اللعب والتعلم للطفل من عمر سنة إلى سنتين: الأسس والتطورات

يمثل العمر ما بين سنة وسنتين مرحلة فارقة في حياة الطفل، حيث تتطور لديه المهارات الحركية واللغوية والاجتماعية بشكل سريع. في هذه الفترة، لا يكون اللعب مجرد وسيلة للترفيه، بل يصبح النشاط الأساسي الذي يتعلم الطفل من خلاله، ويمكّنه من فهم العالم المحيط به، وبناء شخصيته وتطوير قدراته العقلية والنفسية. يُعد الدمج بين اللعب والتعلم أحد أكثر الأساليب فعالية في هذه المرحلة الحرجة من النمو.

أولاً: الخصائص النمائية للطفل بين السنة والسنتين

التطور الحركي

يشهد الطفل تطورًا كبيرًا في المهارات الحركية الكبرى والدقيقة خلال هذه الفترة، حيث يبدأ بالمشي بشكل مستقل، ويتعلم التسلق والركض والانحناء والتقاط الأشياء. كما يتحسن تحكمه في عضلات اليدين والأصابع، فيبدأ في استخدام الملاعق، وتكديس المكعبات، وتدوير المفاتيح، وفتح الأدراج.

التطور اللغوي

يتطور النطق بشكل ملحوظ، فيبدأ الطفل بربط الكلمات لتكوين جمل بسيطة من كلمتين أو ثلاث، ويكتسب كلمات جديدة بشكل يومي تقريبًا. يستجيب للتوجيهات البسيطة، ويفهم أسماء الأشخاص والأشياء المألوفة.

التطور الاجتماعي والعاطفي

في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في إدراك ذاته ككيان منفصل، وقد يُظهر بعض مظاهر الاستقلالية مثل رفض الأوامر أو الإصرار على فعل الأمور بنفسه. كما يبدأ في التفاعل مع الأطفال الآخرين بشكل بسيط، ويعبّر عن مشاعره من خلال الإيماءات أو تعبيرات الوجه أو الكلمات.

التطور المعرفي

يُظهر الطفل قدرة متزايدة على حل المشكلات البسيطة، مثل محاولة الوصول إلى لعبة موضوعة على رف عالٍ، ويبدأ في فهم مفاهيم السببية والتتابع، ويكتشف العلاقة بين الأفعال والنتائج.

ثانياً: دور اللعب في التعلم

اللعب هو الأداة التعليمية الأهم في هذه المرحلة العمرية، حيث يمثل بيئة غنية بالمحفزات التي تساعد على تنمية مختلف جوانب النمو. يتنوع اللعب بين اللعب الرمزي، واللعب البنائي، واللعب الحسي، واللعب الحركي، وكل نوع يلبي جانبًا معينًا من احتياجات الطفل النمائية.

اللعب الرمزي

يتجلى اللعب الرمزي في تقليد أفعال الكبار، مثل التظاهر بإطعام دمية أو التحدث في هاتف خيالي. هذا النوع من اللعب ينمّي الخيال واللغة والتفاعل الاجتماعي.

اللعب البنائي

يستخدم الطفل المكعبات، والأكواب المتداخلة، والألعاب التي تحتاج إلى ترتيب أو تركيب. هذا النوع من اللعب يساعد في تنمية المهارات الحركية الدقيقة، والتفكير المنطقي، ومهارات التنسيق بين العين واليد.

اللعب الحسي

يشمل هذا النوع من اللعب أنشطة تستخدم الحواس الخمس، مثل اللعب بالماء، أو الرمل، أو المواد المختلفة الملمس. يُعد هذا اللعب مهمًا لتطوير الإدراك الحسي والتعرف على الخصائص الفيزيائية للعالم.

اللعب الحركي

يتضمن أنشطة مثل الجري، والتسلق، والدفع، والسحب، ويُعتبر أساسًا لتقوية العضلات وتحقيق التوازن الحركي.

ثالثاً: أنواع الألعاب المناسبة

يتطلب اختيار الألعاب المناسبة فهمًا لاحتياجات الطفل في هذه المرحلة، ويمكن تصنيف الألعاب بحسب الغرض النمائي الذي تخدمه:

رابعاً: استراتيجيات تعزيز التعلم من خلال اللعب

التفاعل المباشر

يساهم تفاعل الوالدين أو مقدمي الرعاية مع الطفل أثناء اللعب في تحفيز عملية التعلم بشكل كبير. فالحديث مع الطفل، والإجابة عن تساؤلاته، ومشاركته في الأنشطة يساعده في توسيع مفرداته، وفهمه للعالم، وتعزيز شعوره بالأمان.

