المدارس النقدية الحديثة في الأدب

المدارس النقدية في العصر الحديث

تعدّ الدراسات النقدية من أبرز الظواهر الفكرية التي ساهمت في تطور الأدب والفكر في العصر الحديث. شهد النقد الأدبي تحولًا جذريًا خلال العقود الأخيرة، حيث أفرزت هذه التحولات مدارس نقدية جديدة تُركّز على فهم الأدب من زوايا متعددة تتجاوز التقليدية إلى مستويات أعمق في التحليل والتفسير. منذ بداية القرن العشرين، ظهرت مدارس نقدية متنوعة ذات توجهات فلسفية وهرمينوطيقية مختلفة، وجاءت هذه المدارس لتتناقض مع الأطر النقدية السابقة التي كانت تركز على الجانب الفني فقط. في هذا المقال، سنتناول أبرز المدارس النقدية التي أثرت في الأدب والفكر الحديث، من حيث منشأها وأبرز خصائصها وأدواتها وهدفها.

1. المدرسة الشكلية

تعتبر المدرسة الشكلية الروسية من أولى المدارس النقدية الحديثة التي قامت بالتركيز على الشكل الأدبي كعامل رئيسي في فهم النصوص الأدبية. نشأت هذه المدرسة في روسيا في أوائل القرن العشرين، وكان هدفها البحث في الهيكل الداخلي للنصوص الأدبية بعيدًا عن التأثيرات الاجتماعية أو التاريخية أو النفسية التي قد تحيط بها. تركز هذه المدرسة على تحليل التراكيب اللغوية والمجازات والأساليب الأدبية التي يعمد الكاتب إلى استخدامها في بناء نصه.

أبرز رواد المدرسة الشكلية:

• رومان جاكوبسون وفيكتور شكلوفسكي هما من أبرز مؤسسي المدرسة الشكلية.

• فلاديمير بروب الذي قام بتطوير نظرية تحليل السرد القائم على الوظائف التي تؤديها العناصر السردية داخل النص.

المدرسة الشكلية تتبنى مقولة “الفن هو طريقة مغايرة لتقديم العالم”، ومن هنا جاء تأكيدها على “إزالة الآلية” عن النص الأدبي، بمعنى أن النص الأدبي يجب أن يكون مشحونًا بالتقنيات الفنية التي تبعده عن الواقع اليومي المألوف.

2. المدرسة البنيوية

ظهرت البنيوية في منتصف القرن العشرين كرد فعل على المناهج النقدية التقليدية والذاتية. وقد تأثرت هذه المدرسة بالفكر اللغوي، حيث اعتمدت على مفهوم أن الأدب ليس مجرد تعبير عن واقع مادي أو شعور داخلي، بل هو نظام من الرموز والأنساق التي يمكن تحليلها بطريقة علمية.

أبرز رواد المدرسة البنيوية:

• رولان بارت وتودوروف ولوسيان غولدمان من بين الشخصيات البارزة في هذا التيار.

• كلود ليفي شتراوس في الأنثروبولوجيا البنيوية.

أهم مفاهيم البنيوية:

• اللغة: يعتبر النص الأدبي بنية لغوية منفتحة على التفسير، ويقوم المحلل بدراسة العلاقات بين هذه العناصر اللغوية داخل النص.

• الرمزية والرمز: يتعامل النقد البنيوي مع الأدب كرمز يجب فك شفراته وفقًا لقوانين ثابتة.

تسعى البنيوية إلى تفسير النصوص من خلال ما يسمى “المخططات الدلالية”، وهو ما يُمكّن من الكشف عن بنية النص العميقة، ويعد هذا النوع من التحليل محايدًا وعلميًّا، بعكس المناهج التي تركز على الدلالات الذاتية أو الخارجية للنصوص.

3. المدرسة التفكيكية

تُعد التفكيكية واحدة من أكثر المدارس النقدية إثارة للجدل في العصر الحديث، وقد أسس لها الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في السبعينات. تقوم هذه المدرسة على فكرة أن النصوص لا تحمل دلالة ثابتة أو ثابتة المعنى، بل إن معاني النصوص تتغير بشكل مستمر بحسب التفسيرات المختلفة التي يقدمها القارئ. يُنظر إلى النص الأدبي، في هذا السياق، على أنه مجموعة من التناقضات التي تتصارع فيما بينها ولا يمكن تقليصها إلى معنى واحد.

أبرز رواد المدرسة التفكيكية:

• جاك دريدا هو مؤسس المدرسة التفكيكية، وهو من قام بتطوير العديد من الأدوات النقدية المعتمدة في التحليل التفكيكي.

أهم مفاهيم التفكيكية:

• الاختلاف والتأجيل: النص لا يحمل معانيه إلا عبر “الاختلاف” المستمر بين العناصر داخل النص، وتُظهر التفكيكية أن “المعنى” في النص يتم تأجيله إلى ما لا نهاية، وهو ما أطلق عليه دريدا “différance”.

