مكتشف الجاذبية الأرضية

مكتشف الجاذبية الأرضية:

تعتبر الجاذبية أحد أهم القوى الطبيعية التي تتحكم في حركة الأجرام السماوية وكل ما هو على سطح الأرض. وعلى الرغم من أن الإنسان كان على درايةٍ بوجود هذه القوة منذ العصور القديمة، فإن الفهم العلمي لها وشرحها لم يتحقق إلا في العصور الحديثة، بفضل العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن. وقد ساعدت أبحاثه على تفسير العديد من الظواهر الطبيعية التي كانت غير مفهومة سابقًا. لكن من المهم الإشارة إلى أن اكتشاف الجاذبية كان نتيجة لتراكم المعرفة من عدة حضارات، ولم يكن محصورًا فقط في نيوتن، بل شمل مساهمات العديد من العلماء والفلاسفة على مر العصور.

الجاذبية في العصور القديمة:

قبل أن يُنسب اكتشاف الجاذبية إلى نيوتن، كانت هناك محاولات لفهم هذه القوة. ففي العصور القديمة، اعتقد الفلاسفة مثل أرسطو أن الأجسام الساقطة تتحرك نحو الأرض بسبب “الطبيعة” التي تميل بها الأجسام الثقيلة للعودة إلى مكانها الطبيعي. هذا الفهم كان محدودًا جدًا، ولم يكن يعتمد على التجربة أو القياس العلمي.

أما في العصور الوسطى، فكان هناك فكر آخر يرى أن الجاذبية هي قوة غير مرئية تعمل على جذب الأجسام نحو الأرض، لكنها كانت تُعتبر قوة غامضة وغير مفسرة علميًا.

إسحاق نيوتن والجاذبية:

يعود الفضل في الفهم العلمي للجاذبية إلى إسحاق نيوتن، الذي عاش في الفترة من 1642 إلى 1727. نيوتن كان عالمًا إنجليزيًا في مجالات الرياضيات، الفلك، والفيزياء، ومن أبرز إسهاماته هو تفسيره لقوة الجاذبية بطريقة رياضية وعلمية.

قصة التفاحة:

القصة الشهيرة التي تربط بين نيوتن واكتشافه لقوة الجاذبية تشير إلى أن نيوتن كان جالسًا تحت شجرة تفاح عندما سقطت ثمرة التفاح على رأسه. وبالرغم من أن هذه القصة تُقال في الكثير من الأحيان بطريقة مبسطة، فإنها تُظهر اللحظة التي بدأ فيها نيوتن التفكير في كيفية تأثير الجاذبية على الأجسام الساقطة. كان نيوتن مهتمًا بمعرفة لماذا تسقط الأجسام نحو الأرض، وكيفية تفسير ذلك في سياق الحركة السماوية للأجرام السماوية.

القانون الأول والثاني للجاذبية:

من خلال تجاربه وملاحظاته، توصل نيوتن إلى أن كل جسمين في الكون يجذبان بعضهما البعض بقوة، وهذه القوة تعتمد على كتلة الجسمين وعلى المسافة بينهما. وهذه الفكرة شكلت أساسًا لقانون الجاذبية العام، الذي جاء فيه أن “كل جسم في الكون يجذب الأجسام الأخرى بقوة متناسبة مع حاصل ضرب كتلتي الجسمين، ومتناسبة عكسيًا مع مربع المسافة بينهما”.

وبذلك، وضع نيوتن قوانين الحركة الثلاثة الشهيرة، التي شملت تفسيرًا لكيفية تأثير الجاذبية على حركة الأجرام السماوية. كما أكد على أن نفس قوانين الجاذبية التي تؤثر على الأجسام على الأرض تنطبق أيضًا على الأجرام السماوية، مثل الكواكب والأقمار.

نظام الجاذبية:

نيوتن لم يكتفِ بتفسير حركة الأجسام على سطح الأرض فقط، بل أكمل عمله بتفسير كيفية حركة الكواكب في الفضاء. في كتابه الشهير “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية”، أو “المبادئ” (Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica) الذي نشره عام 1687، شرح نيوتن كيف أن الجاذبية هي القوة المسؤولة عن حركة الكواكب حول الشمس، وقدم لأول مرة تفسيرًا رياضيًا لحركة الأجرام السماوية بناءً على قوانين الجاذبية.

