نصائح في العقم: فهم أسبابه وطرق التعامل معه وعلاجه

يُعد العقم من القضايا الطبية والنفسية والاجتماعية ذات الأبعاد المتشابكة، حيث يمثل تحدياً كبيراً للأزواج الذين يطمحون لتكوين أسرة. في مختلف المجتمعات، يُنظر إلى الإنجاب على أنه من الغايات الطبيعية للزواج، وبالتالي فإن عدم القدرة على تحقيق هذا الهدف يترك آثاراً عميقة على الحالة النفسية والعاطفية، فضلاً عن التوترات التي قد تطرأ في العلاقة الزوجية. لا يُعتبر العقم مرضاً قائماً بذاته بقدر ما هو عرض لحالة طبية أو تداخلات فسيولوجية أو نفسية تؤثر على القدرة على الإنجاب. تختلف الأسباب وتتعدد الأساليب العلاجية، كما أن لكل حالة خصوصيتها من حيث العوامل المؤثرة وخيارات التعامل معها.

تعريف العقم وأنواعه

العقم يُعرّف بأنه عدم القدرة على الحمل بعد مرور عام كامل من العلاقة الزوجية المنتظمة دون استخدام أي وسيلة من وسائل منع الحمل. ويُصنّف إلى نوعين رئيسيين:

• العقم الأولي (Primary Infertility): هو العقم الذي يُصيب الأزواج الذين لم يحدث لديهم حمل سابق إطلاقاً.

• العقم الثانوي (Secondary Infertility): هو العقم الذي يصيب الأزواج بعد حدوث حمل سابق، سواء تمخض عنه ولادة أو انتهى بالإجهاض.

وتجدر الإشارة إلى أن العقم ليس مرتبطًا بجنس واحد، فقد يكون السبب من الرجل أو المرأة أو كليهما، أو حتى من دون سبب واضح يُمكن تشخيصه، ويُسمى عندئذٍ “العقم غير المفسر”.

الأسباب الشائعة للعقم

أولاً: أسباب العقم عند النساء

تشمل الأسباب المحتملة للعقم عند النساء ما يلي:

• اضطرابات التبويض: تمثل حوالي 40% من حالات العقم عند النساء، وتعود غالباً لمتلازمة تكيس المبايض، أو اضطرابات الغدة النخامية أو الدرقية.

• انسداد قناتي فالوب: نتيجة التهابات الحوض، أو الأمراض المنقولة جنسياً، أو التصاقات بعد جراحات سابقة.

• مشاكل الرحم: مثل الأورام الليفية أو التشوهات الخلقية أو بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis).

• التقدم في العمر: يؤثر سلباً على جودة البويضات ومعدل الخصوبة، خاصة بعد سن الـ35.

• العوامل الهرمونية: مثل نقص هرمون البروجستيرون أو خلل في إفراز الهرمونات الجنسية.

• العوامل البيئية والنفسية: كالإجهاد المزمن، السمنة المفرطة، أو انخفاض الوزن بشكل حاد.

ثانياً: أسباب العقم عند الرجال

تشمل الأسباب الأكثر شيوعاً للعقم الذكوري:

• ضعف إنتاج الحيوانات المنوية: بسبب اضطرابات هرمونية، دوالي الخصية، أو التعرض للحرارة المفرطة.

• ضعف حركة الحيوانات المنوية أو شكلها: وهو ما يؤثر على قدرتها على الوصول للبويضة وتلقيحها.

• انسداد في القنوات الناقلة: مثل البربخ أو الأسهر، مما يمنع خروج الحيوانات المنوية.

• التعرض للمواد السامة: كالمبيدات الحشرية أو الإشعاع أو التدخين الشديد.

• الأمراض المزمنة: مثل السكري، الفشل الكلوي، أو أمراض الكبد.

• الاضطرابات الجينية: مثل متلازمة كلاينفلتر أو الطفرات الوراثية المؤثرة على إنتاج الحيوانات المنوية.

تشخيص العقم

يتطلب تشخيص العقم فحوصات شاملة لكلا الزوجين، تشمل:

• تحليل السائل المنوي للرجل: لفحص عدد الحيوانات المنوية، حركتها، وشكلها.

• اختبارات التبويض للمرأة: مثل قياس هرمونات FSH، LH، وهرمون البرولاكتين، بالإضافة إلى تتبع الإباضة بالموجات فوق الصوتية.

• فحص الرحم وقناتي فالوب: باستخدام الأشعة بالصبغة أو المنظار الرحمي.

• الفحوصات الجينية: في حال وجود تاريخ وراثي أو خلل غير مفسر.

• اختبارات مناعية أو التهابات: للكشف عن الأجسام المضادة أو العدوى المؤثرة على الخصوبة.

الجدول التالي يوضح مقارنة لأكثر أسباب العقم شيوعاً وتأثيرها:

نصائح مهمة للوقاية من العقم وتحسين الخصوبة

• اتباع نمط حياة صحي: التغذية المتوازنة، وممارسة الرياضة، والابتعاد عن التدخين والكحول، كلها تساهم في تحسين الخصوبة.

