بر الأم: أسمى صور الوفاء والإحسان
يعتبر بر الأم من أسمى القيم الإنسانية التي يتمتع بها الفرد في مختلف ثقافات العالم. هو نوع من الوفاء الذي يتجاوز حدود الكلمات، ويعبر عن أعمق معاني الحب والتقدير. إذا كان هناك شيء يربط الإنسان بحبل متين من الحب والعطاء، فهو ذلك الرابط الذي يجمعه بأمه. في هذا المقال، سنتناول مفهوم بر الأم، أهميته، آثاره، وسبل تعزيز هذه القيمة في المجتمع.
مفهوم بر الأم
بر الأم هو عبارة عن فعل الإحسان والمساعدة والاعتناء بها، ويعني العطف عليها، إظهار الاحترام لها، والاستماع إلى نصائحها وتوجيهاتها. يتجاوز البر مجرد الأداء الواجب تجاه الأم إلى التفاني في إسعادها وتحقيق رضاها، ويتطلب ذلك توافر عاطفة قوية تربط الابن أو الابنة بأمهم ويحثهم على إظهار الامتنان لها على كافة تضحياتها.
إن بر الأم ليس مقصوراً على مساعدتها المادية أو تلبية احتياجاتها اليومية فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل التعامل مع الأم بلطف ورعاية في كل الأوقات، وتقديم الدعم المعنوي والعاطفي الذي يساعدها على الشعور بالحب والاحترام في كل مرحلة من مراحل حياتها.
أهمية بر الأم في الإسلام
يُعتبر بر الأم من أهم الواجبات في الإسلام، حيث حث القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف على ضرورة احترام الأم والإحسان إليها. جاء في القرآن الكريم في سورة الإسراء: “وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23).
كما نجد في الحديث النبوي الشريف الذي رُوي عن عبد الله بن مسعود قال: “سَأَلتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّ الأعمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: إيمانٌ باللهِ ورسولِهِ، قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قالَ: جهادٌ في سَبيلِ اللَّهِ، قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قالَ: برٌّ بالوالِدَينِ”.
يتضح من خلال هذه النصوص الدينية أن بر الأم يتطلب من المسلم تفضيلها على سائر الناس، وأن الإحسان إليها لا يتوقف عند مرحلة معينة من عمرها بل يستمر طوال حياتها.
الآثار النفسية والاجتماعية لبر الأم
بر الأم له تأثير عميق على حياة الأفراد والمجتمع على حد سواء. على المستوى النفسي، يشعر الابن الذي يحرص على بر أمه بالسلام الداخلي والراحة النفسية، حيث إن القيام بواجباته تجاه أمه يساهم في تعزيز شعوره بالمسؤولية والواجب، كما يعزز لديه مشاعر التقدير والاحترام.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن بر الأم يساهم في بناء مجتمع صحي ومتلاحم، حيث أن الأفراد الذين يقدرون قيمة الأم ويروون عاطفتهم تجاهها هم أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين في مجتمعاتهم. ذلك أن بر الأم يعلم الفرد كيفية بناء علاقات صحية تستند إلى الاحترام المتبادل والمودة، وهي قيم أساسية لبناء مجتمع متماسك.
كيفية إظهار بر الأم
هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها للابن أو الابنة إظهار برهم بأمهاتهم، ومن أبرزها:
-
التواصل الدائم: من أهم صور البر هو التواصل المستمر مع الأم. هذا لا يقتصر فقط على الاتصال الهاتفي أو الزيارة، بل يمتد إلى إظهار الاهتمام بمشاعرها واحتياجاتها. حتى لو كانت الأم بعيدة جغرافياً، يمكن أن يكون التواصل الإلكتروني أو المكالمات الصوتية وسيلة رائعة لتقوية العلاقة.
-
الاستماع إليها بعناية: من أكثر الأمور التي تفرح الأم هو الاستماع لها بتفهم، خاصة عندما تشاركك همومها أو نصائحها. إظهار اهتمام حقيقي بما تقوله يعكس احترامك وتقديرك لها.
-
مساعدتها في أعمال المنزل: الإحسان إلى الأم لا يقتصر فقط على الكلمات، بل يجب أن يشمل الأعمال الملموسة مثل مساعدتها في الأعمال المنزلية، سواء كان ذلك في تحضير الطعام أو ترتيب المكان أو الاهتمام بمستلزماتها اليومية.
-
الاعتناء بصحتها: من أبرز طرق البر هو الاهتمام بصحة الأم، سواء كان ذلك من خلال أخذها للطبيب، متابعة حالتها الصحية، أو مساعدتها في الحفاظ على نمط حياة صحي.
-
تقديم هدايا رمزية: الهدايا التي تحمل معنى عاطفي، مثل الورد أو الأشياء التي تحبها الأم، يمكن أن تكون وسيلة رائعة لإظهار التقدير والمحبة.
-
الاعتذار في حال الخطأ: عندما يخطئ الابن أو الابنة في التعامل مع الأم، فإن الاعتذار الصادق والتعبير عن أسفهم يعتبر من أرقى صور البر. هذا يُظهر التواضع والاستعداد لتصحيح الخطأ.
بر الأم في مختلف المراحل العمرية
تختلف طرق بر الأم حسب العمر والتطورات التي يمر بها الفرد في حياته. في مرحلة الطفولة، يكون البر أساسًا في الطاعة والانصياع لأوامر الأم. أما في مرحلة الشباب، فإن البر يتطلب الموازنة بين الالتزام بالدراسة أو العمل وبين منح الأم الوقت والاهتمام. وفي مرحلة الكهولة، يكون البر من خلال توفير الرعاية والعناية في حالات المرض أو ضعف القدرة البدنية.
عندما تكبر الأم وتصبح في مرحلة الشيخوخة، يتطلب الأمر من الأبناء المزيد من الرعاية والاهتمام. إذ يمكن أن يحتاج الأبناء إلى أن يكونوا أكثر حماسة في تقديم الدعم المعنوي والمادي لها، مع أخذ الوقت الكافي للاستماع إليها وتعزيز مكانتها في الأسرة.
التحديات التي قد يواجهها الأبناء في بر الأم
رغم أن البر من أسمى القيم، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد يواجهها الأبناء في سعيهم لتحقيقه. أحد هذه التحديات هو مشاغل الحياة اليومية من عمل أو دراسات أو مسؤوليات أخرى قد تجعل من الصعب على الفرد تخصيص الوقت الكافي لأمه. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه بعض الأمهات صعوبة في قبول المساعدة أو العناية الزائدة من الأبناء بسبب شعورهن بالفقدان التدريجي لاستقلالهن.
في هذه الحالات، يتعين على الأبناء أن يتحلوا بالصبر والمرونة، وألا ييأسوا من محاولاتهم لإيجاد طرق ملائمة لإظهار برهم في ظل هذه التحديات.
خاتمة
بر الأم هو فعل من أسمى أنواع الحب والعرفان بالجميل، وهو استحقاقٌ قائمٌ في جميع الأديان والثقافات. إن إظهار البر ليس مجرد فرض أو واجب، بل هو تعبير عن محبة وامتنان لا يمكن أن يقتصر على الكلمات فقط، بل يجب أن يتجسد في الأفعال والتضحيات اليومية.
