لا تبدأ من الصفر؛ بل انطلق من المكان الذي توقف فيه الآخرون
يعتبر موضوع البدء من حيث توقف الآخرون من المواضيع التي تحظى باهتمام واسع في ميادين التنمية الشخصية وريادة الأعمال والابتكار. حيث يُشجع هذا المفهوم الأفراد على البناء على تجارب الآخرين بدلاً من إعادة اختراع العجلة. في هذا المقال، سنتناول هذا الموضوع من مختلف جوانبه، بداية من تعريفه، مرورًا بأسباب تبنيه، وصولًا إلى كيفية تطبيقه على أرض الواقع في الحياة الشخصية والمهنية. سنستعرض أيضًا تجارب لعدد من الشخصيات التي اعتمدت هذه الفكرة لتحقيق نجاحات ملموسة.
التعريف بمفهوم “لا تبدأ من الصفر؛ بل انطلق من المكان الذي توقف فيه الآخرون”
الحديث عن “البدء من حيث توقف الآخرون” هو دعوة للاستفادة من التجارب السابقة والمعرفة المتراكمة على مر العصور. وليس المقصود هنا أن يعتمد المرء فقط على أفكار الآخرين أو ينتظر حتى يحدد له الطريق بشكل كامل. بل المقصود هو استخدام الأسس التي تم وضعها بالفعل للاستفادة منها، مع إضافة لمساتك الشخصية الخاصة لتطوير الفكرة والانتقال بها إلى مستويات جديدة.
الفكرة الأساسية في هذا السياق هي أن إعادة اختراع الشيء نفسه باستمرار لا يتطلب دائمًا عبقرية إضافية أو تقدمًا حقيقيًا. في الكثير من الأحيان، يكون التطوير الحقيقي هو تكملة المسيرة وتوجيه الجهود نحو إكمال ما بدأه الآخرون. كلما اعتمدنا على أسس ثابتة، زادت فرصنا في تحقيق تقدم أسرع وأكثر فعالية.
أهمية تبني هذا الفكر
-
التوفير في الوقت والموارد:
الوقت هو من أثمن الموارد في حياة الإنسان، وابتكار شيء جديد من الصفر يتطلب وقتًا طويلًا وتكاليفًا عالية في الكثير من الحالات. بإمكانك أن تنطلق من حيث توقف الآخرون، فتبدأ في مرحلة أكثر تقدمًا وتعمل على تحسين المنتجات أو الأفكار الموجودة مسبقًا. هذا يوفر الوقت ويقلل من الهدر. -
استخدام المعرفة المتراكمة:
كل فكرة أو مشروع يمتلك قاعدة معرفية يمكن البناء عليها. هذه المعرفة ليست فقط عبارة عن معلومات نظرية، بل تشمل أيضًا الأخطاء التي وقع فيها الآخرون وكيفية تجنبها. لذلك، فإن البدء من حيث توقف الآخرون يتيح لك الاستفادة من تجارب الآخرين ويمنحك نقطة انطلاق أقوى. -
الإبداع والتجديد:
في حين قد يبدو أنك تبدأ من نقطة متقدمة، إلا أن ذلك لا يعني أنك لا تستطيع الإبداع. بل على العكس، يمكن لتلك الأسس أن تكون أرضية خصبة للأفكار المبتكرة. الإبداع لا يقتصر على الابتكار من العدم، بل يمكن أن يكون في تقديم حلول جديدة للتحديات القائمة أو تطوير أساليب موجودة. -
تحقيق النجاح بسرعة أكبر:
كثير من المشاريع التي يتم إطلاقها من نقطة الصفر تكون بحاجة إلى فترات طويلة لاختبار الأسواق وفهم حاجات المستهلكين أو الجمهور. لكن عند الانطلاق من حيث توقف الآخرون، يكون لديك القدرة على البناء على نجاحات سابقة، ما يمنحك فرصة لتحقيق النجاح بشكل أسرع وأكثر استدامة.
التحليل النفسي لتبني هذه الفكرة
من الناحية النفسية، يُعد هذا التفكير بمثابة تحرر من ضغط الحاجة إلى التفوق على الجميع أو تحقيق التميز الكامل. من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالضغط عند محاولة ابتكار شيء جديد بشكل كامل، خاصة إذا كان الهدف هو التفوق على الآخرين أو تسجيل إنجاز خاص. لكن البدء من حيث توقف الآخرون يعزز الشعور بالراحة والواقعية، حيث يكون هناك دائمًا طريق مرسوم يمكن أن تسير فيه بخطوات مدروسة.
