حديث “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” هو حديث نبوي شريف يختصر جوهر رسالته صلى الله عليه وسلم ويبيّن الأبعاد الأخلاقية التي جاء الإسلام لتحقيقها في المجتمع البشري. يطرح الحديث مفهوم الأخلاق والمكارم في الإسلام كأهداف رئيسية في بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت الأخلاق الفاضلة هي الغاية الأساسية التي سعى إليها النبي الكريم ليتمم بها ما جاء به من رسالة. هذا الحديث يُعَدّ من الأحاديث المحورية التي تسلط الضوء على المعنى الحقيقي للاعتناق الإسلامي، الذي يتجاوز العبادات إلى سلوكيات الإنسان وتعاملاته اليومية.
تعريف الحديث
حديث “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” هو حديث نبوي ورد في العديد من كتب الحديث، مثل صحيح مسلم وصحيح البخاري، عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. جاء الحديث ليوضح الهدف الأساسي من بعثته، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق”. هذا الحديث يشير إلى أن النبوة لم تكن موجهة فقط لإعلان العقائد أو تشريع العبادات، بل كانت في أساسها تهدف إلى تكامل الإنسان في مختلف أبعاد حياته، ليصل إلى أعلى مراتب الأخلاق الحميدة.
المعنى اللغوي للمكارم
قبل الخوض في تفسير الحديث، من المهم أن نوضح معنى كلمة “مكارم” في اللغة العربية. كلمة “مكارم” هي جمع كلمة “مكرمة” التي تعني الفضيلة أو الفضائل، وهي كل ما يرفع من شأن الإنسان في نظر المجتمع وفي نظر الله سبحانه وتعالى. إذن، “مكارم الأخلاق” تشير إلى الفضائل الأخلاقية التي ترفع من مستوى الإنسان في سلوكه وتصرفاته، وتشمل الصدق، الأمانة، الإحسان، الرحمة، العفو، وغيرها من الصفات التي تجعل الإنسان محط احترام وتقدير.
المكارم في الإسلام
المكارم الأخلاقية في الإسلام ليست محصورة في سلوكيات الفرد فقط، بل تمتد لتشمل العلاقات بين الأفراد في المجتمع، وتنظيم كيفية التعامل مع الآخرين من منطلق الرحمة والتسامح والعدل. الأخلاق في الإسلام هي معيار لقياس التزام المسلم بتعاليم دينه، ولذلك يُحَثّ المسلم على اتباع الفضائل مثل:
-
الصدق: أحد أسمى الأخلاق في الإسلام، الذي يؤكد عليه القرآن الكريم والحديث النبوي.
-
الأمانة: بما في ذلك الحفاظ على حقوق الناس والوفاء بالعهد.
-
الرحمة: وهي التعامل مع الآخرين بحب وعطف، بما في ذلك الحيوانات والنباتات.
-
التواضع: أن يتجنب المسلم الغرور والتفاخر، ويُظهِر حسن السلوك مع الجميع.
-
العفو: وهي من أهم الفضائل التي دعا إليها الإسلام، والتعامل مع الأذى بالصبر.
تفسير الحديث
حديث “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليعلم الناس الأخلاق فقط، بل إنه جاء ليُكمل ما كان ناقصًا في المجتمع من القيم الإنسانية، ليُعلي من شأن الأخلاق في الحياة الاجتماعية والدينية. فقبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان العالم يعاني من كثير من الفساد الأخلاقي والظلم الاجتماعي والتمييز العنصري. جاء الإسلام ليؤسس لأسس أخلاقية تتجاوز العادات والتقاليد الجاهلية، لتصبح الأخلاق مبدأ أساسيًا للحياة.
