يعد كتاب “الله له تسعة وتسعون اسمًا: رحلة مراسل عبر الشرق الأوسط المتطرف” للكاتبة الأمريكية جوديث ميلر واحدًا من الأعمال الأدبية والصحفية البارزة التي تناولت الحركات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين. بفضل خلفيتها الصحفية الواسعة وتجربتها الميدانية الغنية، تمكنت ميلر من تقديم رؤية شاملة ومعمقة حول هذه الحركات عبر استعراضها لأوضاع عشر دول في المنطقة.
ميلر، التي عملت لفترة طويلة كمراسلة في الشرق الأوسط، جمعت معلوماتها من خلال تواجدها المباشر في عواصم كبرى مثل القدس وتل أبيب وطهران، وكذلك من خلال زياراتها لدول أخرى مثل مصر، السعودية، السودان، الجزائر، ليبيا، لبنان، سوريا، الأردن، وإيران. استخدمت الكاتبة علاقاتها الشخصية الوثيقة مع زعماء وقادة مختلفين، من بينهم العقيد الليبي معمر القذافي، والملك الأردني حسين بن طلال، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين، لتقديم رؤية متكاملة حول الأساليب المختلفة التي تتبعها هذه الدول في التعامل مع الحركات الإسلامية.
يكشف الكتاب عن حقيقة معقدة ومتشعبة، حيث لا يوجد “عالم عربي موحد” كما لا يوجد “إسلام موحد”. فكل دولة من هذه الدول لها تاريخها الخاص وتوجهاتها السياسية والاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر على طبيعة الحركات الإسلامية التي تنشأ فيها. ترى ميلر أن هذه الحركات تختلف في أساليبها وطرقها لتحقيق أهدافها؛ فبعضها يفضل التغيير السلمي وغير العنيف، في حين أن بعضها الآخر يلجأ إلى العنف واستخدام السلاح. إلا أن جميع هذه الحركات تتشابه في قدرتها على التكيف مع الظروف المحيطة بها واستغلالها للفرص، خصوصًا عندما تضعف الأنظمة التي تواجهها بفعل الأزمات السكانية والتنموية التي تعاني منها معظم دول المنطقة.
ومن خلال سردها للأحداث، تقدم ميلر أمثلة حية على تنوع ردود أفعال الأنظمة السياسية في المنطقة تجاه هذه الحركات المتطرفة. على سبيل المثال، تستعرض القمع الدموي الذي مارسه النظام السوري تحت قيادة حافظ الأسد، والذي لم يتردد في استخدام الإرهاب المنظم ضد خصومه، في حين تقدم تجربة السعودية التي تبنت سياسة “الاحتواء” مع الجماعات الإسلامية المتشددة داخل حدودها، مما سمح لها بالحفاظ على استقرار نسبي.
ويظهر الكتاب تعاطف ميلر الواضح مع قضايا حقوق الإنسان، حيث توجه انتقادات لاذعة للحركات الإسلامية المتطرفة، وتصفها بأنها تمثل تهديدًا حقيقيًا لحقوق النساء والمثقفين والأقليات الدينية مثل المسيحيين وغيرهم. لكن في الوقت نفسه، تسلط الضوء على فشل معظم حكومات الشرق الأوسط في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها شعوبها، وهو ما أتاح لهذه الحركات المتطرفة الفرصة للنمو والانتشار، وربما في بعض الحالات، لتحقيق أهدافها.
من خلال هذا العمل، تقدم جوديث ميلر تحليلًا دقيقًا ومعمقًا للحركات الإسلامية المتطرفة، مبنيًا على خبرة شخصية ومعرفة عميقة بتاريخ وسياسة المنطقة. الكتاب لا يعرض فقط لواقع الحال في تلك الفترة، بل يقدم أيضًا رؤية استشرافية حول مستقبل هذه الحركات وتأثيراتها المحتملة على المنطقة والعالم.
في النهاية، يمثل كتاب “الله له تسعة وتسعون اسمًا” مصدرًا قيمًا لفهم التعقيدات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط في نهاية القرن العشرين، ويوفر للقراء فهمًا أعمق للتحديات التي تواجهها هذه المنطقة المضطربة والتي لا تزال تعاني من آثار تلك الفترة حتى يومنا هذا.