شروط المسح على الخفين

المسح على الخفين من الرخص الفقهية التي أباحها الإسلام لتسهيل حياة المسلمين، وهو من الأمور التي تناولتها كتب الفقه تفصيلاً، لما لها من ارتباط مباشر بطهارة المسلم وأداء العبادات بصورة صحيحة. وفي هذا المقال سنقوم بتفصيل شروط المسح على الخفين، مع بيان الحكم الشرعي، وأساس هذا الحكم، وأبرز التفاصيل والضوابط التي يجب معرفتها عند ممارسة هذه الرخصة، بحيث يكون المحتوى غنيًا ووافياً لمفهوم المسح على الخفين وفق المذاهب الفقهية الإسلامية المختلفة.

مفهوم المسح على الخفين وأصله الشرعي

المسح على الخفين هو إزالة النجاسة عن الجزء الذي يغطيه الخف بواسطة المسح عليه دون خلع الخف. الخف هو ما يلبس على القدم، ويختلف عن النعل الذي يغطي فقط أسفل القدم. وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين، وهو رخصة خاصة تسهل على المسلم، إذ إنه لا يضطر لخلع الخفين في كل مرة يحتاج إلى وضوء أو تطهر من الحدث الأصغر أو الأكبر.

أول دليل شرعي على جواز المسح على الخفين ما ورد في السنة النبوية من أحاديث كثيرة، منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في خرطومه ماءً ثم ليغسل به وجهه، ثم ليغسل يديه إلى المرفقين، ثم لينخل رأسه، ثم ليغسل رجليه إلى الكعبين، ثم ليَمْسَح على الخفين» (رواه البخاري ومسلم).

وهذا الحديث يدل على جواز المسح على الخفين في الوضوء، ويُقاس عليه المسح عند الغسل من الجنابة أو الحيض والنفاس في بعض المذاهب.

أهمية شروط المسح على الخفين

شروط المسح على الخفين مهمة لتحديد الحالات التي يجوز فيها المسح، ومدة بقائه على الخفين، وكذلك كيفية صحة المسح وضوابطه. واتباع هذه الشروط يضمن صحة العبادات المرتبطة بالطهارة، مثل الصلاة.

الشروط الأساسية للمسح على الخفين

1. طهارة الخفين عند اللبس

شرط أساسي لصحة المسح هو أن يكون الخف طاهراً عند لبسه، أي أن يكون على طهارة كاملة، فلا يُسمح بالمسح على خف نجس أو داخله نجاسة. فالطهارة هنا تعني عدم وجود نجاسة ظاهرة أو مستحقة على الخف أو داخله، لأن النجاسة تبطل الطهارة، ولا يمكن الرضا بها عند أداء العبادات.

2. لبس الخفين على طهارة

يجب أن يكون المسلم قد لبس الخفين على طهارة، بمعنى أنه توضأ أو غسل قدميه ثم لبس الخفين، لأن الرخصة تخص المسح على الخفين الذين لبسا على طهارة، وليس على خف لبس على غير طهارة أو على نجاسة.

3. أن يكون الخف يغطي ما يستحب مسحه

يجب أن يكون الخف يغطي الجزء الذي يستحب مسحه، وهو غالبًا الكعبين وما دونهما من القدمين، لأن المسح هو في الأصل على ما يغطيه الخف، ولا يجوز المسح على جزء لا يغطيه الخف.

4. أن لا يكون الخف رقيقاً جداً

جاء في بعض المذاهب أن المسح لا يجوز على الخفين الرقيقين جداً، مثل الجوارب الرقيقة التي لا تتحمل المسح أو لا تمنع وصول الماء إلى القدم، لأن المسح على ما يشبه الجوارب أو الرقيق غير جائز، والرخصة خاصة بالخفين الواقعيين.

5. مدة المسح المحددة شرعًا

المسح على الخفين لا يستمر إلى الأبد، بل هناك مدة محددة شرعاً يجوز فيها المسح من أول لبس الخفين. وتختلف المدة حسب حالة الشخص:

• للمقيم: يجوز المسح لمدة يوم وليلة (24 ساعة).

• للمسافر: يجوز المسح لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ (72 ساعة).

ويبدأ حساب هذه المدة من أول مرة يمسح فيها على الخفين بعد اللبس على طهارة.

6. أن لا يكون المسح في حال خروج الحدث الأكبر

المسح على الخفين متعلق بالحدث الأصغر كالوضوء، لكن إذا كان الحدث أكبر مثل الجنابة أو الحيض أو النفاس، فإن جواز المسح يختلف بين المذاهب، فمثلاً الحنابلة لا يجيزون المسح على الخفين في الغسل من الجنابة، بينما الشافعية والمالكية يجوز لهم المسح بشرط محدد.

