اللعب والتعلم للطفل بين عمر 8 إلى 12 شهرًا: مرحلة النمو الحاسمة

تمثل المرحلة العمرية بين 8 إلى 12 شهرًا فترة محورية في حياة الطفل، حيث يشهد فيها تطورًا ملحوظًا في قدراته الجسدية والمعرفية والاجتماعية والعاطفية. وخلال هذه الفترة تتداخل مفاهيم اللعب والتعلم بشكل يصعب فصله، فاللعب بالنسبة للطفل في هذا العمر ليس مجرد تسلية أو ترفيه، بل هو الوسيلة الأساسية لاكتشاف العالم وبناء المعارف، وتطوير المهارات الحسية والحركية، وتعزيز التواصل والتفاعل مع البيئة المحيطة.

تطور الطفل بين 8 و12 شهرًا: نظرة عامة

تتسم هذه المرحلة بتسارع في النمو، حيث يبدأ الطفل باكتساب مجموعة من المهارات الجديدة التي تشكل الأساس لتطوره في السنوات اللاحقة. وتشمل هذه المهارات:

1. المهارات الحركية الكبرى

• الزحف بأشكاله المختلفة: يبدأ بعض الأطفال بالزحف على البطن ثم يتطورون إلى الزحف الكامل باستخدام اليدين والركبتين.

• الجلوس بدون دعم لفترات طويلة.

• الوقوف بمساعدة الأثاث أو شخص بالغ، وفي بعض الحالات البدء بالمشي مع التمسك بشيء.

• تنسيق أفضل بين اليد والعين، ما يمكنه من التقاط الأشياء بدقة.

2. المهارات الحركية الدقيقة

• التقاط الأشياء الصغيرة باستخدام الإبهام والسبابة فيما يعرف بـ”القبضة الكماشة”.

• نقل الألعاب من يد إلى أخرى.

• طرق الألعاب ببعضها، أو وضع مكعب فوق آخر.

3. المهارات اللغوية والتواصل

• تقليد الأصوات والكلمات التي يسمعها من حوله.

• فهم الكلمات البسيطة مثل “لا”، “تعال”، “باي باي”.

• إصدار أصوات مميزة تدل على الرغبة في شيء معين.

• التفاعل مع الأغاني أو الحكايات البسيطة بالإيماءات أو الابتسامة.

4. النمو الاجتماعي والعاطفي

• التعبير عن المشاعر مثل الغضب أو الفرح أو الإحباط.

• التعلق بالوالدين أو مقدمي الرعاية.

• الانجذاب إلى الأطفال الآخرين واللعب بجانبهم حتى لو لم يكن هناك تفاعل مباشر.

أهمية اللعب في تعلم الطفل خلال هذه المرحلة

يعد اللعب المحرك الأساسي الذي يقود النمو المعرفي والانفعالي لدى الطفل. ومن خلال اللعب، يتمكن الطفل من فهم العلاقات بين الأشياء، والتدرب على المهارات الحركية الدقيقة، والتفاعل مع الأصوات والكلمات، ما يدعم تطوره اللغوي والاجتماعي.

خصائص اللعب في هذه المرحلة

• اللعب الاستكشافي: حيث يقوم الطفل بمراقبة وتحسس الأشياء، وضعها في فمه، هزها، أو رميها ليكتشف خصائصها.

• اللعب الوظيفي: تكرار الأفعال التي تؤدي إلى نتيجة واضحة مثل الضغط على زر لعبة يصدر صوتًا.

• اللعب الحركي: كالدحرجة، الزحف، الوقوف، أو محاولة المشي.

• اللعب التفاعلي: يبدأ الطفل بالانخراط في الألعاب التي تتطلب تفاعلًا مع الآخرين مثل التصفيق أو الغميضة البسيطة.

استراتيجيات لتعزيز التعلم من خلال اللعب

1. توفير بيئة محفزة وآمنة

يجب أن تحتوي البيئة المحيطة بالطفل على عناصر متنوعة تحفز الفضول وتتيح له الاكتشاف ضمن إطار آمن. يمكن وضع ألعاب بألوان زاهية، مختلفة في الملمس، بأحجام مناسبة، وآمنة تمامًا للفم، لأنها المرحلة التي يميل فيها الطفل إلى تذوق كل شيء.

2. تقديم الألعاب المناسبة للعمر

من أبرز الألعاب المناسبة لهذه الفئة العمرية:

• مكعبات البناء البسيطة.

• ألعاب تصدر أصواتًا عند الضغط أو الهز.

• كتب قماشية أو بلاستيكية تحتوي على صور كبيرة وألوان زاهية.

• حلقات التكديس الملونة.

• دمى قماشية ناعمة.

