الهيدروكسي كلوروكوين وعلاج كوفيد-19

الهيدروكسي كلوروكوين والكلوروكوين لعلاج كوفيد-19: دراسة مفصلة

مقدمة

منذ بداية جائحة كوفيد-19، تم تسليط الضوء على العديد من العلاجات التي كانت في البداية محل جدل واسع، وكان الهيدروكسي كلوروكوين والكلوروكوين من أبرز الأدوية التي تم التفكير في استخدامها ضد فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2). على الرغم من أن هذه الأدوية كانت تُستخدم لعلاج أمراض أخرى مثل الملاريا والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي، إلا أن السؤال حول فعاليتها في علاج كوفيد-19 أثار العديد من النقاشات في الأوساط الطبية والعلمية.

التعريف بالأدوية

الكلوروكوين

الكلوروكوين هو دواء مضاد للطفيليات كان يستخدم بشكل رئيسي لعلاج الملاريا. كما يُستخدم في بعض الحالات لعلاج الأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي. يعمل الكلوروكوين عن طريق منع تكاثر الطفيليات في الجسم ومنعها من النمو والتكاثر.

الهيدروكسي كلوروكوين

الهيدروكسي كلوروكوين هو شكل مشتق من الكلوروكوين، ويُعتبر أكثر أمانًا بالنسبة للعديد من المرضى نظرًا لتقليل تأثيراته الجانبية السامة، خاصة تلك المتعلقة بالقلب. يستخدم أيضًا لعلاج الملاريا والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي. يُعتقد أن الهيدروكسي كلوروكوين يمتلك تأثيرات مشابهة لتلك التي يمتلكها الكلوروكوين من حيث تأثيره على الخلايا.

بداية الاهتمام بكلا الدواءين في علاج كوفيد-19

عندما اجتاح فيروس كورونا المستجد العالم في أواخر عام 2019، بحث العلماء والطواقم الطبية بشكل عاجل عن أدوية يمكن أن تساعد في التخفيف من أعراض المرض أو الحد من انتشاره. وفي بداية الجائحة، كان الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين من الأدوية التي كانت تثير الاهتمام نظرًا لآلية عملها ضد الفيروسات في المختبرات.

الأساس الذي استند إليه العلماء في البداية كان أن هذه الأدوية تستطيع تثبيط الفيروس عن طريق التدخل في آلية دخوله إلى الخلايا البشرية. من خلال منع الفيروس من الالتصاق بالخلايا، كان يُعتقد أن الهيدروكسي كلوروكوين قد يكون أداة فعالة في مكافحة الفيروس.

الدراسات الأولية والمراجعات

دراسة مختبرية وأدلة مبكرة

في بداية الجائحة، أجريت عدة دراسات مخبرية على الهيدروكسي كلوروكوين والكلوروكوين. أظهرت بعض الدراسات أن كلا الدواءين يمكن أن يحدا من تكاثر الفيروس في الخلايا المختبرية، وهو ما دفع بعض الخبراء إلى التفاؤل بأنهما سيكونان علاجًا فعالًا.

أحد الدراسات المبكرة التي أجريت في فرنسا بواسطة البروفيسور ديدييه راؤول في مارس 2020، أظهرت أن الهيدروكسي كلوروكوين كان فعالًا في تقليل مستويات الفيروس لدى المرضى المصابين بكوفيد-19. وقد ارتفعت الآمال في أنه يمكن أن يكون أداة فعالة للتعامل مع الجائحة.

ردود فعل المجتمع الطبي

على الرغم من الدراسات الأولية المشجعة، كان المجتمع الطبي حذرًا في تفسير هذه النتائج. فقد كان هناك نقص في الأدلة العلمية القوية التي تدعم استخدام هذه الأدوية على نطاق واسع في علاج كوفيد-19. كانت هناك تحذيرات بشأن الآثار الجانبية المحتملة لهذه الأدوية، خاصة إذا تم استخدامها بشكل عشوائي دون إشراف طبي دقيق. من بين هذه الآثار الجانبية كان التسمم القلبي، حيث يمكن أن تؤدي الكميات العالية من الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين إلى اضطرابات في ضربات القلب.

التجارب السريرية والتوصيات الرسمية

التجارب السريرية في البداية

تم إجراء العديد من التجارب السريرية التي حاولت تقييم فعالية هذه الأدوية في علاج كوفيد-19. واحدة من التجارب البارزة كانت دراسة “Recovery” التي أجريت في المملكة المتحدة. على الرغم من أن الدراسة أظهرت أن الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين لم يقدما أي فائدة في علاج كوفيد-19، إلا أن البيانات كانت مهمة لأنها سعت إلى تقديم إجابات علمية بناءً على تجارب واسعة النطاق.

تجربة أخرى هي “Solidarity” التي أجراها منظمة الصحة العالمية، حيث تم فحص تأثير الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين على المرضى المصابين بكوفيد-19. وخلصت نتائج هذه التجربة إلى أن كلا الدواءين لم يقدما أي تحسينات ملحوظة في معدلات البقاء على قيد الحياة أو في تحسن المرضى المصابين.

التوصيات الصادرة عن السلطات الصحية

مع تزايد البيانات السلبية حول فعالية الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين، بدأت الهيئات الصحية الكبرى مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في تغيير موقفها. في يونيو 2020، أوصت منظمة الصحة العالمية بتوقف استخدام الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين في العلاج العادي لمرضى كوفيد-19 في المستشفيات بسبب عدم وجود أدلة قوية على فائدتها.

في الولايات المتحدة، كانت إدارة الغذاء والدواء قد أصدرت في البداية إذنًا طارئًا لاستخدام الهيدروكسي كلوروكوين في علاج كوفيد-19، إلا أن هذا الإذن تم سحبه في وقت لاحق بعدما تبين عدم فعاليته وسلامته.

الآثار الجانبية والمخاطر الصحية

على الرغم من الاعتقاد الأولي بأن الهيدروكسي كلوروكوين والكلوروكوين قد يكونان آمنين نسبياً للاستخدام في المرضى المصابين بكوفيد-19، إلا أن العديد من الدراسات أظهرت آثارًا جانبية خطيرة. من أبرز هذه الآثار:

1. مشاكل قلبية: يمكن أن تسبب هذه الأدوية اضطرابات في ضربات القلب، بما في ذلك اضطراب النبضات أو ما يُسمى “التمدد البطيني” الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في الحالات الشديدة.

2. مخاطر على العينين: يمكن أن تؤدي الكميات الكبيرة من الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين إلى مشاكل في الرؤية، بما في ذلك التأثيرات السامة على الشبكية.

3. مشاكل في الجهاز الهضمي: تتراوح التأثيرات الجانبية من الغثيان والإسهال إلى التهاب الكبد والتسمم الكلوي.

4. زيادة خطر التسمم: خاصة عند تناول هذه الأدوية في الجرعات غير المناسبة أو في المرضى الذين يعانون من مشاكل صحية أخرى مثل أمراض الكلى أو الكبد.

الخلاصة

على الرغم من التفاؤل الذي ساد في البداية بشأن استخدام الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين في علاج كوفيد-19، فإن الدراسات الحديثة والمراجعات السريرية لم تدعم بشكل قاطع فعاليتهما. في ضوء هذه الأدلة، تم إيقاف التوصيات باستخدام هذه الأدوية في العلاج القياسي للفيروس. تبقى الدراسات مستمرة في محاولة إيجاد علاجات أكثر فعالية وأمانًا للتعامل مع الجائحة، مع التركيز على البحث عن أدوية جديدة أو لقاحات أكثر أمانًا وفعالية في مكافحة كوفيد-19.