تكميل مكارم الأخلاق
إن تكميل مكارم الأخلاق كما ورد في الحديث لا يعني أن الناس كانوا خاليين من أي فضيلة قبل بعثة النبي، ولكن ما كان موجودًا من أخلاق كان بحاجة إلى تكامل وتوجيه وإعادة ترتيب وفقًا لما يرضي الله سبحانه وتعالى. وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تنقية القيم الأخلاقية من الشوائب الاجتماعية التي قد تؤثر على جوهرها. على سبيل المثال، كانت الجاهلية قد حرّمت حقوق بعض الطبقات من المجتمع مثل النساء والأيتام، فكان الإسلام جاء ليحفظ حقوق هؤلاء ويوجه نحو حسن المعاملة والاحترام.
دور النبي صلى الله عليه وسلم في إتمام الأخلاق
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان المثال الأسمى في الأخلاق. فقد وصفه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بقوله: “وإنك لعلى خلق عظيم” (القلم: 4). وكانت سيرته العطرة دروسًا عملية في كيف يمكن للإنسان أن يُحسن من سلوكه وأخلاقه. لم يقتصر الأمر على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُرشد الناس إلى فضائل الأخلاق فقط، بل كان هو نفسه قدوة حية لهذه الأخلاق. فقد كان صادقًا، أمينًا، رحيمًا، متواضعًا، عفوًا عن المسيئين، كريمًا مع الفقراء والمحتاجين.
التأثير الاجتماعي لأخلاق النبي
عندما نتحدث عن “أتمم مكارم الأخلاق”، فإننا لا نتحدث عن نظرية أخلاقية بعيدة عن التطبيق الواقعي. النبي صلى الله عليه وسلم استطاع من خلال أخلاقه أن يُغير وجه المجتمع العربي بل والعالمي، فقد كانت الأخلاق محورًا أساسيًا في علاقته مع الصحابة ومع غير المسلمين. لقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم دعائم المجتمع الإسلامي على أساس من الأخلاق، حيث كان يُربي صحابته على الصفات الحميدة ويسعى لتعزيز روح التعاون والمساواة.
المساواة والعدل الاجتماعي
لقد دعا الإسلام إلى العدل والمساواة بين الناس. فالتفوق لم يكن يُقاس لا بالمال ولا بالنسب، بل كان يُقاس بتقوى الله والعمل الصالح. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطبق ذلك عمليًا في كل مواقفه. فكان يُعامِل جميع الناس، من مختلف الطبقات والعرقيات، على قدم المساواة دون تمييز، ويؤكد على أهمية العدالة في كل تعاملات المسلم.
العلاقة بين الأخلاق والعبادات
في الإسلام، تُعتبر الأخلاق جزءًا لا يتجزأ من العبادة. فالصلاة والصوم والزكاة ليست مجرد طقوس دينية، بل هي ممارسات تهدف إلى ترسيخ الأخلاق الفاضلة في حياة المسلم. على سبيل المثال، الصلاة تعلم المسلم الصبر والتواضع، بينما الصوم يُساعد على تطهير النفس وتعليمها ضبط النفس.
دور الأخلاق في الدعوة الإسلامية
منذ بداية الدعوة الإسلامية، كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم هي الوسيلة الأساسية التي استخدمها لجذب الناس إلى الإسلام. فقد كان الكثير من الناس يدخلون في الإسلام بسبب تأثرهم بأخلاق النبي وتعاملاته معهم. حتى أن البعض كان يُطلق على النبي لقب “الصادق الأمين” قبل بعثته، وذلك بسبب سمعته الطيبة بين الناس.
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم الأخلاق كأداة دعوية لنشر رسالته. ففي العديد من المواقف، كان يُظهر للمشركين كيفية التعامل بالحكمة والموعظة الحسنة. وكان الصحابة يتعلمون منه أسلوب الدعوة، وكيفية التأثير في الآخرين بدون اللجوء إلى العنف أو القسوة.
الخلاصة
حديث “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” ليس مجرد حديث عابر، بل هو إعلان واضح وبيان عميق للهدف الأساسي من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فالحديث يعكس كيف أن الإسلام قام على أسس أخلاقية تُعلي من قيم الفضيلة، والتعامل الحسن، والعدل الاجتماعي. إن الأخلاق في الإسلام ليست أمرًا ثانويًا، بل هي حجر الزاوية في بناء الشخصية المسلمة والمجتمع المسلم.
