ولدت إيدورا ويلتي في عام 1909 في جاكسون، ميسيسيبي، وتعد واحدة من أعظم الكاتبات في الأدب الأمريكي. في كتابها “بدايات كاتبة” الذي يعد جزءًا من محاضرات ويليام إي. ماسي في الدراسات الأمريكية، تأخذنا ويلتي في رحلة عبر حياتها، مستعرضةً بطريقة تأملية كيف ساهمت عائلتها وبيئتها في تشكيل شخصيتها وإبداعها الأدبي.
تسرد ويلتي سيرتها الذاتية في خيط مستمر من الوحي، حيث تُحضر ذكريات طفولتها إلى الحياة من خلال تفاصيل يومية وبسيطة لكنها مؤثرة. تتحدث عن الأصوات والأشياء التي كانت جزءًا من حياتها المنزلية، مثل الساعات التي تدق، جهاز الفونوغراف “فيكتولا”، وكتاب صغير بلا غلاف احتفظ به والدها اليتيم منذ طفولته. هذه التفاصيل، رغم أنها تبدو عادية، تحمل بين طياتها مشاعر عميقة وتعكس العلاقة الحميمة التي تربط ويلتي بماضيها.
في الكتاب، تبرز ويلتي بقوة الاستقلالية التي تمتعت بها والدتها، والتي شبهتها بالجبال الشامخة في المناطق الريفية بولاية فيرجينيا الغربية. تلك الجبال لم تكن مجرد تضاريس جغرافية بل أصبحت رمزًا لصمود والدتها وثباتها. أيضًا، تستذكر ويلتي أول كاميرا امتلكتها، التي علّمتها أن كل إحساس ينتظر لفتة ليتم تجسيده.
ورغم أن هذا العمل هو سيرتها الذاتية، إلا أن أسلوبها الأدبي الذي يشبه نثرها الروائي يضفي طابعًا فريدًا على الكتاب، مما يجعل من تجربتها الذاتية شبيهة بتجارب العديد من أبناء جيلها من الجنوبيين الذين أسهموا في النهضة الأدبية للجنوب الأمريكي. تعيد ويلتي من خلال كتابها خلق عالمٍ مضى، ولكنها تفعل ذلك بنفس الدقة والبصيرة التي تميز بها أعمالها الروائية.
يتميز الكتاب ليس فقط لأنه يروي قصة حياة كاتبة بارزة، بل لأنه يقدم وصفًا غنيًا للحياة في الجنوب الأمريكي، حيث تتداخل العلاقات بين البيض والسود، وبين الحضر والريف، وبين المعلمين المتفانين والجمهور الذي يخدمونه. تعتبر تجربة ويلتي تجربة مشتركة لكثير من أبناء الجنوب في جيلها، مما يعطي سيرتها الذاتية طابعًا عامًا يتجاوز حدود تجربتها الشخصية.
قبل نشر هذا الكتاب، كانت ويلتي تتجنب التحقيقات البيوغرافية، وربما لم يكن من السهل لها، كشخصية خجولة ومتحفظة، أن تخوض في كتابة سيرتها الذاتية. كان عليها أن تعيد إحياء ذكرياتها، سواء كانت مؤلمة أو سعيدة، وأن تستعرض رسائل وصور عائلتها. ولكن نحن مدينون لها بهذا الجهد، لأنها تقدم لنا تجربة غنية وممتعة لكل محبي الأدب وكل من يهتم بجذور الإبداع.
صدر كتاب “بدايات كاتبة” لأول مرة في يوليو 1984 عن دار نشر جامعة هارفارد، وأصبح متاحًا لاحقًا كقرص صوتي بصوت إيدورا ويلتي نفسها، مما يضيف بُعدًا آخر للتجربة، حيث يمكن للقراء سماع الكاتبة وهي تسرد قصتها بصوتها الخاص. يجمع الكتاب بين جمال اللغة وعمق التجربة الإنسانية، مما يجعله عملاً فريدًا يستحق القراءة والاحتفاء.
ختامًا، يعكس هذا الكتاب ليس فقط حياة إيدورا ويلتي، بل أيضًا حياة جيل كامل من الجنوبيين الأمريكيين، الذين عاشوا في فترة تحولات اجتماعية وثقافية عميقة. من خلال سردها العاطفي والصادق، تمكنت ويلتي من تقديم رؤية شاملة عن كيفية تأثير البيئة المحيطة والعلاقات العائلية في تشكيل إبداع الفرد. هذا العمل يظل مرجعًا قيمًا لفهم الجذور العميقة للإبداع الأدبي وكيفية تبلوره عبر تجارب الحياة اليومية.