• نقد الميتافيزيقا: يعارض التفكيك كل المفاهيم الثابتة التي تدعي اليقين في فكر الغرب، مثل الميتافيزيقا والأيديولوجيا، ويعتبرها سجونًا فكرية تُضيع الفهم الحقيقي للنصوص.

4. المدرسة النفسية (تحليل النصوص النفسية)

المدرسة النفسية في النقد الأدبي تعتمد بشكل كبير على المبادئ الفرويدية والتحليل النفسي لفهم الشخصيات والرموز والموضوعات في النصوص الأدبية. يرى النقاد النفسيون أن النص الأدبي هو انعكاس لآمال ورغبات الكاتب المكبوتة، كما يمكن أن يكون أيضًا انعكاسًا لحالة الشخصيات وتفاعلاتهم الداخلية مع أنفسهم ومع المحيط.

أبرز رواد المدرسة النفسية:

• سيجموند فرويد الذي أسس التحليل النفسي.

• كارل يونغ الذي طور المفاهيم المرتبطة باللاشعور الجماعي والأرchetypes (الأنماط الأصلية).

أهم مفاهيم النقد النفسي:

• اللاشعور: يشير التحليل النفسي إلى أن الأعمال الأدبية يمكن أن تكون نتاجًا للعقل اللاواعي سواء بالنسبة للكاتب أو لشخصياته.

• الدوافع والرغبات: يتم دراسة رغبات الشخصيات الداخلية، مثل الدوافع الجنسية، والعلاقات الأوديبية، والصراعات النفسية.

5. المدرسة النسوية

ظهر النقد النسوي كأحد أبرز التيارات النقدية في القرن العشرين، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ويهتم هذا الاتجاه بتحليل الأدب من منظور الجنس، أي من خلال إبراز طريقة تمثيل المرأة في الأدب وكيفية تفاعل النصوص الأدبية مع قضايا التحرر والمساواة بين الجنسين.

أبرز رواد المدرسة النسوية:

• سيمون دو بوفوار وجلوريا ستاينم من المفكرات النسويات البارزات.

• إلين شووالتر وجوديث باتلر في تحليل الأدب من خلال مفهوم الأنوثة والهويات الجندرية.

أهم مفاهيم النقد النسوي:

• التمثيل: يشير إلى كيفية تصوير النساء في الأدب وكيف يُعاد إنتاج صورهن في المجتمع.

• الاختلاف الجنسي: تسعى المدرسة النسوية إلى إظهار الفروق بين الكتابة الذكورية والأنثوية، وتُظهر كيف أن الأدب غالبًا ما يُكتب من منظور ذكوري يهمّش النساء.

6. المدرسة الماركسية

المدرسة الماركسية في النقد الأدبي تعتمد على تحليل الأدب من خلال الإطار الطبقي والاجتماعي، حيث يرى النقد الماركسي أن الأدب ليس مجرد عمل فني محض بل هو نتاج للظروف الاقتصادية والاجتماعية. يشير إلى أن النصوص الأدبية تعكس الصراعات الطبقية والتفاوت الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع، سواء كان ذلك من خلال تصوير الواقع أو عبر خلق الشخصيات والصراعات.

أبرز رواد المدرسة الماركسية:

• لويس ألتوسير وجورج لوكاش.

أهم مفاهيم النقد الماركسي:

• الصراع الطبقي: يعتبر الصراع الطبقي أحد المفاتيح لفهم النصوص الأدبية، حيث يعكس النص الصراع بين البرجوازية والطبقات الكادحة.

• البنية الفوقية: تعتقد الماركسية أن الأدب يُعتبر جزءًا من البنية الفوقية التي تساهم في الحفاظ على النظام الاجتماعي القائم.

7. المدرسة التاريخية (التاريخية الثقافية)

النقد التاريخي الثقافي هو نوع من النقد الذي يربط الأدب بتاريخه الثقافي، حيث يتم تفسير النصوص الأدبية في سياق أحداث المجتمع والتطورات الثقافية والاقتصادية التي شهدها الكاتب.

أبرز رواد المدرسة التاريخية:

• إريك أروس وستيفن جرينبلات في دراسات الأدب التاريخية.

أهم مفاهيم النقد التاريخي الثقافي:

• السياق التاريخي: تركز هذه المدرسة على العلاقة بين النص والظروف التاريخية التي كُتب فيها، وكيف أن الأدب يُشكّل ويُتشكّل بفعل تلك الظروف.

• القراءة التاريخية: تُعنى هذه القراءة بتفسير النصوص بما يتناسب مع سياقها الزمني، ودراسة كيفية تطور الأيديولوجيات الثقافية.

الخاتمة

تُظهر المدارس النقدية في العصر الحديث تنوعًا غنيًا في الأدوات والمنهجيات التي تهدف إلى تفسير النصوص الأدبية بشكل عمي