الماء والوقاية من الأنفلونزا

الماء والوقاية من الأنفلونزا: دور أساسي في دعم الجهاز المناعي وتعزيز الصحة العامة

تُعد الأنفلونزا من الأمراض الفيروسية الموسمية الشائعة التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي، وتنتقل بسهولة بين الأفراد، لا سيما في فصلي الخريف والشتاء. تتراوح أعراضها بين خفيفة إلى شديدة، وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة لدى بعض الفئات مثل الأطفال وكبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة. بينما يُركز معظم الأفراد على اللقاحات والأدوية للوقاية من الإصابة، يغفل الكثيرون عن الوسائل الطبيعية والفعالة لدعم الجهاز المناعي. من أبرز هذه الوسائل البسيطة والجوهرية هو شرب كميات كافية من الماء.

يُعد الماء مكونًا أساسيًا للحياة، حيث يشكل أكثر من 60% من جسم الإنسان، ويدخل في جميع العمليات الحيوية، بدءًا من تنظيم درجة الحرارة ووصولًا إلى إنتاج الخلايا المناعية. في هذا السياق، يتضح أن الحفاظ على الترطيب الجيد للجسم لا يقتصر فقط على تلبية احتياجات العطش، بل يتعداه ليكون وسيلة فعالة لدعم الجسم في مواجهة الأمراض الفيروسية مثل الأنفلونزا.

أهمية الترطيب في دعم المناعة

يعتمد الجهاز المناعي على شبكة متكاملة من الخلايا والسوائل الدفاعية التي تعمل بشكل دائم على مكافحة الميكروبات والفيروسات. من بين هذه السوائل “اللمف”، الذي يحمل خلايا الدم البيضاء عبر الجسم ويساعد في التعرف على مسببات الأمراض وتدميرها. لكي يقوم هذا السائل بوظيفته بكفاءة، يجب أن يكون الجسم في حالة ترطيب مثالية، وهذا لا يتحقق إلا بتناول كمية كافية من السوائل، وعلى رأسها الماء.

يساعد الماء في:

• نقل العناصر الغذائية إلى الخلايا المناعية وتعزيز قدرتها على التفاعل.

• التخلص من السموم والفضلات الناتجة عن العمليات الحيوية والمكافحة المناعية.

• الحفاظ على الأغشية المخاطية في الأنف والفم والحلق، وهي خط الدفاع الأول ضد الفيروسات.

الماء كعامل وقائي ضد الأنفلونزا

في حالات الطقس البارد، ينخفض الشعور بالعطش، مما يجعل كثيرين يتجاهلون شرب الماء. غير أن هذا الإهمال في الترطيب يعرض الجسم لعدة مشكلات تزيد من احتمالية الإصابة بالأنفلونزا، من بينها:

• جفاف الأغشية المخاطية، مما يُضعف قدرتها على حجز الفيروسات والبكتيريا.

• ضعف الدورة الدموية، مما يُبطئ من استجابة الخلايا المناعية.

• زيادة تركيز السموم في الجسم، وهو ما يُجهد الكلى والكبد ويشتت جهود المناعة.

في المقابل، فإن شرب الماء بشكل منتظم يسهم في الحفاظ على بيئة داخلية صحية، ويُعزز فعالية دفاعات الجسم الطبيعية. ومن المعروف أن الأنفلونزا تنشط في الأجسام التي تعاني من الجفاف أو التعب، ما يجعل الترطيب المنتظم من أبرز العوامل الوقائية.

دور الماء في تنظيم درجة حرارة الجسم خلال المرض

عند الإصابة بالأنفلونزا، ترتفع درجة حرارة الجسم كآلية دفاعية طبيعية للقضاء على الفيروس. في هذه الحالة، يُفقد الجسم كميات كبيرة من السوائل عن طريق التعرق وزيادة معدل التنفس، مما يؤدي إلى الجفاف بسرعة. إذا لم يتم تعويض هذا النقص من خلال شرب الماء، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الحالة الصحية وظهور أعراض مثل الدوخة والضعف العام واضطراب ضغط الدم.

هنا يُظهر الماء مرة أخرى دوره الحيوي ليس فقط في الوقاية، بل أيضًا في تسريع التعافي من المرض. يساعد الترطيب المستمر على:

• تخفيض درجة الحرارة تدريجيًا عبر التعرق.

• الحفاظ على توازن الأملاح والمعادن في الجسم.

• دعم وظائف الكبد والكلى في تنقية الجسم من مخلفات العدوى والفيروسات الميتة.

الماء وتقوية الحواجز المناعية الطبيعية

يمتلك جسم الإنسان عدة حواجز طبيعية تمنع دخول الفيروسات، منها الجلد والأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي والهضمي. تعمل هذه الحواجز بكفاءة فقط في حال كانت مرطبة جيدًا. فعلى سبيل المثال:

• الأنف يحتوي على شعيرات دقيقة ومخاط يساعد في احتجاز الفيروسات والجزيئات الضارة.

