ترقق العظام: الأسباب والوقاية

ترقق العظام (Osteoporosis): المرض الصامت دون سابق إنذار

ترقق العظام، أو ما يعرف علمياً بـ “Osteoporosis”، هو حالة مرضية تتمثل في انخفاض كثافة العظام وقوتها، مما يجعلها أكثر عرضة للكسور. يعتبر هذا المرض من الأمراض الصامتة التي تتطور ببطء على مدى سنوات طويلة دون أن تظهر أعراض واضحة في المراحل المبكرة. وغالباً ما يكتشف المرض عند حدوث كسر غير متوقع، وهو ما يفسر تسميته “المرض الصامت”. على الرغم من أن ترقق العظام قد لا يسبب أعراضًا مؤلمة مباشرة في بدايته، فإن تأثيراته طويلة المدى قد تكون خطيرة للغاية إذا لم يتم التعامل معها بشكل مناسب. في هذا المقال، سنتناول مختلف جوانب مرض ترقق العظام، بما في ذلك أسباب حدوثه، عوامل الخطر، الوقاية والعلاج.

أسباب ترقق العظام

ترقق العظام يحدث نتيجة لانخفاض مستمر في كثافة العظام، حيث يتفوق تكسير العظم على بناءه. العظام نفسها عبارة عن هيكل ديناميكي حيث يحدث تدمير وبناء مستمرين، لكن مع تقدم العمر أو بسبب عوامل معينة، يمكن أن يحدث خلل في هذه العملية. من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى ترقق العظام:

1. نقص الكالسيوم وفيتامين د: الكالسيوم هو العنصر الأساسي في بناء العظام، وبدونه تصبح العظام ضعيفة وهشة. فيتامين د، من جهته، يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم بشكل أكثر فعالية. نقص هذين العنصرين يمكن أن يؤدي بشكل كبير إلى انخفاض كثافة العظام.

2. التغيرات الهرمونية: التغيرات في مستويات الهرمونات تلعب دورًا مهمًا في حدوث ترقق العظام. على سبيل المثال، عند النساء بعد انقطاع الطمث، ينخفض مستوى هرمون الإستروجين الذي له دور كبير في الحفاظ على صحة العظام. بينما في الرجال، يمكن أن يؤدي انخفاض هرمون التستوستيرون إلى مشاكل مشابهة.

3. العوامل الوراثية: هناك مكونات وراثية تساهم في زيادة احتمالية الإصابة بترقق العظام. الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من المرض يكونون أكثر عرضة للإصابة به.

4. التغذية السيئة: تناول غذاء فقير بالمعادن الأساسية مثل الكالسيوم، المغنيسيوم، والفيتامينات مثل فيتامين د، يمكن أن يضعف العظام مع مرور الوقت. كما أن الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالأملاح والصوديوم قد يزيد من خسارة الكالسيوم من الجسم.

5. قلة النشاط البدني: ممارسة الرياضة، خاصة تمارين تحمل الوزن مثل المشي والجري، تساعد على تقوية العظام وتحفيز نموها. قلة الحركة أو الخمول البدني يؤدي إلى ضعف العظام على مر السنين.

6. الأدوية وبعض الأمراض المزمنة: تناول أدوية معينة مثل الكورتيكوستيرويدات لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى تقليل كثافة العظام. كما أن الأمراض المزمنة مثل السكري من النوع 1 وأمراض الغدة الدرقية قد تؤدي إلى ضعف العظام أيضًا.

أعراض ترقق العظام

في المراحل المبكرة من المرض، لا تظهر أي أعراض واضحة، مما يجعل من الصعب تشخيصه حتى تتدهور الحالة. مع تقدم المرض، قد تظهر بعض الأعراض التي تشمل:

• كسور عظمية غير مبررة: وهي من أبرز أعراض ترقق العظام. قد تحدث الكسور حتى نتيجة للسقوط البسيط أو الحركات اليومية المعتادة.

• ألم في الظهر: قد يعاني الأشخاص المصابون بترقق العظام من آلام مزمنة في الظهر، والتي قد تكون نتيجة لانهيار الفقرات.

