الفساد السياسي وتدمير النظام القضائي الأمريكي: قراءة في “Getting Away with Murder” لسوزان إسترش
تعد “Getting Away with Murder: How Politics Is Destroying the Criminal Justice System” (النجاة من القتل: كيف يدمر السياسة النظام القضائي الجنائي) للكاتبة سوزان إسترش واحدة من أبرز الأعمال التي تناولت الفساد السياسي وتأثيره على النظام القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية. نشرت الكتاب دار هارفارد الجامعية في سبتمبر عام 1999، وقد قدمت إسترش من خلاله رؤية عميقة وشاملة حول كيفية تلاعب السياسة بالنظام القضائي وتدمير العدالة الجنائية.
تبدأ إسترش كتابها بتسليط الضوء على حقيقة مريرة: “العدالة ليست عمياء، بل إنها تومئ بعينها”. تعكس هذه العبارة مدى الانحراف الذي أصاب النظام القضائي الأمريكي، حيث تتسبب ضغوطات السياسة والانتخابات في تفشي الفساد وعدم المساواة في تقديم العدالة. تبرز إسترش كيف أن الشكوك في النظام القضائي تتزايد عندما يُفرج عن مشتبه بهم بارزين رغم الأدلة الموثقة ضدهم، أو عندما تُبنى قوانين خاصة بناءً على نوع الجرائم أو وضع الضحايا مثل النساء المعنفات أو الناجين من الاعتداءات الطفولية. كما تستعرض حالات الإفراج عن القتلة من السجون ليقوموا بجرائم جديدة، وكيف يستغل السياسيون هذه القضايا لتحقيق مكاسب انتخابية.
واحدة من القضايا الرئيسية التي تتناولها إسترش في كتابها هي ما يُعرف بالتمييز القضائي الجماعي، والذي يتضمن تبرير الجرائم استنادًا إلى خلفيات الضحايا أو المشتبه بهم، مثل الحالات التي يبرر فيها العنف الأسري كعذر لارتكاب الجرائم. تشدد إسترش على أن هذه التبريرات تعتبر خطأً كبيراً، حيث تعمق من عدم العدالة وتفشل في معالجة التحيزات الموجودة في النظام القضائي. من خلال خلفيتها كمحامية ومعلقة سياسية وأستاذة ومديرة حملة وطنية، تدمج إسترش بين الخبرة الأكاديمية والسياسية لتقديم تحليلات شاملة، مستندة إلى التجارب التي مر بها النظام القضائي في قضايا بارزة مثل محاكمة أوج سيمسون وقوانين ثلاث ضربات.
تتطرق إسترش أيضًا إلى الدور المقلق الذي تلعبه السياسة في النظام القضائي، حيث تسلط الضوء على كيف أن فضائح مثل قضية ويلي هورتون تؤدي إلى تقليص النقاش السياسي وتعزيز السياسات التي تقيد القضاة في التعامل مع الجرائم الخطيرة. هذه السياسات تضعف من قدرة النظام القضائي على تحقيق العدالة الفعلية، حيث تعيق الحكم المناسب وتزيد من الانحيازات في نظام العدالة.
في إطار نقدها للقطاع القانوني، تشير إسترش إلى الفشل الأخلاقي للمحامين الذين يسعون لتحقيق مكاسب مالية على حساب القيم القانونية العليا. تبرز الكتاب كيف أن بعض المحامين أصبحوا يمثلون تجسيداً للجشع، حيث يتعاملون مع القضايا الجنائية بشكل يشبه تجار الأعمال أكثر من كونه يتماشى مع القيم الأخلاقية للمهنة.
“Getting Away with Murder” هو كتاب يتناول مسائل ملحة وحساسة، في وقت يشكك فيه العديد من الأمريكيين في نزاهة النظام القضائي. تشير إسترش إلى أن ثلاثة أرباع الأمريكيين السود يعتبرون النظام القضائي عنصريًا وغير عادل، بينما يرى نحو نصف الأمريكيين البيض أن النظام القضائي غير فعال ويشهد تدهورًا. على الرغم من انخفاض معدلات الجريمة، فإن القضية لا تزال تشغل قائمة اهتمامات الجمهور، ويتم استغلالها من قبل السياسيين لتحقيق أهداف انتخابية. يقدم الكتاب بيانًا قويًا، مثيرًا للجدل، وملحًا حول ضرورة إصلاح النظام القضائي وتحقيق العدالة الحقيقية.
في النهاية، يقدم كتاب سوزان إسترش إضاءة حيوية على تداخل السياسة مع النظام القضائي، محذرًا من التداعيات الخطيرة لتلاعب السياسة في تحقيق العدالة. من خلال تحليلها العميق والموضوعي، تساهم إسترش في دفع النقاش حول ضرورة إصلاح النظام القضائي إلى الأمام، وتحث على معالجة المشكلات البنيوية التي تؤثر على نزاهة العدالة الجنائية في الولايات المتحدة.