الأسرة والمجتمع

النرجسية عند الأطفال وطرق التعامل

النرجسية عند الأطفال: وصفات الشخصية النرجسية وسبل مواجهتها والتعامل معها

النرجسية هي إحدى سمات الشخصية التي تتمثل في الشعور المفرط بالأهمية الذاتية، والحاجة المستمرة إلى الإعجاب والتقدير من الآخرين، وقلة الاهتمام بمشاعرهم واحتياجاتهم. على الرغم من أن النرجسية غالباً ما يتم ربطها بالشخصيات البالغة، إلا أن ظهور سمات نرجسية في الأطفال أصبح موضوعاً يستحق الاهتمام والبحث في السنوات الأخيرة.

يتساءل الكثيرون عن كيفية ظهور النرجسية في الأطفال، وما هي الصفات التي تميز هذه الشخصية عندهم، وكيف يمكن التعامل مع هذا السلوك بشكل فعال. في هذا المقال، سنتناول كافة جوانب هذه الظاهرة مع التركيز على طرق الوقاية والعلاج.

ما هي النرجسية؟

النرجسية هي نوع من اضطراب الشخصية الذي يتميز بشعور مبالغ فيه بالأهمية الذاتية، حاجة مستمرة للإعجاب والاهتمام، وعادةً ما يصاحبها قلة التفاعل مع مشاعر الآخرين. يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النرجسية رغبة دائمة في أن يكونوا محور الاهتمام وأن يتمتعوا بالثناء والتقدير. في بعض الحالات، قد تكون النرجسية نتيجة لتجارب حياتية أو تنشئة غير متوازنة، كما قد تكون أيضاً استجابة لبعض العوامل الوراثية.

في حين أن بعض السمات النرجسية قد تكون طبيعية في مراحل معينة من نمو الأطفال، إلا أن استمرار هذه السمات بشكل متزايد قد يشير إلى تطور شخصية نرجسية حقيقية.

النرجسية عند الأطفال: متى تظهر؟

النرجسية يمكن أن تظهر في مرحلة مبكرة من حياة الطفل، وغالبًا ما تبدأ بالتطور منذ الطفولة المبكرة. ومع أن بعض مظاهر النرجسية قد تكون عابرة ومؤقتة، إلا أن استمرار هذه السلوكيات أو تعاظمها يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في التفاعل الاجتماعي والعلاقات الشخصية مع مرور الوقت.

1. مرحلة الطفولة المبكرة

في سنوات الطفل الأولى، يبدأ الأطفال بتطوير فهمهم لأنفسهم واحتياجاتهم. تكون هذه الفترة مليئة بالمرحلة الاستكشافية حيث يظهر الطفل اهتمامًا شديدًا في ذاته. على سبيل المثال، قد يبدي الطفل في هذه المرحلة رغبة ملحة في أن يكون محور اهتمام والديه والمحيطين به.

2. مرحلة ما قبل المدرسة

في هذه المرحلة، يظهر الطفل بعض السمات النرجسية مثل التصرف بأن العالم يدور حوله، والشعور بالإحباط عندما لا يتم تلبية رغباته فورًا. قد يظهر الطفل في هذه الفترة سلوكيات مثل التفاخر بما يملك أو ما يستطيع فعله مقارنة بالآخرين.

3. مرحلة المدرسة الابتدائية والمراهقة

في هذه المرحلة، قد تصبح السمات النرجسية أكثر وضوحًا. يبدأ الطفل في تطوير علاقات مع أقرانه ويبدأ بتشكيل هويته الاجتماعية. في حال تطور الشخصية النرجسية، فقد يجد الطفل صعوبة في فهم مشاعر الآخرين أو التعاطف معهم، مما يؤدي إلى صراعات مع الأصدقاء والمعلمين. قد يظهر أيضًا التفاخر المستمر أو البحث عن الانتباه.

صفات الشخصية النرجسية عند الأطفال

يختلف الأطفال الذين يعانون من الشخصية النرجسية عن غيرهم في عدة نواحٍ. هذه بعض الصفات التي قد تميز هؤلاء الأطفال:

1. الشعور المفرط بالأهمية الذاتية

قد يظهر الطفل الذي يعاني من النرجسية تفكيرًا مفرطًا في نفسه، بحيث يعتقد أنه أهم من الآخرين. قد يبالغ في تقدير قدراته ويشعر أنه مميز ويستحق معاملة خاصة.

2. البحث المستمر عن الإعجاب

يُظهر الطفل النرجسي حاجة ملحة لأن يكون محط أنظار الجميع. هذا البحث المستمر عن الإعجاب والتقدير قد يكون واضحًا في محاولاته الدائمة للحصول على انتباه الآخرين، سواء من خلال الإنجازات أو التصرفات المبالغ فيها.

3. قلة التعاطف مع الآخرين

يواجه الطفل النرجسي صعوبة في فهم مشاعر الآخرين أو التعاطف معهم. قد يُظهر سلوكًا غير مراعي لاحتياجات ومشاعر الآخرين، ويظل مركزًا على نفسه فقط.