• قصر القامة: مع مرور الوقت، قد يعاني المصابون من قصر في القامة نتيجة لتدهور الفقرات بسبب الكسر.

• انحناء في الظهر: قد يظهر شكل الجسم منحنيًا إلى الأمام، خاصةً في الأشخاص الذين يعانون من كسور في العمود الفقري بسبب ضعف العظام.

تشخيص ترقق العظام

يتم تشخيص ترقق العظام عادة من خلال الفحص الطبي، والفحوصات المعملية، واستخدام تقنيات تصوير متقدمة مثل:

1. قياس كثافة العظام (DEXA scan): يعد هذا الفحص من أكثر الطرق دقة لتحديد كثافة العظام. من خلال هذا الفحص، يتم تحديد مدى فقدان العظام، وهو يساعد الأطباء على تشخيص المرض في مراحله المبكرة.

2. الفحص السريري والتاريخ الطبي: يقوم الطبيب بجمع معلومات عن التاريخ الصحي، العادات الغذائية، مستوى النشاط البدني، والأدوية التي يتناولها الشخص.

3. التحاليل المخبرية: يمكن أن تساعد بعض الاختبارات المخبرية في تحديد مستويات الكالسيوم والفيتامينات الأخرى في الدم، والتي تساعد في تشخيص المرض.

عوامل الخطر المؤدية لترقق العظام

تتعدد العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بترقق العظام. من هذه العوامل:

1. العمر: مع تقدم السن، يزداد خطر الإصابة بترقق العظام، خصوصاً لدى النساء بعد انقطاع الطمث.

2. الجنس: النساء أكثر عرضة للإصابة بترقق العظام مقارنة بالرجال، وذلك بسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث بعد انقطاع الطمث.

3. العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي من الإصابة بترقق العظام يزيد من احتمالية الإصابة به.

4. العرق: هناك اختلافات عرقية في الإصابة بالمرض، حيث يعاني الأشخاص من أصل أوروبي أو أسيوي من زيادة في معدل الإصابة.

5. نمط الحياة: التدخين، تناول الكحول، ونقص النشاط البدني تعد من العوامل التي تساهم في الإصابة بترقق العظام.

الوقاية والعلاج

الوقاية من ترقق العظام تبدأ من الشباب، حيث يمكن تقوية العظام والحفاظ على صحتها عبر عدة طرق. أهم إجراءات الوقاية والعلاج تشمل:

1. الاهتمام بالتغذية: من الضروري تناول كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين د، وهي عناصر أساسية لصحة العظام. الأطعمة مثل الحليب، الجبن، الزبادي، السمك، والخضروات الورقية من أبرز المصادر الطبيعية.

2. ممارسة الرياضة: النشاط البدني المنتظم يعد من أفضل الطرق للحفاظ على صحة العظام. من الأنشطة المفيدة تمارين حمل الوزن مثل المشي، الجري، صعود السلالم، ورفع الأثقال.

3. الأدوية: في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بأدوية تساعد في تقوية العظام مثل البايفوسفونيتات (bisphosphonates) أو الهرمونات البديلة لعلاج انخفاض مستويات الإستروجين.

4. التوقف عن التدخين وتجنب الكحول: التدخين واستهلاك الكحول يساهمان في تدهور صحة العظام. التوقف عن التدخين وتقليل شرب الكحول يمكن أن يساهم في الوقاية.

5. الوقاية من الكسور: من المهم استخدام وسائل الأمان في المنزل، مثل تركيب درابزين للحد من خطر السقوط، وارتداء حذاء مناسب للحد من الانزلاق.

الخلاصة

ترقق العظام هو مرض صامت ولكنه خطير، يؤثر على حياة الملايين من الأشخاص حول العالم. على الرغم من أنه قد لا يظهر أعراضًا في المراحل المبكرة، فإن تبني أسلوب حياة صحي، مع الاهتمام بالتغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم، يعد خطوة حاسمة في الوقاية من هذا المرض. علاج ترقق العظام يتطلب مزيجًا من العناية الذاتية والرعاية الطبية المتخصصة. إذا تم اكتشاف المرض في وقت مبكر، يمكن للمرضى أن يتجنبوا الكسور المزعجة ويعيشوا حياة أكثر صحة.