الهيليوم: خصائص واستخدامات

الغازات النبيلة: عنصر الهيليوم

الغازات النبيلة هي مجموعة من العناصر الكيميائية التي تتميز بخواص فريدة تجعلها تختلف عن باقي العناصر في الجدول الدوري. يتم تصنيفها ضمن المجموعة 18 في الجدول الدوري، وهي تشمل الهيليوم، النيون، الأرجون، الكريبتون، الزينون، والرادون. تتمتع هذه العناصر بخصائص فريدة نتيجة استقرارها الكيميائي، حيث أن طبقاتها الإلكترونية الخارجية تكون مكتملة، مما يجعلها غير مائلة لتكوين الروابط الكيميائية مع العناصر الأخرى.

من بين الغازات النبيلة، يعد الهيليوم واحداً من أكثر العناصر إثارة للاهتمام في العديد من التطبيقات العلمية والتكنولوجية. وعلى الرغم من كونه الغاز الثاني في الجدول الدوري بعد الهيدروجين، إلا أن له خصائص متميزة جعلت منه عنصراً محورياً في العديد من الأبحاث والاستخدامات اليومية. في هذا المقال، سنتناول الهيليوم من مختلف جوانبه، بدءاً من اكتشافه وخصائصه، وصولاً إلى استخداماته الحديثة.

اكتشاف الهيليوم وتاريخ استخدامه

تم اكتشاف الهيليوم في عام 1868، وذلك بواسطة الفلكي الفرنسي بيير جانسن، الذي رصد خطوط امتصاص غير معروفة في طيف الشمس أثناء حدوث كسوف شمسي. هذه الخطوط كانت في الواقع تمثل امتصاص الهيليوم، الذي لم يكن قد تم التعرف عليه في الأرض بعد. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ملاحظة الهيليوم في الفضاء، ومن هنا جاء اسم الهيليوم من الكلمة اليونانية “هيليوس” التي تعني الشمس.

لم يتم اكتشاف الهيليوم على الأرض إلا في عام 1895 على يد الكيميائي السير وليام رامزي، الذي اكتشفه أثناء دراسته لمركبات اليورانيوم. ومنذ ذلك الحين، بدأ الهيليوم في أخذ مكانه كأحد العناصر النادرة على كوكب الأرض، وقد تم الاستفادة منه في العديد من التطبيقات.

خصائص الهيليوم

الهيليوم هو غاز خفيف جداً وغير قابل للاشتعال، وهو العنصر الأكثر وفرة في الكون بعد الهيدروجين. يمتلك الهيليوم العديد من الخصائص الفيزيائية والكيميائية التي تجعله مميزاً بين العناصر الأخرى:

1. الخصائص الفيزيائية:

   • الهيليوم هو الغاز الأقل كثافة على الإطلاق، حيث أن كثافته أقل من الهواء.

   • درجة غليانه منخفضة للغاية، حيث يغلي عند -268.93 درجة مئوية (4.22 كلفن)، مما يجعله سائلًا عند درجات حرارة منخفضة جداً.

   • لا يمتلك الهيليوم اللون أو الطعم أو الرائحة، مما يجعله غير مرئي أو ملحوظ في الظروف الطبيعية.

   • الهيليوم في حالته السائلة يمتلك خصائص مغناطيسية غير تقليدية، مثل كونه مائعاً فوق سائل فائق عند درجات حرارة منخفضة جداً.

2. الخصائص الكيميائية:

   • الهيليوم غاز نبيل، ويتميز بمقاومته الكبيرة للتفاعل الكيميائي. هذا يعود إلى استقرار غلافه الإلكتروني المكتمل، حيث لا يحتاج الهيليوم إلى التفاعل مع أي عناصر أخرى لتحقيق الاستقرار.

   • هيليوم لا يتفاعل بسهولة مع المركبات الأخرى ويعتبر غير نشط كيميائياً.

3. الخصائص الكهربائية:

   • الهيليوم يعتبر عازلاً كهربائيًا ممتازًا، وهو يستخدم في العديد من التطبيقات التي تتطلب توفير بيئة خالية من الكهرباء الساكنة.

