بعثة النبي ومكارم الأخلاق

صحة حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

الحديث النبوي الشريف “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” هو واحد من الأحاديث التي تحمل في طياتها معاني عظيمة تتعلق بتوجيه الإنسان نحو التخلق بالأخلاق الحسنة، والتي هي جزء أساسي من دين الإسلام. هذا الحديث يبين الغاية السامية من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويُظهر أهمية الأخلاق في الحياة الإنسانية. في هذا المقال، سنستعرض صحة هذا الحديث، مع تحليل مضمونه وأثره في حياة المسلم، بالإضافة إلى الحديث عن مكانة الأخلاق في الإسلام وكيفية تطبيق هذا الحديث في حياة المسلمين.

أولاً: صحة حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

يعتبر حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” من الأحاديث المشهورة التي نسبها العلماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي هذا الحديث في سياق الأحاديث التي تؤكد على سمو الأخلاق وتحث على التخلق بها.

1. الحديث في المصادر الصحيحة:

حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في عدة مصادر من كتب الحديث. من أبرز هذه المصادر:

• حديث صحيح في مسند الإمام أحمد: حيث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.

• رواه الإمام مالك: في “الموطأ”، وهو من أشهر كتب الحديث.

• رواه الحاكم في “المستدرك”: وكذلك ورد في “صحيح الجامع الصغير”.

الحديث يثبت في متنه وصحته في معظم المصادر التي تَحْتَوي على الأحاديث النبوية الصحيحة. وقد اعتنى العديد من علماء الحديث بدراسة سنده، وأجمعوا على صحة الحديث.

2. تفسير صحة الحديث:

أجمع العلماء على أن الحديث صحيح، مع أنه هناك اختلاف طفيف بين العلماء في تحديد درجة صحته في بعض الروايات، إلا أن جميعهم اتفقوا على أنه حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. حيث أن مفردات الحديث وألفاظه متوافقة مع السياق العام لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ومقاصد بعثته.

ثانياً: مفهوم الحديث: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

الحديث النبوي “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” يتضمن معاني كبيرة وهامة تَحْتَوي على دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين كي يسيروا في درب مكارم الأخلاق ويسهموا في إصلاح النفس والمجتمع. ولكن لفهم هذا الحديث بشكل صحيح، من المهم أولاً معرفة معاني الكلمات الرئيسة فيه:

• “بعثت”: تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس برسالة من الله تعالى.

• “أتمم”: تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبعث ليبدأ الأخلاق أو يخلقها من جديد، بل ليكمل ويُكمل ما سبق من تعاليم أخلاقية في الأمم السابقة، ولِيُرَسِّخ تلك المبادئ الأخلاقية على أكمل وجه.

• “مكارم الأخلاق”: تشير إلى الفضائل والأخلاق العليا التي يتحلى بها الإنسان المثالي، مثل الصدق، والأمانة، والإحسان، والرحمة، والتواضع، وغيرها من الأخلاق الحسنة التي تقود الإنسان إلى العيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين.

إذن، الحديث يُظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لإتمام ما بدأه الأنبياء من قبله في تعليم الناس الأخلاق الفاضلة التي تُسهم في بناء مجتمع أخلاقي سليم. وقد جاء هذا الحديث ليعزز فهم المسلم لدوره في تبني هذه الفضائل والعمل بها في حياته اليومية.

ثالثاً: الأخلاق في الإسلام

الأخلاق هي أساس رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تُعزز هذا المفهوم، بل وتُعتبر الأخلاق في الإسلام هي الصورة المتكاملة التي يجب أن يتسم بها المسلم في جميع مناحي حياته. على سبيل المثال، يقول الله تعالى في القرآن الكريم في آية من سورة القلم:

“وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم: 4).

هذه الآية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة حسنة في مكارم الأخلاق. وفي العديد من الأحاديث النبوية، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث المسلمين على التمسك بالأخلاق الحسنة في جميع تعاملاتهم، سواء كانت مع الله أو مع الناس.

1. الصدق والأمانة:

الصدق هو من أهم مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام. يعتبر الصدق من الصفات التي يجب على المسلم أن يتحلى بها في جميع أفعاله وأقواله. في الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة” (رواه البخاري ومسلم).

2. التواضع والرحمة:

التواضع هو أيضًا من مكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام، ولا يجوز للإنسان أن يتكبر أو يتفاخر. وقد ورد في الحديث الصحيح:

“من تواضع لله رفعه” (رواه مسلم).

3. الإحسان في التعامل مع الآخرين:

الإحسان إلى الآخرين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، هو من أسمى الأخلاق التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم. في حديث نبوي معروف، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إن الله يحب المحسنين” (رواه مسلم).

رابعاً: دور الحديث في حياتنا اليومية

الحديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” يدعونا إلى تحسين أخلاقنا في جميع جوانب حياتنا. فهو ليس مجرد قول بل هو منهج حياة يجب على المسلم أن يتبعه في تعاملاته اليومية. كيف يمكن تطبيق هذا الحديث في حياتنا؟

1. العمل على تحسين الأخلاق الفردية:

من خلال هذا الحديث، يمكننا أن نحرص على تحسين أخلاقنا الشخصية، مثل التحلي بالصدق، والأمانة، والرحمة، والتواضع، والوفاء بالعهد، وغيرها من الأخلاق التي يجب أن تكون جزءاً من شخصية المسلم. يجب أن يكون كل فرد في المجتمع المسلم قدوة حسنة من خلال سلوكياته اليومية.

2. التأثير الإيجابي على المجتمع:

عندما يتحلى المسلم بمكارم الأخلاق، فإن ذلك ينعكس بشكل إيجابي على المجتمع الذي يعيش فيه. فالمجتمعات التي يتحلى أفرادها بالأخلاق الطيبة تكون أكثر استقراراً وتقدماً. على سبيل المثال، يمكن للأفراد الذين يتحلون بالأمانة أن يسهموا في بناء بيئة عمل أفضل وأكثر كفاءة، كما أن الرحمة والإحسان يمكن أن تحل الكثير من المشكلات الاجتماعية.

3. تحقيق التسامح والسلام بين الناس:

إذا ما تعلّم المسلمون من هذا الحديث وطبقوا مكارم الأخلاق في تعاملاتهم، فإنهم سيسهمون في بناء مجتمع خالٍ من العنف والتطرف. فالأخلاق الحسنة تؤدي إلى خلق بيئة من التسامح والتعاون، مما يعزز روح التعاون بين الأفراد ويؤدي إلى مجتمع يسوده السلام.

خامساً: خاتمة

حديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” هو من الأحاديث التي تُظهر دور النبي صلى الله عليه وسلم في تعزيز الأخلاق الفاضلة والمبادئ الإنسانية السامية. هذا الحديث يشجع المسلم على تحسين أخلاقه والعمل بها في حياته اليومية، ويسهم في بناء مجتمع أخلاقي، يبعث على التفاهم والمحبة بين أفراده. ومن خلال الالتزام بتطبيق مكارم الأخلاق، يمكن للإنسان أن يحقق التوازن الداخلي ويسهم في تحسين مجتمعه.