علاوة على ذلك، يمكن أن يكون هذا التفكير محفزًا على التعاون الجماعي. بدلاً من محاربة الجميع لتحقيق التفوق الفردي، يمكن للأفراد أن يتعاونوا ويكملوا ما بدأه الآخرون، ما يعزز روح العمل الجماعي ويسهم في تعزيز القدرة على إنجاز المهام بشكل أكثر فاعلية.
تطبيق الفكرة في ريادة الأعمال
في عالم ريادة الأعمال، تعد هذه الفكرة من الركائز الأساسية للابتكار والنمو المستدام. العديد من الشركات الكبرى، مثل آبل، أمازون، وأوبر، بدأت على أساس أفكار موجودة مسبقًا أو تبنت نماذج عمل سبق وأن جربها آخرون.
على سبيل المثال، عندما أطلقت آبل جهاز الآيفون، لم تكن هي الشركة الوحيدة التي تعمل في مجال الهواتف المحمولة، بل كانت شركات مثل نوكيا وسامسونغ قد سبقتها بخطوات عدة. لكن آبل استطاعت أن تنطلق من حيث توقفت هذه الشركات، لتضيف لمساتها الخاصة من خلال تحسين واجهة المستخدم والتكامل بين الأجهزة. كان النجاح الذي حققته آبل بفضل قدرتها على البناء على الأسس التي وضعتها شركات أخرى دون الحاجة إلى إعادة اختراع التكنولوجيا الأساسية.
أما أمازون، فقد لم تبدأ من الصفر بل اعتمدت على مفهوم التجارة الإلكترونية الذي كان موجودًا بالفعل، ولكنها نجحت في تحسينه من خلال تبني الابتكار في مجال الخدمات اللوجستية وتطوير أنظمة الذكاء الصناعي لتوفير تجربة تسوق شخصية.
الاستفادة من الأخطاء والتحديات
من الجدير بالذكر أن البدء من حيث توقف الآخرون لا يعني تجنب التحديات أو الأخطاء. بالعكس، فإن الأخطاء التي وقعت فيها الشركات السابقة يمكن أن تكون دروسًا ثمينة. يمكن لأي رائد أعمال أن يستفيد من تلك الأخطاء لتجنب نفس المصاعب، وبالتالي يحقق تقدماً أسرع.
عندما نبحث في تاريخ الشركات الناشئة، نجد أن معظم الشركات التي نجحت لم تبدأ من الصفر، بل عملت على تحسين أسس وطرق كانت قد أُرسيت سابقًا، وتفادت الأخطاء التي أرتكبت في الماضي. هذا يعكس القوة الحقيقية للابتكار الذي يقوم على أسس قوية.
التطبيقات الشخصية لتبني هذه الفكرة
على مستوى الفرد، يمكن تطبيق هذه الفكرة على مجموعة متنوعة من الجوانب الحياتية، سواء في تطوير المهارات الشخصية أو في مجال التعليم. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يطمح إلى تعلم مهارة جديدة، بدلاً من البدء من الأساسيات واتباع نفس المسار الطويل الذي اتبعه الآخرون، يمكنه الاستفادة من تجارب أولئك الذين سبقوه، واختيار المنهج أو النظام التعليمي الذي أثبت نجاحه.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتم تطبيق الفكرة على مسار الحياة المهنية. في بعض الحالات، قد يجد الفرد نفسه في مجال جديد يتطلب تعلم مهارات لم يتقنها سابقًا. بدلاً من محاولة اكتشاف كل شيء من البداية، يمكنه الانطلاق من حيث وصل آخرون في نفس المجال، من خلال استكشاف مسارات تعلم مبتكرة أو محاكاة النجاحات التي حققها آخرون.
الختام
إن عدم البدء من الصفر والانطلاق من حيث توقف الآخرون هو من أبرز مبادئ النجاح في العصر الحديث. يساعد هذا المبدأ على اختصار الوقت والموارد، كما يعزز من القدرة على الإبداع وتحقيق التفوق. قد يبدو أن هذا التوجه يتعارض مع فكرة التفرد أو الابتكار من العدم، لكنه في الحقيقة يشجع على بناء أسس ثابتة للنمو الشخصي والمهني من خلال الاستفادة من التجارب والمعرفة المتراكمة. ولعل أبرز ما في هذا الفكر هو أن النجاح لا يتطلب دائمًا ابتداع حلول جديدة، بل يمكن أن يتمثل في تحسين ما هو موجود بالفعل.
