الكاكاو يحمي من الزهايمر: دراسة علمية شاملة حول فوائده العصبية

يُعد مرض الزهايمر من أكثر الأمراض العصبية شيوعاً وتأثيراً على حياة الملايين حول العالم، ويتميز بتدهور تدريجي في وظائف الدماغ، مما يؤدي إلى فقدان الذاكرة، وصعوبة في التفكير، وتغيرات سلوكية ونفسية حادة. مع ازدياد عدد المصابين بهذا المرض مع التقدم في العمر، تزايدت الأبحاث حول طرق الوقاية والعلاج. ومن بين العناصر الطبيعية التي حظيت باهتمام واسع في الأبحاث الحديثة هو الكاكاو، إذ أشارت العديد من الدراسات إلى أن مركباته الفريدة قد تلعب دوراً محورياً في حماية الدماغ من التدهور المرتبط بالزهايمر.

مكونات الكاكاو وتأثيرها على الدماغ

الكاكاو غني بالعديد من المركبات الحيوية التي تساهم في تعزيز الصحة العصبية، ومن أهم هذه المركبات:

• الفلافونويدات: وهي مجموعة من مضادات الأكسدة القوية التي تحارب الجذور الحرة وتقلل الالتهابات في الجسم.

• الثيوبرومين: مركب له تأثيرات محفزة خفيفة على الجهاز العصبي المركزي، مما يعزز الانتباه والتركيز.

• المغنيسيوم: عنصر معدني مهم لصحة الخلايا العصبية ووظائف الدماغ.

• حمض الفينيل إيثيل أمين: مادة كيميائية تؤثر على الحالة المزاجية والوظائف المعرفية.

الفلافونويدات هي المركبات الأكثر أهمية في هذا السياق، إذ تلعب دوراً كبيراً في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، وتعزيز نمو الخلايا العصبية، وتقليل الأضرار التي تلحق بالخلايا بسبب الأكسدة والالتهاب.

كيف يساعد الكاكاو في الوقاية من الزهايمر؟

1. مضادات الأكسدة وتقليل الأضرار التأكسدية

الدماغ حساس جداً للأضرار التأكسدية الناتجة عن تراكم الجذور الحرة، والتي تسرع من تلف الخلايا العصبية وتساهم في ظهور أعراض الزهايمر. الفلافونويدات الموجودة في الكاكاو تعمل كمضادات أكسدة قوية تحمي خلايا الدماغ من هذا الضرر، مما يبطئ عملية التدهور العصبي.

2. تحسين تدفق الدماغ ودعم الدورة الدموية

أظهرت الدراسات أن مركبات الكاكاو تساعد على توسيع الأوعية الدموية وزيادة تدفق الدم إلى الدماغ. هذا التحسن في الدورة الدموية يعزز وصول الأكسجين والمغذيات الأساسية إلى خلايا الدماغ، ما يدعم وظائفها الحيوية ويساعد في الحفاظ على صحة الخلايا العصبية.

3. تحفيز نمو الخلايا العصبية والمرونة العصبية

تشير الأبحاث إلى أن الفلافونويدات تحفز إطلاق عوامل نمو عصبية مثل BDNF (Brain-Derived Neurotrophic Factor) التي تلعب دوراً مهماً في تكوين الاتصالات العصبية الجديدة وتعزيز مرونة الدماغ، وهو أمر حاسم للوقاية من الزهايمر الذي يرتبط بانخفاض في هذه العوامل.

4. تقليل الالتهابات العصبية

الالتهاب المزمن في الدماغ يعد من العوامل المساعدة في تطور مرض الزهايمر. الفلافونويدات تلعب دوراً مضاداً للالتهاب، حيث تخفف من استجابة الجهاز المناعي العصبي، مما يقلل من التلف العصبي الناتج عن الالتهابات.

5. تعزيز الأداء المعرفي والذاكرة

الكاكاو لا يحمي الدماغ فقط على المستوى الخلوي، بل له تأثيرات مباشرة على الأداء المعرفي. تناول الكاكاو الغني بالفلافونويدات ثبت أنه يحسن الذاكرة، والانتباه، والسرعة الذهنية، مما يعزز من جودة الحياة للأشخاص خاصة مع التقدم في العمر.

