• كانت مصحوبة بأعراض أخرى مثل الحكة الشديدة أو فقدان الشعر في المنطقة.

• ظهرت بشكل مفاجئ بعد مرض مناعي أو تعرض لمادة كيميائية.

سابعًا: الأثر النفسي والاجتماعي للبقع البيضاء

قد تؤثر هذه البقع، خاصة إن كانت في مناطق ظاهرة كوجه الطفل، على نفسيته وثقته بنفسه، خصوصًا في سن المدرسة. لذلك، من المهم توفير الدعم النفسي للطفل، وتوضيح أن الأمر شائع وقابل للعلاج، وتشجيعه على تقبل مظهره الخارجي دون قلق. كما يجب تثقيف المعلمين والزملاء لتجنب التنمر أو السخرية.

ثامنًا: الوقاية والعناية طويلة المدى

إن الحفاظ على بشرة الطفل صحية وسليمة يستوجب اتباع روتين وقائي منتظم يشمل:

• التغذية السليمة الغنية بالعناصر الضرورية لصحة الجلد.

• ترطيب البشرة يوميًا باستخدام منتجات مخصصة للأطفال.

• تجنب التعرض المفرط لأشعة الشمس، واستخدام واقيات شمس مناسبة.

• الابتعاد عن المنتجات الجلدية المهيجة أو المحتوية على عطور.

• مراجعة الطبيب فور ملاحظة أي تغير في لون الجلد أو مظهره.

المراجع

1. James, William D., et al. Andrews’ Diseases of the Skin: Clinical Dermatology. Elsevier, 2020.

2. World Health Organization. “Vitiligo: Diagnosis and Management.” WHO Skin Health Publications, 2019.