بر الوالدين: واجب وطريق للجنة

بر الوالدين: فريضة دينية وقيمة إنسانية

يُعتبر بر الوالدين من أسمى وأعظم القيم التي حث عليها الإسلام، كما أنه يُعد من أبرز مظاهر الإنسانية التي تُعزز الروابط العائلية والمجتمعية. يولي الدين الإسلامي بر الوالدين مكانة عظيمة، حيث يُعد بر الوالدين طريقًا إلى رضا الله وسببًا في الفوز بالجنة. ليس ذلك فحسب، بل إن بر الوالدين يمثل أيضًا أساسًا لحياة طيبة وسعيدة للمجتمعات، حيث يُعزز روح التضامن والمحبة، ويُشعر الإنسان بالسلام الداخلي والطمأنينة. في هذا المقال، سنتناول معنى بر الوالدين في الإسلام، وكيفية تجسيده في حياتنا اليومية، وآثاره الروحية والاجتماعية، بالإضافة إلى بعض القصص التي تبرز هذا المفهوم النبيل.

1. تعريف بر الوالدين

البر في اللغة يعني الإحسان والتفاني في تقديم العون والمساعدة. أما في السياق الديني، فإن بر الوالدين يعني إظهار الحب والتقدير لوالدينا، وطاعتهما، والسعي لإرضائهما، وإظهار الحترام والاعتناء بهما في جميع مراحل حياتهما. يتجاوز بر الوالدين مجرد الالتزام بالأوامر والطلبات، بل يشمل أيضًا تقديم المعاملة الطيبة والرعاية الذاتية والنفسية لهما.

يشمل البر العديد من الأبعاد التي تتراوح بين المعاملة الحسنة، والعناية الصحية، والمساعدة المالية، والتواجد العاطفي. كما يتضمن أيضًا الاعتراف بالفضل الكبير الذي قدماه الوالدان خلال حياتهما، بدءًا من الرعاية حين كانا صغارًا، وصولًا إلى تعليمهما وتوجيههما طوال حياتهما.

2. بر الوالدين في القرآن الكريم

لقد ذكر الله سبحانه وتعالى بر الوالدين في القرآن الكريم في العديد من الآيات الكريمة، وأولها في قوله تعالى: “وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23). هذه الآية الكريمة تؤكد على أن الإحسان إلى الوالدين ليس مجرد طاعة، بل يصل إلى درجة عظيمة من الاحترام والتقدير.

كما ورد في قوله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۚ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ۗ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” (لقمان: 14)، حيث يُظهر الله سبحانه وتعالى كيف أن شكر الوالدين جزء من شكر الله نفسه.

وتعتبر هذه الآيات دليلاً قاطعًا على أهمية بر الوالدين في الإسلام، حيث إن الله جعل البر بهما أمرًا ملازمًا لعبادته وطاعته.

3. بر الوالدين في السنة النبوية

لقد أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بر الوالدين في العديد من الأحاديث الشريفة. في حديث روته السيدة عائشة رضي الله عنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” (رواه مسلم). هذه الكلمة تحمل تحذيرًا شديدًا لمن يهمل في بر والديه أو يتجاهل حقوقهما.

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنَّ من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، ويُؤَخر له في أجله، فليصل رحمه” (رواه البخاري). هذا الحديث يُظهر أن بر الوالدين والصلات العائلية تؤدي إلى زيادة في الرزق وطول العمر، مما يعكس تأثير البر على حياة الإنسان بشكل عام.

4. كيفية بر الوالدين

بر الوالدين يتطلب منا أفعالًا متعددة تمس جميع جوانب حياتنا. يبدأ البر بالكلمات الطيبة والمشجعة، حيث يجب على الأبناء أن يتعاملوا مع والديهم بلطف وود، دون أن يظهروا أي انزعاج أو ضجر عند تلقي الطلبات أو الملاحظات. في القرآن الكريم، ورد تحذير واضح من مجرد قول كلمة “أف” في وجه الوالدين، فكيف إذا كان التصرف جارحًا أو غير لائق؟

من الطرق التي يُمكن بها بر الوالدين:

1. الاستماع إليهما بعناية: يجب أن يكون الأبناء مستمعين جيدين لوالديهم، خاصة عندما يتحدثان عن تجاربهما الحياتية أو حين يحتاجان إلى النصيحة أو الدعم.

2. التواجد العاطفي والجسدي: الوجود بالقرب من الوالدين في الأوقات الصعبة والمحتاجة هو أحد ألوان البر العميقة. عندما يشعر الوالدان بالوحدة أو التقدم في السن، يصبح الوجود الجسدي في حياتهما لهما تأثير كبير على نفسيتهما.

3. الاحترام الكامل: يجب على الأبناء إظهار كامل الاحترام لوالديهم، خاصة في الأماكن العامة أو أمام الآخرين، حيث يعكس احترام الأبناء لوالديهم حبهم لهما ويُعزز العلاقة بين أفراد العائلة.

4. الرعاية المادية والمعنوية: في حال حاجتهم إلى الدعم المالي، يجب على الأبناء تلبية احتياجات الوالدين دون تأخير أو تردد. كذلك يجب عليهم مساعدتهم في الأعمال اليومية إذا كانوا في سن متقدمة.

5. الدعاء لهما: يعد الدعاء لوالدينا من أسمى ألوان البر، فقد ورد في الحديث الشريف: “اللهم اغفر لهما كما ربياني صغيرًا”، ويجب على الأبناء أن يدعوا لوالديهم بالخير والصلاح في كل وقت وحين.

5. آثار بر الوالدين في حياة الإنسان

بر الوالدين ليس مجرد فعل من أفعال البر والخير، بل هو يثمر الكثير من الفوائد الروحية والاجتماعية للفرد والمجتمع. في البداية، يُعد بر الوالدين سببًا من أسباب رضا الله، وبالتالي هو مفتاح للجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه” (رواه مسلم).

يُؤدي بر الوالدين أيضًا إلى تحسين العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع. عندما يتبع الأبناء نهج البر مع الوالدين، ينقلون هذه القيم إلى أبنائهم، مما يؤدي إلى بيئة أسرية مليئة بالحب والتقدير والاحترام.

أما على المستوى النفسي، فإن بر الوالدين يعزز شعور الفرد بالسلام الداخلي والطمأنينة. فعندما يرى الشخص نفسه يقدم لوالديه الحب والرعاية، يشعر بسلام داخلي لأنه يعرف أنه يؤدي واجبًا مهمًا في حياته.

6. قصص عن بر الوالدين

قصة عبدالله بن عمر:

كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مثالًا حيًا في بر الوالدين. فقد ورد أنه كان دائمًا ما يولي أمه اهتمامًا خاصًا، حتى في الأمور الصغيرة. حينما كانت والدته تحتاج إلى مساعدة أو زيارة، كان يترك كل شيء ويتوجه إليها فورًا. في إحدى المرات، كان في مكة وأمه كانت في المدينة، وعندما سمع أنها بحاجة إلى شيء، ترك مكة وركب الدابة ليزور والدته. وقد استمر في ذلك طوال حياتهم، مما جعله يُعتبر قدوة في البر والطاعة.

قصة عبدالله بن مسعود:

عبدالله بن مسعود، الصحابي الجليل، كان له موقف مشرف جدًا مع والدته. بعد إسلامه، كان يحرص على زيارة والدته وإظهار الحب والتقدير لها في كل وقت. وعندما جاءت لحظة وفاتها، قال في إحدى المرات: “اللهم اغفر لها، فقد كانت من أعظم من رعاني”.