الواقع المتغير في عصر ما بعد الحداثة: استكشافات والتر ترويت أندرسون في الواقع ليس كما كان

في عمله المتميز “الواقع ليس كما كان: السياسة المسرحية، الدين جاهز للارتداء، الأساطير العالمية، الأناقة البدائية، وغيرها من عجائب العالم ما بعد الحداثي”، يفتح والتر ترويت أندرسون نافذة واسعة على مفاهيم الواقع في سياق ما بعد الحداثة، وهو يشرع في استكشاف متعدد الأبعاد لكيفية تأثر وتشكل الواقع في مختلف الحقول من السياسة والثقافة الشعبية إلى الدين والنقد الأدبي والفن والفلسفة.

يُعد هذا الكتاب، الذي نشرته دار HarperOne في فبراير من عام 1992، موردًا ثريًا للمهتمين بفهم التحولات العميقة في النسق الثقافي والاجتماعي التي تميز عصر ما بعد الحداثة. يعرض أندرسون رؤيته للعالم حيث أصبحت الحدود التقليدية بين الأنواع الأدبية والفنية، وحتى الثقافية، مموهة، ما يدفع بالمتلقي إلى إعادة النظر في مفاهيم الهوية والحقيقة والواقع.

السياسة المسرحية

يبدأ أندرسون بتحليل السياسة في عصر ما بعد الحداثة، حيث يعتبرها مسرحية تُعرض أمام الجماهير. يعتمد في تحليله على كيفية استخدام الرموز والأداءات السياسية في صياغة الواقع السياسي، مشيرًا إلى أن السياسة باتت تُدار كعرض يهدف إلى الجذب والتأثير في الجمهور بدلاً من مجرد السعي وراء تحقيق الأهداف العملية.

الدين جاهز للارتداء

في فصل آخر، يناقش أندرسون الدين في إطار ما بعد الحداثة، حيث يظهر كمنتج استهلاكي يمكن اختياره وارتداؤه وفقًا للمزاج الشخصي والحاجة اللحظية. يستشهد بأمثلة على كيفية تحول الدين من نظام معتقدي متجذر إلى عنصر قابل للتبديل والتعديل بما يتوافق مع الرغبات الفردية والظروف الاجتماعية المتغيرة.

الأساطير العالمية

يعرض أندرسون كيف أن الأساطير لم تعد مجرد قصص تروى، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الوعي العالمي المعاصر، مُستدعاة ومُعاد تشكيلها في سياقات جديدة لتفسير العالم المعاصر. يعالج الكتاب كيفية استخدام هذه الأساطير في السياسة والإعلام والتجارة، مما يؤدي إلى تشكيل الهويات والقيم على نطاق واسع.

الأناقة البدائية

يستكشف أندرسون أيضًا الاهتمام المتزايد بالثقافات البدائية والتقليدية في عالم ما بعد الحداثي، حيث يعتبرها رد فعل ضد الحداثة وتجلياتها. يبحث في كيفية تقديس البدائية واستخدامها كمصدر إلهام في الموضة، الفن، والثقافة الشعبية، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يعكس رغبة عميقة في العودة إلى الجذور والبحث عن أصالة في عالم يزداد تعقيدًا وتجريدًا.

مواجهة التحديات النظرية

لا يقتصر الكتاب على البحث في التحولات الاجتماعية والثقافية فحسب، بل يتعمق أندرسون أيضًا في النظريات الفلسفية والنقدية التي تدعم هذه التحولات، مثل البنيوية وما بعد البنيوية والتفكيكية. يقدم شرحًا موجزًا له