4. الشعور بالغضب عند عدم الحصول على الاهتمام

عندما لا يتلقى الطفل النرجسي الانتباه أو الإعجاب الذي يتوقعه، قد يظهر عليه مشاعر الغضب أو الإحباط. في بعض الأحيان، يمكن أن يتحول هذا الغضب إلى سلوك عدواني أو محاولات للفت الانتباه بأي طريقة.

5. الحاجة للسيطرة

يميل الطفل النرجسي إلى محاولة التحكم في المواقف والأشخاص من حوله. قد يظهر ذلك في سلوكيات مثل محاولة فرض رأيه على الآخرين أو اتخاذ القرارات دون مراعاة لآراء من حوله.

6. ضعف القدرة على تقبل النقد

من أكثر السمات التي تميز الطفل النرجسي هو ردة الفعل المبالغ فيها تجاه النقد أو الفشل. بدلاً من قبول النقد بشكل بناء، قد يظهر الطفل ردة فعل دفاعية أو غاضبة.

أسباب النرجسية عند الأطفال

تتعدد الأسباب التي قد تساهم في ظهور سمات نرجسية لدى الأطفال. يمكن أن تشمل:

1. التنشئة الأسرية

يمكن للتنشئة الأسرية أن تكون أحد العوامل الرئيسية في ظهور النرجسية. الأطفال الذين ينشأون في بيئات يتم فيها تفضيلهم بشكل مفرط، أو إغراقهم بالثناء والإعجاب المستمر، قد يطورون شعورًا مبالغًا في أهميتهم الذاتية. كما أن إهمال احتياجات الطفل العاطفية أو الإحساس بالفراغ العاطفي قد يقوده إلى التمسك بمظاهر النرجسية كآلية دفاعية.

2. التحديات الاجتماعية والضغوط

قد يكون الطفل الذي يواجه صعوبة في التكيف مع الأقران أو يعاني من التحديات الاجتماعية أكثر عرضة لتطوير سمات نرجسية كآلية للتعامل مع الإحساس بالنقص. في بعض الأحيان، قد يحاول الطفل تعويض شعوره بالعجز من خلال تكوين صورة مبالغ فيها عن نفسه.

3. عوامل وراثية

قد تلعب الجينات أيضًا دورًا في تشكيل السمات الشخصية. بعض الأطفال قد يكونون أكثر عرضة لتطوير سمات نرجسية بناءً على موروثاتهم الوراثية.

كيفية التعامل مع الطفل النرجسي

يُعد التعامل مع طفل نرجسي تحديًا، ولكن مع التدخل المناسب والتوجيه الصحيح، يمكن تحسين سلوكياته. إليك بعض الطرق التي يمكن أن تساعد في التعامل مع الطفل النرجسي:

1. تعزيز التعاطف والتفاهم

من الضروري تعليم الطفل كيفية التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم. يمكن تشجيع الطفل على التفكير في كيفية تأثير تصرفاته على مشاعر الآخرين وكيفية تحسين علاقاته معهم.

2. تحديد الحدود وتطبيقها بصرامة

من المهم أن يتعلم الطفل النرجسي احترام الحدود، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقوق الشخصية للآخرين. يجب وضع قواعد واضحة وعدم التهاون في تطبيقها.

3. تعزيز الثقة بالنفس بدلاً من البحث عن الإعجاب

بدلاً من تعزيز رغبة الطفل المستمرة في الإعجاب من الآخرين، يجب أن يتم توجيه الاهتمام نحو بناء الثقة بالنفس الداخلية. يمكن تشجيع الطفل على الشعور بالاعتزاز بذاته بناءً على إنجازاته الخاصة بدلاً من الاعتماد على الثناء المستمر من الخارج.

4. تقديم نماذج إيجابية

يجب أن يتعلم الطفل من خلال المثال الحي. ينبغي على الآباء والمعلمين أن يكونوا نماذج إيجابية في كيفية التعامل مع الآخرين بحب واحترام.

5. التحلي بالصبر

قد يكون من الصعب تغيير سلوكيات الطفل النرجسي بسرعة، لذا يتطلب الأمر الكثير من الصبر والمرونة من الآباء والمربين. المهم هو الاستمرار في توجيه الطفل نحو سلوكيات أفضل من خلال تشجيعه وتعليمه القيم الإنسانية.

6. التواصل الفعّال

يجب أن يكون التواصل مع الطفل النرجسي صريحًا وواضحًا. يمكن استخدام أسلوب التواصل الذي يتسم بالهدوء والاحترام، مع تجنب التصعيد أو الغضب عند الرد على سلوكياته السلبية.

الختام

تعتبر النرجسية عند الأطفال مشكلة معقدة تتطلب الانتباه العميق من الأسرة والمربين. من خلال تعزيز الوعي بأسبابها وسماتها، واتباع استراتيجيات فعالة في التعامل معها، يمكن للطفل أن يتعلم كيف يتعامل مع نفسه ومع الآخرين بطريقة صحية ومتوازنة.