• تجنب التوتر والضغوط النفسية: فقد ثبت أن التوتر المزمن يضعف من فعالية الجهاز التناسلي لدى الجنسين.

• الامتناع عن تعاطي الأدوية دون استشارة طبية: بعض العقاقير تؤثر سلباً على الخصوبة، ومنها أدوية الاكتئاب والمضادات الحيوية أو الكورتيزون.

• الحرص على الوزن المثالي: السمنة المفرطة أو النحافة الشديدة قد تسبب خللاً هرمونياً يؤثر على الخصوبة.

• توقيت العلاقة الزوجية: يجب أن تكون العلاقة منتظمة وموجهة خلال أيام الإباضة عند المرأة لزيادة فرص الحمل.

• الفحوصات الدورية: خصوصاً بعد سن الثلاثين، للكشف المبكر عن أي اضطرابات قد تؤثر على القدرة الإنجابية.

• تجنب الحرارة المفرطة للرجال: مثل الحمامات الساخنة أو وضع الحاسوب المحمول على الحضن، لأنها تقلل من إنتاج الحيوانات المنوية.

العلاجات المتاحة لحالات العقم

أولاً: العلاجات الدوائية

• منشطات التبويض: مثل الكلوميفين أو الغوناودوتروبين لعلاج اضطرابات التبويض.

• العلاج الهرموني: لتصحيح مستويات هرمونات FSH و LH و TSH.

• مضادات الالتهاب أو المضادات الحيوية: لعلاج التهابات الحوض أو الخصية أو البروستاتا.

• مكملات غذائية: مثل الزنك، السيلينيوم، وفيتامين E و C لتحسين جودة الحيوانات المنوية.

ثانياً: الجراحة

• تصحيح دوالي الخصية لدى الرجال.

• فتح الانسدادات في قناتي فالوب أو الجهاز التناسلي الذكري.

• إزالة الأورام الليفية أو الالتصاقات في الرحم.

ثالثاً: تقنيات الإخصاب المساعد

• التلقيح الصناعي داخل الرحم (IUI): حيث يتم إدخال الحيوانات المنوية مباشرة في الرحم.

• الإخصاب خارج الجسم (IVF): يتم تلقيح البويضة بالحيوان المنوي في المختبر ثم زرع الجنين في الرحم.

• الحقن المجهري (ICSI): يُستخدم في حالات العقم الذكري الشديد، حيث يتم حقن حيوان منوي واحد داخل البويضة.

• تجميد البويضات أو الحيوانات المنوية: للحفاظ على الخصوبة في حالات الأمراض المزمنة أو قبل العلاجات الكيماوية.

الدعم النفسي والاجتماعي

يمثل الدعم النفسي ركيزة أساسية في علاج العقم. الكثير من الأزواج يدخلون في دوامة من الإحباط والتوتر أثناء رحلتهم للعلاج. لذلك، ينصح بمراجعة اختصاصي نفسي أو المشاركة في جلسات دعم جماعية لتجاوز الضغوط النفسية المصاحبة للعقم.

كما يجب أن يكون التواصل بين الزوجين مبنياً على الاحترام المتبادل والصبر، وأن يدرك كل منهما أن العقم لا ينتقص من قيمة الآخر، بل هو محنة يمكن تجاوزها بالدعم المشترك والخطوات العلمية المدروسة.

تقنيات مستقبلية واعدة في علاج العقم

يتم تطوير العديد من التقنيات الحديثة التي قد تُحدث تحولاً في علاج العقم، ومن بينها:

• تحسين تقنيات تحرير الجينات (CRISPR): لعلاج الطفرات الوراثية المؤثرة على الخصوبة.

• تطوير أدوية جديدة لتحفيز التبويض دون آثار جانبية.

• استنساخ الأعضاء التناسلية: لإنتاج مبايض أو خصى اصطناعية.

• إنتاج بويضات أو حيوانات منوية من خلايا جذعية.

• تشخيص الأجنة قبل الزرع (PGD): لتفادي الأمراض الوراثية.

خاتمة

يبقى العقم قضية معقدة تتطلب التعامل معها بروح علمية وواقعية. فمع التقدم الطبي والتقني، أصبحت معظم حالات العقم قابلة للعلاج أو التعايش معها، ولا يجب أن يُنظر إليها كمشكلة أبدية أو سبباً للتوتر الاجتماعي أو النفسي. التشخيص المبكر، الاستشارة المتخصصة، واتباع النصائح الصحية يمكن أن تصنع فارقاً كبيراً في فرص الإنجاب. كما أن الثقافة المجتمعية يجب أن تتطور لتفهم أن العقم ليس فشلاً بل تجربة إنسانية تستحق الفهم والدعم.

المراجع:

• WHO: Infertility Facts and Statistics, World Health Organization, 2024

• Mayo Clinic: Infertility – Causes and Treatments, 2023