اللهم اجرنا من حر جهنم: دعاء يتردد في قلوب المؤمنين
في حياتنا اليومية، غالباً ما يمر الإنسان بلحظات يشعر فيها بعظم همومه وأحزانه، وفي تلك اللحظات يرفع المسلم يديه إلى السماء، داعياً الله أن يقيه من النار، وأن ينجّيه من حرّ جهنم. واحدة من أشهر الأدعية التي يُرددها المسلمون في هذه اللحظات هي “اللهم أجرنا من حر جهنم”. هذا الدعاء هو تعبير عن إيمان عميق بالخالق ورغبة في النجاة من العذاب الأليم الذي وصفته آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
حر جهنم: وصف النار في القرآن والسنة
النار هي عذاب الله الذي وعد به المكذبين والكفار، وهي تقع في أسفل الأرض، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “الْجَحِيمُ تَسْتَعِرُ مِنْ فَجْرَاتِ الْجَحِيمِ تَقُولُ: “هَلْ مِن مَّزِيدٍ؟”، وتُعتبر النار أكبر عقاب يمكن أن يُصاب به العبد في الآخرة. وجهنم هي الجحيم الكبرى التي يقال عنها في القرآن: “إِنَّهَا لَتَحْرِقُ”. وقد وصف الله تعالى جهنم بأنها ذات لهب مستعر، وأن حرها شديد لا يتحمله بشر.
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم في سورة النساء: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلاَلًا بَعِيدًا، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَأَعْمَلُوا السَّيِّئَاتِ لَا يُجَزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَ تُسَارِعُونَ فِيهَا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ أَمَامٍ يَفِرُّونَ”. وفي ذلك تعبير عن الخسران المبين الذي سيحل بالذين اختاروا طريق الضلال.
كما ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنها وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن”. وهذا الحديث يدل على أن المؤمن يطلب من الله أن يحفظه من العذاب ويلجأ إلى ما هو أعلى من الجنة.
النجاة من حر جهنم: طلب المغفرة والرحمة
“اللهم أجرنا من حر جهنم” هو دعاء يعكس التوجه إلى الله بطلب الرحمة والعفو، طلباً للنجاة من العذاب الأبدي. هذا الدعاء يُظهر الإيمان العميق بأن الله هو الرحيم الغفور، القادر على النجاة من أسوأ العقوبات. الدعاء هنا ليس مجرد كلمات تردد، بل هو أداة للتذكير بأن الدنيا ليست سوى اختبار قصير وأن المصير الأبدي يكمن في الآخرة.
عندما يرفع المسلم يديه طالباً النجاة من جهنم، فهو يعترف بعجزه عن مواجهة هذا العذاب وحده. إنه يتوجه إلى الله الذي بيده كل شيء، ويؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم الذي يعفو عن الخطايا، ويغفر الذنوب. فالإيمان بالآخرة واعتقاد المسلم بأن هناك حساباً للعبد بعد موته يجعل الدعاء من أعظم الأسلحة التي يمكن أن يتسلح بها المؤمن.
الآيات القرآنية المتعلقة بجهنم
تعددت الآيات القرآنية التي تحدثت عن النار وجهنم، وبيّنت صفاتها وكيفية عذابها. من بين هذه الآيات قوله تعالى في سورة المرسلات: “إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلَالاَ وَسَعِيرًا”. كما ورد في سورة الفرقان: “وَمَنْ يَكْفُرْ بِرَبِّهِ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا”. وفي هذه الآيات، يقدم الله سبحانه وتعالى وصفاً مفصلاً للعذاب الذي سينزل بالكافرين والمكذبين.
في سورة الدخان، يصف الله عز وجل جهنم بأنها “جهنمُ تسعَرُ”، ويُظهر في هذه الآية عظمة النار وقوتها التي لا يستطيع أن يتحملها أحد. كما جاء في سورة التكاثر: “لَتَرَوْنَ جَهَنَّمَ، ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ”. هذه الآيات تذّكر المسلم بمصير من يبتعد عن الله، وتعزز في قلبه الخوف من النار والحث على الاستغفار والتوبة.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للنجاة من النار
النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الدعاء بأن يُجيره الله من عذاب النار. ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات”. وقد أكد العلماء أن هذا الدعاء من أروع الأدعية التي يجب أن يتحلى بها المؤمن في دعائه اليومي، خاصة في لحظات الفزع أو الهموم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلم الصحابة دعاء النجاة من النار، ويحثهم على أن يكونوا على يقين بأن الله قادر على أن يخلصهم من عذاب النار يوم القيامة. وقد ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال: اللهم أجرني من النار سبع مرات في يوم الجمعة، أُجر من النار”.
أهمية الاستغفار والتوبة
الاستغفار هو أحد أهم الأسباب التي تمنع الإنسان من الوقوع في عذاب جهنم. التوبة الصادقة، والرجوع إلى الله بعد الوقوع في الخطايا، يفتحان أمام المسلم باب المغفرة. يقول الله تعالى في سورة التحريم: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”. فالاستغفار هو طريق المؤمن إلى النجاة، وهو السلاح الفعّال الذي يمكن أن يقيه من عذاب النار.
الطريق إلى النجاة: أعمال تقربك من الله
إن الدعاء بـ “اللهم أجرنا من حر جهنم” ليس الوحيد الذي يحمي المؤمن من النار، بل إن هناك العديد من الأعمال التي تقرب المسلم من الله وتقيه عذاب النار. من أهم هذه الأعمال:
-
التمسك بالطاعات: أداء الفرائض مثل الصلاة والزكاة، والقيام بالأعمال الصالحة مثل بر الوالدين، والتصدق، وحسن المعاملة مع الناس.
-
الاستمرار في التوبة: العودة إلى الله في كل لحظة، وطلب المغفرة على الذنوب التي ارتكبت، والإصرار على عدم العودة إلى المعاصي.
-
الخشوع في الصلاة: التوجه إلى الله بخشوع وعبودية تامة في الصلاة، مما يجعل العبد في حالة من الإخلاص لله.
-
الاجتناب عن الكبائر: تجنب الكبائر مثل القتل، والسرقة، والزنا، والغش، وغيرها من الذنوب التي تؤدي إلى العذاب في الآخرة.
-
الدعاء المستمر: تكرار الدعاء وطلب النجاة من النار، وخاصة في أوقات استجابة الدعاء، مثل الليل أو في شهر رمضان.
خاتمة
“اللهم أجرنا من حر جهنم” هو دعاء يعكس عمق العلاقة بين العبد وربه، ويظهر مدى رغبة المسلم في الابتعاد عن العذاب الأبدي. إن الإيمان بجهنم وما فيها من عذاب هو جزء من عقيدة المسلم، ويجب أن يكون هذا الإيمان دافعاً له ليتجنب ما يغضب الله ويسعى للنجاة بعمل الصالحات.