التكرار مع التنويع

يحتاج الطفل في هذا العمر إلى التكرار لتثبيت المهارات، إلا أن إدخال تنويعات بسيطة على الأنشطة يمنع الملل ويحافظ على اهتمام الطفل.

تشجيع الاستقلالية

من الضروري إتاحة الفرصة للطفل لاختيار الألعاب التي يفضلها، ومنحه مساحة للتجربة والمحاولة، حتى وإن فشل في بعض الأحيان، فالتعلم يتم عبر التجريب والخطأ.

تخصيص وقت يومي للعب

ينبغي تخصيص وقت منتظم للعب يوميًا، بحيث يكون هذا الوقت خاليًا من المشتتات مثل الأجهزة الإلكترونية أو التلفاز، مع توفير بيئة آمنة وثرية بالمواد.

خامساً: العوامل المؤثرة في فعالية اللعب

البيئة

كلما كانت البيئة آمنة ومحفزة، زادت قدرة الطفل على الاكتشاف والتفاعل بحرية. يجب أن تحتوي البيئة على مواد متنوعة، غير خطرة، سهلة الاستخدام، ومناسبة لعمر الطفل.

الدعم الأسري

تقديم الدعم والتشجيع من قبل الوالدين أو مقدمي الرعاية يمثل عنصرًا أساسيًا في تحفيز الطفل على اللعب، واستكشاف مهاراته، وتعزيز ثقته بنفسه.

الثقافة والمجتمع

تلعب الخلفية الثقافية للأسرة دورًا في اختيار أنواع الألعاب والأنشطة، وقد تؤثر على نوعية التحفيز المقدم للطفل. من المهم أن يكون هناك وعي بأن اللعب هو وسيلة تعليمية فعالة وليس مجرد تسلية.

الصحة العامة للطفل

يؤثر الوضع الصحي العام للطفل، من تغذية ونوم ونظافة، بشكل مباشر في قدرته على اللعب والتعلم. فالطفل المتعب أو الجائع لن يتمكن من التركيز أو الاستمتاع بأي نشاط.

سادساً: الألعاب التكنولوجية والأجهزة الذكية

على الرغم من أن بعض التطبيقات المصممة للأطفال قد تكون مفيدة، إلا أن معظم الخبراء لا ينصحون باستخدام الشاشات للأطفال دون سن السنتين، باستثناء مكالمات الفيديو مع العائلة. التفاعل الحقيقي مع الأشخاص والأشياء المادية هو ما يُنمي الإدراك في هذا العمر، وليس التفاعل مع الشاشات.

سابعاً: مؤشرات اللعب الصحي في هذا العمر

هناك مجموعة من العلامات التي تشير إلى أن الطفل يلعب بشكل صحي ومثمر، منها:

• مشاركة البالغين في اللعب أو محاولة إشراكهم.

• التنقل بين أنواع متعددة من اللعب.

• الابتكار أو الإبداع في استخدام الألعاب.

• الاستغراق في اللعب لفترات زمنية مناسبة لعمره.

• التفاعل مع الألعاب بتركيز وفضول.

ثامناً: اللعب كوسيلة لتشخيص النمو

يمكن من خلال ملاحظة الطفل أثناء اللعب اكتشاف بعض المؤشرات المبكرة على تأخر النمو، مثل:

• عدم التفاعل مع الآخرين.

• ضعف في التحكم الحركي أو التوازن.

• غياب اللعب الرمزي بعد عمر 18 شهرًا.

• عدم استخدام كلمات بسيطة أو جمل بحلول العامين.

تاسعاً: دعم اللعب في الحياة اليومية

لا يقتصر اللعب على الألعاب الرسمية فحسب، بل يمكن تضمين عناصر اللعب في الروتين اليومي، كأن يشارك الطفل في الطهي من خلال خلط المكونات، أو ترتيب الملابس حسب الألوان، أو اللعب بالماء أثناء الاستحمام. هذه الأنشطة تدمج التعلم بالحياة الواقعية وتزيد من فاعليته.

عاشراً: أهمية اللعب المشترك مع أقرانه

رغم أن الطفل في هذا العمر لا يُجيد اللعب التعاوني بعد، إلا أن وجود أطفال آخرين في محيطه يساعده على تطوير مهاراته الاجتماعية مثل المشاركة، والانتظار، وتقليد الأفعال، والتفاعل اللفظي وغير اللفظي. يمكن تنظيم لقاءات قصيرة مع أطفال من نفس العمر في بيئة آمنة لتشجيع هذه المهارات.

المصادر والمراجع

• American Academy of Pediatrics. (2021). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5. Bantam.

• Piaget, J. (1951). Play, Dreams and Imitation in Childhood. Routledge.