استخدامات الهيليوم

الهيليوم، على الرغم من كونه غازًا نادرًا، إلا أنه يتمتع بمجموعة واسعة من التطبيقات العملية التي تجعله عنصرًا حيويًا في العديد من الصناعات. فيما يلي بعض الاستخدامات الأكثر شيوعًا لهذا الغاز النبيل:

1. استخدامات الهيليوم في الفضاء والطب:

   • يعتبر الهيليوم ضروريًا في العديد من التطبيقات الفضائية، حيث يستخدم في تعبئة البالونات والأنابيب التي تحمل المعدات في المركبات الفضائية. كما يستخدم في محركات الدفع والعديد من الأنظمة الأخرى.

   • في الطب، يستخدم الهيليوم في إجراء الفحوصات باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي (MRI)، حيث يساعد في تبريد المغناطيسات داخل الجهاز. كما يستخدم في التنفس في حالات الطوارئ، حيث يمكن استنشاقه لتحسين القدرة على التنفس في الحالات التي تتطلب التخفيف من ضغط الهواء.

2. التطبيقات الصناعية:

   • يستخدم الهيليوم في صناعة الأبحاث النووية، حيث يساهم في تبريد المفاعلات النووية وإجراء التجارب المعملية في درجات حرارة منخفضة للغاية.

   • يستخدم الهيليوم أيضًا في عملية اللحام، حيث يوفر بيئة خالية من التفاعلات الكيميائية الضارة أثناء اللحام باستخدام الأرجون.

3. الهيليوم في علم الفضاء:

   • أحد الاستخدامات الأبرز للهيليوم هو في التطبيقات الفضائية. يستخدم الهيليوم لتبريد التلسكوبات وأجهزة الاستشعار الفضائية التي تعمل عند درجات حرارة منخفضة. كما يستخدم الهيليوم لتبريد الأجزاء الحيوية في المحركات الصاروخية والأنظمة الأخرى في الفضاء.

4. الهيليوم في أبحاث المواد:

   • يتم استخدام الهيليوم في أبحاث المواد المتقدمة، مثل المواد فوق المتطورة والمركبات المغناطيسية الفائقة، وذلك بفضل قدرته على تحقيق درجات حرارة منخفضة للغاية.

5. استخدامات الهيليوم في الحياة اليومية:

   • قد يكون أكثر استخدام معروف للهيليوم هو في صناعة البالونات. نظرًا لأن الهيليوم أخف من الهواء، فإن البالونات التي تحتوي على الهيليوم تطفو في الجو. وهذه الاستخدامات شائعة في الحفلات والمناسبات.

6. البحث العلمي المتقدم:

   • في علم الفيزياء، يستخدم الهيليوم السائل لتبريد الأجهزة التي تتطلب درجات حرارة منخفضة للغاية، مثل تلك المستخدمة في دراسة الخواص المغناطيسية والإلكترونية للمواد في حالة فيزيائية قريبة من الصفر المطلق.

مشاكل النقص في الهيليوم

رغم أن الهيليوم يعتبر ثاني أكثر العناصر وفرة في الكون، إلا أنه يعد نادرًا على الأرض. ويعود سبب ذلك إلى حقيقة أن الهيليوم لا يتفاعل مع البيئة بشكل كبير وبالتالي لا يمكن إعادة تدويره بسهولة. يتم استخراج الهيليوم في الغالب من الغاز الطبيعي، لكن احتياطيات الهيليوم في الأرض تضاءل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مما يثير قلقًا بشأن توفره في المستقبل.

يعد انخفاض مستوى الهيليوم في الطبيعة من أكبر التحديات التي تواجه الصناعات المختلفة التي تعتمد على هذا الغاز. في الواقع، فرضت بعض الدول ضوابط على تصدير الهيليوم لضمان احتفاظها بكميات كافية للاستخدام المحلي. ومع تزايد الطلب على الهيليوم في المجالات العلمية والتكنولوجية، تتزايد المخاوف من النقص في هذه المادة الحيوية.

أهمية الهيليوم في الأبحاث المستقبلية

من المتوقع أن يكون للهيليوم دور محوري في الأبحاث المستقبلية، خاصة في مجالات مثل الحوسبة الكمومية والبحوث المتعلقة بالمغناطيسية الفائقة. ستساهم قدرات الهيليوم على التبريد بشكل كبير في تقدم العديد من التقنيات التي ستغير شكل العديد من الصناعات.

في النهاية، يعد الهيليوم عنصراً استثنائياً له تاريخ طويل في استخداماته وتطبيقاته المتنوعة. وعلى الرغم من تحديات النقص في موارده، لا يزال الهيليوم يحتفظ بأهمية بالغة في العالم المعاصر، ويستمر في إحداث تأثيرات عميقة في العديد من المجالات العلمية والصناعية.