• مرايا غير قابلة للكسر تسمح للطفل برؤية نفسه.

3. التفاعل المستمر مع الطفل أثناء اللعب

تُعتبر المشاركة الوجدانية من الوالدين ومقدمي الرعاية عنصرًا بالغ الأهمية. يمكن للبالغ أن يشير إلى الأشياء ويسميها، يشارك في تكديس المكعبات، يغني أغنية مكررة، يصف الحركات، ما يعزز التطور اللغوي والإدراكي.

4. تشجيع الحركة والتجريب

توفير مساحة كافية للزحف والحركة يسهم في تقوية عضلات الطفل وتحسين توازنه. يمكن استخدام الوسائد، الأنفاق القماشية، أو سجاد خاص للزحف.

5. استخدام الحواس الخمسة في التعلم

تعتبر الألعاب التي تعتمد على الحواس الخمسة (الرؤية، السمع، اللمس، التذوق، الشم) وسيلة فعالة جدًا في تعزيز التعلم في هذه المرحلة. على سبيل المثال:

• ألعاب بأصوات موسيقية ناعمة.

• ألعاب ذات نسيج مختلف (ناعم، خشن، مطاطي).

• رائحة طبيعية غير قوية في غرفة اللعب.

• تذوق أطعمة مختلفة القوام (تحت إشراف طبي وتدريجي).

الجدول التالي يوضح بعض الألعاب الموصى بها حسب المهارة التي تنميها:

إشارات يجب ملاحظتها في أثناء اللعب

ينبغي على الأهل ومقدمي الرعاية ملاحظة سلوكيات الطفل أثناء اللعب، لأن هذه اللحظات تكشف كثيرًا عن حالته النفسية وتطوره الإدراكي:

• الانتباه: إذا كان الطفل يركّز لثوانٍ طويلة على لعبة معينة، فذلك يدل على تطور مهارات التركيز.

• التكرار: الأطفال يعيدون اللعبة نفسها مرات عديدة لفهمها والتأكد من نتائجها.

• الملل أو الإحباط: قد يشير إلى أن اللعبة صعبة أو غير مناسبة لعمره.

• الفرح والاستمتاع: دليل على أن الطفل يجد في اللعبة فرصة للتعبير والاستكشاف.

اللعب كوسيلة لبناء العلاقات

يتعلم الطفل خلال اللعب مفاهيم أولية عن التواصل والمشاركة والاحترام من خلال تقليد الكبار وتفاعلهم معه. فعندما يبتسم له أحد الأبوين أثناء اللعب أو يعبر له عن السعادة بما أنجزه، يتعزز لديه الإحساس بالقبول والثقة بالنفس.

العلاقة بين التغذية واللعب والتعلم

التغذية في هذه المرحلة تلعب دورًا لا يقل أهمية عن النشاطات المعرفية. فالدماغ يحتاج إلى عناصر غذائية محددة كي يتطور بطريقة صحية. من الضروري أن يحصل الطفل على:

• الحديد لدعم التطور المعرفي.

• الأحماض الدهنية الأساسية مثل DHA لدعم نمو الدماغ.

• الفيتامينات (مثل D وB12) التي تساهم في الوظائف العصبية والمناعية.

التغذية السليمة تعزز من قدرة الطفل على التركيز، الانتباه، والحركة، مما ينعكس على جودة اللعب وتطوره.

اللعب كأداة لتقييم النمو

يلعب المتخصصون في الطفولة المبكرة دورًا في ملاحظة سلوك الطفل خلال اللعب لاكتشاف أي تأخر نمائي. على سبيل المثال:

• الطفل الذي لا يحاول التقاط الأشياء أو لا يظهر استجابة للصوت قد يحتاج إلى تقييم سمعي أو حركي.

• الطفل الذي لا يعبّر عن مشاعره أو لا يظهر تفاعلًا مع الآخرين قد يحتاج إلى تدخل مبكر.

الختام العلمي

يمثل اللعب بين عمر 8 إلى 12 شهرًا أساسًا لبناء شخصية الطفل ومهاراته المتعددة. فهو ليس فقط نشاطًا ترفيهيًا، بل هو فعل تربوي وتكويني متكامل يربط بين الحواس واللغة والحركة والعلاقات الاجتماعية. من خلال تقديم بيئة محفزة، تفاعلية وآمنة، يمكن للطفل أن ينمو ويتطور بأقصى إمكانياته، مما يشكل قاعدة متينة لحياته المستقبلية في التعلم والاكتشاف.

المراجع

• Berk, L. E., & Meyers, A. B. (2017). Infants and Children: Prenatal Through Middle Childhood. Pearson Education.

• American Academy of Pediatrics. (2020). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5.