الأبحاث والدراسات العلمية الداعمة

• في دراسة نشرت عام 2018 في مجلة Neurology، تابع الباحثون تأثير تناول الكاكاو الغني بالفلافونويدات على البالغين الأكبر سناً، ووجدوا أن تناول كمية معتدلة من الكاكاو يومياً على مدار عدة أسابيع أدى إلى تحسن ملحوظ في الوظائف المعرفية وخاصة الذاكرة العاملة والانتباه.

• دراسة أخرى أجريت في جامعة هارفارد أثبتت أن الأشخاص الذين يستهلكون مشروبات الكاكاو والفلافونويدات بانتظام لديهم مخاطر أقل بنسبة 30% للإصابة بمرض الزهايمر مقارنة بمن لا يستهلكونها، وذلك عبر رصد العوامل العصبية والتحاليل الدموية.

• أبحاث مخبرية على الحيوانات أظهرت أن تناول مستخلص الكاكاو يمنع تراكم لويحات الأميلويد التي تُعد علامة مميزة لمرض الزهايمر في الدماغ، ويساعد في حماية الخلايا العصبية من التلف الناتج عن هذه اللويحات.

الكاكاو مقابل الشوكولاتة: ما الفرق؟

من المهم التمييز بين الكاكاو الخام ومشتقاته مثل الشوكولاتة، فالشوكولاتة العادية غالباً ما تحتوي على نسب عالية من السكر والدهون غير الصحية التي قد تلغي فوائد الكاكاو الأصلية. للحصول على فوائد صحية حقيقية، يفضل اختيار:

• الكاكاو الخام أو البودرة غير المحلاة: تحتوي على أعلى تركيز من الفلافونويدات.

• الشوكولاتة الداكنة بنسبة 70% أو أكثر: تحتوي على كمية جيدة من الفلافونويدات وقليلة السكر.

• تجنب الشوكولاتة البيضاء أو الشوكولاتة ذات نسبة الكاكاو المنخفضة.

الجرعة المثالية لتناول الكاكاو

لا توجد توصية رسمية ثابتة، لكن الأبحاث تشير إلى أن استهلاك حوالي 20-40 غراماً من الشوكولاتة الداكنة يومياً أو 2-3 ملاعق صغيرة من مسحوق الكاكاو الخام قد يكون كافياً لتحقيق التأثيرات المفيدة على الدماغ.

تأثيرات جانبية محتملة وتحذيرات

بالرغم من فوائد الكاكاو، إلا أنه يحتوي على مادة الكافيين التي قد تسبب الأرق أو زيادة ضربات القلب إذا تم تناوله بكميات كبيرة، خاصة لدى الأشخاص الحساسين للكافيين. بالإضافة إلى ذلك، بعض أنواع الشوكولاتة تحتوي على سكريات ودهون قد تؤدي إلى زيادة الوزن إذا لم يتم التحكم في الكمية المتناولة.

كما يجب الانتباه إلى أن الكاكاو لا يعد علاجاً نهائياً للزهايمر، وإنما وسيلة وقائية داعمة يجب أن تكون جزءاً من نمط حياة صحي متكامل يشمل الغذاء المتوازن، النشاط البدني المنتظم، والاهتمام بالصحة النفسية.

جدول يوضح الفوائد العصبية لمركبات الكاكاو الرئيسية

الخلاصة

تشكل مركبات الكاكاو، لا سيما الفلافونويدات، دعامة قوية في الوقاية من مرض الزهايمر بفضل خصائصها المضادة للأكسدة، والمضادة للالتهاب، وقدرتها على تحسين الدورة الدموية وتعزيز مرونة الدماغ. يظهر الكاكاو كأحد الخيارات الطبيعية المهمة ضمن استراتيجية الوقاية الصحية، حيث يدعم الوظائف الإدراكية ويحمي الخلايا العصبية من التلف المرتبط بالتقدم في العمر والمرض. مع ذلك، يبقى تناوله بشكل معتدل وضمن نظام غذائي متوازن هو السبيل الأمثل للاستفادة من فوائده، مع ضرورة مواصلة الأبحاث لتحديد الجرعات المثلى وتوسيع فهمنا لتأثيراته الدقيقة على الدماغ.

المراجع

1. Miller, M. G., & Shukitt-Hale, B. (2012). “Berry Fruit Enhances Beneficial Signaling in the Brain”. Journal of Agricultural and Food Chemistry, 60(23), 5709-5715.

2. Socci, V., Tempesta, D., Desideri, G., De Gennaro, L., & Ferrara, M. (2017). “Enhancement of Cognitive Function After Chronic Consumption of Cocoa Flavanols”. Frontiers in Nutrition, 4, 19.