التحديات التي واجهها نيوتن:

على الرغم من الأثر الكبير الذي أحدثه اكتشاف نيوتن للجاذبية، إلا أن هذا الاكتشاف لم يكن خاليًا من التحديات. كان هناك معارضة لفكرة نيوتن من بعض العلماء والفلاسفة الذين كانوا يرون أن وجود قوة غير مرئية مثل الجاذبية يصعب تفسيره. كما أن فكرة أن الكواكب تتحرك في مدارات بيضاوية نتيجة لقوة الجاذبية كانت مثارًا للشكوك في البداية.

أهمية اكتشاف الجاذبية:

ساهم اكتشاف الجاذبية في فهم حركة الأجرام السماوية وحركة الأجسام على سطح الأرض. فقد مهدت أعمال نيوتن الطريق لفهم العديد من الظواهر الطبيعية التي كانت تبدو غامضة في السابق. على سبيل المثال، الفهم الصحيح لحركة الأجسام الساقطة ساعد في تطوير العديد من التطبيقات في العلوم والتكنولوجيا، مثل حسابات المسارات الفضائية، وتصميم السفن الفضائية، وأيضًا في فهم كيفية تأثير الجاذبية على الأجسام المختلفة على سطح الأرض.

نقد وتطوير نظرية الجاذبية:

في القرن التاسع عشر، لاحظ العلماء بعض الاختلافات بين التنبؤات التي قدمها نيوتن وبين الملاحظات الفعلية لبعض الظواهر. على سبيل المثال، اكتشف العلماء أن الكواكب لا تتحرك بدقة تامة في المدارات التي تنبأ بها نيوتن. لذا، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، جاء ألبرت أينشتاين بنظرية النسبية العامة التي قدمت تفسيرًا أعمق للجاذبية. وفقًا لأينشتاين، لا تعتبر الجاذبية مجرد قوة بين الأجسام، بل هي انحناء في الزمان والمكان نتيجة لوجود كتلة.

أينشتاين والجاذبية:

أينشتاين، الذي قدم نظرية النسبية العامة في عام 1915، نظر إلى الجاذبية بشكل مختلف تمامًا. حيث قال إن الأجسام الضخمة، مثل الشمس، تُحدث انحناء في نسيج الزمان والمكان حولها. وبالتالي، فإن الكواكب والأجرام السماوية الأخرى تتحرك في هذا الانحناء وليس نتيجة لقوة “مباشرة” كما كان يفترض نيوتن. وعلى الرغم من أن نظرية نيوتن لا تزال دقيقة في معظم الحالات اليومية، فإن نظرية أينشتاين تُعتبر أكثر دقة في حالات الجاذبية العالية مثل الثقوب السوداء.

التطورات الحديثة في فهم الجاذبية:

في العقود الأخيرة، تم تحقيق تقدم ملحوظ في فهم الجاذبية، خاصة في المجال الكوني، حيث سمحت التجارب مثل رصد موجات الجاذبية باستخدام أجهزة متطورة مثل مرصد “ليغو” (LIGO) بتأكيد بعض الجوانب التي تنبأت بها نظرية النسبية العامة. كما أن فهم الجاذبية لا يزال مستمرًا في العديد من المشاريع العلمية، مثل الأبحاث حول الجاذبية الكمومية ومحاولة فهم التفاعل بين الجاذبية والفيزياء الجزيئية.

خلاصة:

إذن، على الرغم من أن الجاذبية كانت تُعتبر ظاهرة طبيعية معروفة منذ العصور القديمة، فإن اكتشافها وتفسيرها العلمي لم يتم إلا بفضل إسحاق نيوتن. ورغم أن العديد من العلماء لاحقًا مثل ألبرت أينشتاين قد أضافوا تعديلات على نظرية الجاذبية، فإن اكتشاف نيوتن لا يزال حجر الزاوية في فهمنا الحديث للجاذبية.