• الحنجرة والقصبة الهوائية تُفرز مخاطًا غنيًا بالأجسام المضادة.

• الرئتان تنتجان سوائل خاصة تعمل على تنظيف الشعب الهوائية من الجزيئات الغريبة.

عند حدوث الجفاف، يقل إنتاج هذه السوائل، وتضعف هذه الحواجز، مما يسمح للفيروسات مثل الأنفلونزا بالتكاثر السريع والانتشار داخل الجسم.

العلاقة بين الترطيب وجودة النوم خلال موسم الأنفلونزا

يلعب النوم الجيد دورًا محوريًا في تقوية المناعة. ومن المعروف أن الترطيب المناسب يُحسن من جودة النوم، خاصة في الليالي الباردة حيث تجف المجاري التنفسية بسهولة. جفاف الأنف أو الحلق قد يؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر أو صعوبة التنفس، ما يُضعف نوعية النوم ويُعرض الجسم للإجهاد المناعي.

بالتالي، شرب كوب من الماء قبل النوم، والحفاظ على ترطيب الغرفة، وتهوية المكان، يُعد من الممارسات اليومية المهمة للوقاية من الأنفلونزا وتعزيز الصحة العامة.

جدول توضيحي لأثر الماء في مختلف نواحي الوقاية من الأنفلونزا

كمية الماء المثالية خلال موسم الأنفلونزا

الكمية المثالية من الماء تختلف بحسب العمر، النشاط البدني، الطقس، والحالة الصحية. لكن يمكن تقديم بعض الإرشادات العامة:

• البالغون: من 2 إلى 3 لترات يوميًا (حوالي 8 إلى 12 كوب ماء).

• الأطفال: من 1 إلى 1.5 لتر يوميًا حسب العمر.

• أثناء الإصابة بالأنفلونزا: يُنصح بزيادة كمية السوائل لتعويض الفقد الحراري.

ويُفضل توزيع شرب الماء على مدار اليوم، وتجنب الانتظار حتى الشعور بالعطش، لأن الشعور بالعطش هو علامة متأخرة على بدء الجفاف.

الماء مقارنة بالمشروبات الأخرى خلال موسم البرد

كثيرون يعتمدون على المشروبات الساخنة مثل الشاي والقهوة والمشروبات الغازية خلال الشتاء، لكن يجدر الإشارة إلى أن:

• القهوة قد تُسبب الجفاف بسبب تأثيرها المدرّ للبول.

• المشروبات الغازية لا تُرطب الجسم بفعالية وتحتوي على سكريات تُضعف المناعة.

• الشاي العشبي مفيد، لكن لا يُغني عن الماء.

• الشوربات تسهم في الترطيب، لكنها لا تُعوّض الحاجة اليومية للماء الصافي.

لذلك، يجب أن يكون الماء هو المصدر الأساسي للترطيب، ويُمكن دعمه بمشروبات طبيعية أخرى لا تحتوي على مواد مدرة للسوائل.

نصائح لزيادة شرب الماء والالتزام بالترطيب

• حمل زجاجة ماء دائمًا في حقيبة اليد أو على المكتب.

• ضبط منبه يذكّر بشرب الماء كل ساعة.

• تناول أطعمة غنية بالماء مثل الخيار، البطيخ، والبرتقال.

• شرب كوب ماء مع كل وجبة.

• استبدال المشروبات الغازية بكوب ماء فاتر مع قطرات من الليمون.

الخلاصة العلمية

تُشير الأبحاث الحديثة إلى أن الماء لا يُعد مجرد عامل مساند للجسم في مواجهة الأمراض، بل هو جزء لا يتجزأ من منظومة الوقاية والمناعة. إن الترطيب المنتظم يُحسن من أداء الخلايا المناعية، ويُقوي الحواجز الطبيعية، ويُسرّع من التخلص من السموم، ويُساهم في تنظيم حرارة الجسم خلال فترات الإصابة. لذلك، يُعد شرب الماء بانتظام، وخاصة خلال موسم انتشار الأنفلونزا، من أكثر السلوكيات الصحية بساطة وفعالية في آنٍ واحد.

المراجع:

1. Popkin, B. M., D’Anci, K. E., & Rosenberg, I. H. (2010). Water, hydration and health. Nutrition Reviews, 68(8), 439–458. https://doi.org/10.1111/j.1753-4887.2010.00304.x

2. National Academies of Sciences, Engineering, and Medicine. (2004). Dietary Reference Intakes for Water, Potassium, Sodium, Chloride, and Sulfate. Washington, DC: The National Academies Press.