7. أن يكون المسح بعد التيمم أو الوضوء الصحيح

يشترط أن يكون المسح بعد وضوء صحيح أو تيمم، فلا يصح المسح على خف من دون وضوء شرعي أو تيمم عند عدم وجود الماء، وإلا بطل الوضوء والمسح معاً.

8. أن يكون المسح يراعي السنن في الوضوء

المسح على الخفين يحل محل غسل القدمين في الوضوء، لذا يجب أن يكون المسح على القدمين والكعبين كاملاً وبطريقة صحيحة مع مراعاة السنن في الوضوء كترتيب الأعضاء ومسحها.

الفرق بين المسح على الخفين والجوربين

هناك فرق فقهي بين المسح على الخفين والجوارب الرقيقة. المسح على الخفين جائز، بينما المسح على الجوربين لا يجوز في أغلب المذاهب إلا إذا كانت الجوارب سميكة وتمنع وصول الماء، وذلك في حالة عدم القدرة على خلعها.

يجدر الإشارة أن بعض العلماء المعاصرين جازوا المسح على الجوارب الجلدية السميكة التي تُلبس على طهارة، على أساس أنها كالخف في المانع، لكن هذا من مسائل الاجتهاد وتحتوي على شروط صارمة.

ضوابط المسح على الخفين حسب المذاهب الأربعة

المذهب الحنفي

يرى الحنفية أن المسح على الخفين جائز بشرط أن يكون الخف مباح اللبس، طاهر، ولبس على طهارة. كما يشترط أن يبدأ حساب مدة المسح من أول مرة يمسح فيها بعد لبس الخفين. ويجوز المسح خلال 24 ساعة للمقيم، و72 ساعة للمسافر. أما المسح في الغسل من الجنابة، فلا يجيزه الحنفية.

المذهب المالكي

يجوز المالكية المسح على الخفين أيضاً ضمن الشروط، ويشترط الطهارة، ولبس الخفين على طهارة، كما أجازوا المسح في الغسل من الجنابة بشرط لبس الخفين على طهارة، والمدة نفسها (24 ساعة للمقيم، 72 ساعة للمسافر).

المذهب الشافعي

الشافعية أجازوا المسح على الخفين مع الشروط المعروفة، ويجيزون المسح في الغسل من الجنابة أيضاً، بشرط أن يكون الخف طاهراً ولبس على طهارة، والمدة أيضاً هي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر.

المذهب الحنبلي

يرى الحنابلة جواز المسح على الخفين في الوضوء بشرط الطهارة ولبس الخف على طهارة، لكنه لا يجيز المسح في الغسل من الجنابة، ولا يسمح بمسح الجوربين الرقيقين، مع الاتفاق على المدد الشرعية للمدة.

أحكام عامة وملاحظات على المسح

• المسح على الخفين بديل عن غسل القدمين في الوضوء، ولا يكون المسح زيادة عن الغسل.

• المسح يجب أن يكون باليد المبلولة فقط، ويشمل مسح ظهر القدم والكعب، ويستحب أن يمر على الخف برفق، مع إحساس بالمسح.

• يجب تجديد الوضوء أو الغسل إذا خلع المسلم الخفين، لأن الرخصة تخص المسح على الخفين بدون خلع.

• عند خروج الحدث الأكبر (الجنابة، الحيض، النفاس) يجب الغسل الكامل، مع مراعاة المذهب الذي يجيز المسح أو لا.

• يجب الانتباه إلى أن المسح لا يشمل الخف الممزق أو الذي خرجت نجاسة منه، لأن ذلك يبطل الرخصة.

الجدول التالي يوضح شروط وأحكام المسح على الخفين في المذاهب الأربعة:

الخلاصة العلمية حول شروط المسح على الخفين

المسح على الخفين رخصة شرعية واضحة النطاق والحدود، تتطلب توفر شروط محددة لكي تكون صحيحة ومقبولة شرعاً. أهم هذه الشروط هو الطهارة عند اللبس، لبس الخفين على طهارة، ومدة المسح الشرعية المحددة. كما أن المذاهب الفقهية تتفق على هذه الشروط مع بعض الفروقات التفصيلية، خصوصاً فيما يتعلق بالمسح في الغسل من الجنابة ومدى جواز المسح على الجوارب.

إن فهم هذه الشروط والالتزام بها يُسهل على المسلم أداء عباداته بالطريقة الصحيحة، مستفيداً من هذه الرخصة النبوية التي تحقق المصلحة وتخفف المشقة مع المحافظة على الطهارة والعبادة في أفضل صورها.

المصادر والمراجع

• الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي.

• مجموع فتاوى ابن باز، محمد بن عبد العزيز آل الشيخ.