بر الأم: واجب وحياة

أهمية بر الوالدين: إذا كانت أمك حية ترزق

البر بالوالدين من أسمى القيم الإنسانية التي حثنا عليها الدين الإسلامي وجميع الأديان السماوية. إنه فريضة تتعدى كونها مجرد التزام ديني، لتصبح سلوكًا حياة يومية تملؤها الرحمة والاحترام والتقدير. في هذا المقال، سنركز على الحديث عن بر الوالدين، وتحديدًا بر الأم، إذا كانت حية ترزق، ودورنا تجاهها في حياتنا اليومية.

1. بر الوالدين في الإسلام:

يعد بر الوالدين من أعظم الأعمال في الإسلام، حيث ذكر الله تعالى في كتابه العزيز في عدة آيات أهمية الإحسان إليهما، وأكد على أن هذا البر يتضمن جميع أشكال الرعاية والاعتناء بهما، خاصة الأم، فهي التي تحملت الكثير من الصعاب خلال فترة الحمل والولادة، وما بعدها من تربية ورعاية.

قال تعالى في سورة الإسراء:
“وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23).

وقد ورد في الحديث الشريف، عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
“رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه.” قيل: “من يا رسول الله؟” قال: “من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة”. (رواه مسلم).

2. دور الأم في حياتنا:

الأم هي مصدر الحياة والحنان، وهي التي تمنحنا الدعم اللازم في كل مراحل حياتنا. من اللحظة التي نولد فيها، تصبح هي الأساس الذي نبني عليه جميع تطلعاتنا وطموحاتنا. الأم هي من تعبت وسهرت من أجل راحتنا، وبذلت الغالي والنفيس لتوفير حياة كريمة لنا. عندما تكون الأم حية ترزق، فإننا أمام فرصة ثمينة لمبادلتها العطف والرحمة، والاعتراف بتضحياتها المستمرة.

3. كيف نبر بأمهاتنا إذا كن حية ترزق؟

أ. الاهتمام والرعاية اليومية:

البر بالأم لا يقتصر على المناسبات الخاصة، بل هو سلوك يومي يجب أن نتبعه في جميع الأوقات. إذا كانت أمك حية ترزق، فإن أولى أولوياتك هي تخصيص وقت لرؤيتها والتفاعل معها. حتى وإن كانت مشاغل الحياة كثيرة، يجب أن تجد دائمًا وقتًا للاطمئنان على صحتها، واحتياجاتها، وإظهار اهتمامك بها.

ب. التقدير والاحترام:

أظهر تقديرك لأمك بالكلمات الطيبة والتصرفات الحسنة. عاملها بلطف واهتمام، واجعل حديثك معها مملوءًا بالاحترام. لا ترفع صوتك عليها، وتجنب أي قول قد يزعجها أو يجرح مشاعرها. تذكر دائمًا ما فعلته من أجل تربيتك، وما بذلته من جهد.

ج. العطاء والمساعدة:

من طرق البر بالأم أيضًا مساعدتها في شؤونها اليومية. قد تحتاج الأم في مراحل عمرها المتقدمة إلى مساعدة في بعض الأمور البسيطة التي كانت تقوم بها سابقًا. سواء كان ذلك في ترتيب المنزل، أو مساعدتها في تناول الطعام، أو حتى في تقديم النصائح الطبية والعناية الصحية. تذكر أن مساعدتك لها في هذه الأوقات يعكس مدى تقديرك واهتمامك.

د. الاستماع إليها:

في بعض الأحيان، تحتاج الأمهات إلى من يستمع إليهن. قد تشعر الأم في بعض الأوقات بالوحدة أو الحزن، لذلك يجب أن تكون حاضرًا للاستماع إليها. يمكن أن تكون كلماتك المطمئنة والعبارات الداعمة لها كفيلة بإضفاء السعادة على قلبها.

هـ. الدعاء لها:

لا يوجد أبلغ من دعاء الابن لوالدته في حياتها. الدعاء لها في كل وقت من أوقات الصلاة هو أعظم هدية يمكن أن تقدمها. “اللهم اجعلها من أهل الجنة، وبارك في عمرها”، هو دعاء لا يقتصر على التضرع إلى الله، بل هو أيضًا إعلان امتنان وحب واعتراف بما قدمته.

4. البر بالأم في المراحل العمرية المختلفة:

أ. مرحلة الشباب:

في مرحلة الشباب، قد يكون لدى البعض تصورات خاطئة حول أن البر بالوالدين يعني فقط العطاء المادي. ولكن البر الحقيقي يبدأ عندما ندرك أن البر هو شعور داخلي يتجسد في الاهتمام والحب غير المشروط. في هذه المرحلة، على الشاب أو الفتاة أن يكون قدوة لأخواته أو إخوته في إظهار احترامهما للأم.

ب. مرحلة الكبر:

مع تقدم الأم في العمر، تصبح أكثر حاجة إلى الدعم النفسي والجسدي. قد تصبح الأم بحاجة إلى رعاية صحية مستمرة، وبالتالي فإن دور الأبناء يصبح أكبر. في هذه المرحلة، يجب أن يتجلى البر في العناية بصحتها وراحتها.

ج. بعد وفاتها:

حتى بعد وفاة الأم، يبقى البر بها من خلال الدعاء المستمر لها، والحفاظ على صلة رحمها، والإحسان إلى من كانوا أصدقاءها وأفراد عائلتها. إن الوفاء للأم بعد وفاتها يعتبر أيضًا من أسمى صور البر.

5. لماذا يعتبر البر بالأم ركيزة أساسية في حياتنا؟

البر بالأم ليس مجرد التزام ديني أو ثقافي، بل هو ما يبني شخصيتنا ويعزز صفاتنا الإنسانية. الأم هي أول من يقدم لنا الحب دون انتظار مقابل، وهي أول من يعلمنا معاني الحياة والتضحية. البر بالأم يعزز من تقديرنا للأشخاص الذين قدموا لنا الدعم والرعاية.

عندما نبر بأمنا، نحقق السلام الداخلي ونشعر بالراحة النفسية لأننا نعيش في انسجام مع قيمنا وأخلاقياتنا. بر الوالدين له تأثير إيجابي على المجتمع ككل، حيث يساهم في نشر ثقافة الاحترام والتعاون بين الأفراد.

خاتمة:

إذا كانت أمك حية ترزق، فأنت أمام فرصة ذهبية لتعبير عن حبك وامتنانك لها. إن بر الأم ليس مجرد واجب ديني، بل هو أسلوب حياة يجب أن يلازمنا في جميع مراحل حياتنا. تتجلى البركة والنجاح في الدنيا والآخرة حينما نكون مخلصين في رعاية أمهاتنا والاعتناء بهن. “من لا يشكر الناس، لا يشكر الله”، فإذا كنت محظوظًا بوجود أمك حية، فلا تضيع هذه الفرصة لتكون البر بها عنوانًا لحياتك.