القيثارة لأورفيوس: تتويج الثلاثية الكورنية لروبرتسون دافيز

“القيثارة لأورفيوس” لروبرتسون دافيز: تتويج الثلاثية الكورنية

صدر كتاب “القيثارة لأورفيوس” في يناير 1989 عن دار النشر “فايكنغ”، وهو العمل الثالث والأخير في ثلاثية كورنوال الشهيرة التي كتبها الروائي الكندي روبرتسون دافيز. يُعدّ هذا الكتاب تتويجاً رائعاً للثلاثية التي بدأت بـ “الدفتر الأسود” و”أيتام دافيد”. يأتي هذا الجزء ليمثل ذروة الإبداع الأدبي لدافيز، حيث ينسج بين خيوط الرواية دراما معقدة تجمع بين الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية.

ملخص الرواية

تدور أحداث “القيثارة لأورفيوس” في ظل نجاح مؤسسة كورنوال، التي يديرها آرثر كورنوال وزوجته الجذابة ماريا ثيوتوكاي. تعتبر المؤسسة تجسيداً لمؤسسة عائلية أنشأها فرانسي كورنوال، الذي كان جامعا للأشياء الغريبة وذو ثروات ضخمة. وفي إطار مشروع طموح، تقرر ماريا وآرثر تنفيذ مشروع مميز يعكس طموحات فرانسي.

تتمثل الفكرة في إكمال أوبرا لم ينتهِ تأليفها بواسطة إرنست ت. أ. هوفمان، تحمل عنوان “آرثر من بريطانيا، أو العاشق المتسامح”. توكل مهمة إتمام الأوبرا إلى هولدا شناكينبورغ، الطالبة الموسيقية الغريبة والمتميزة، بينما يقع على عاتق الكاهن العالِم سايمون داركورت كتابة النص الشعري للأوبرا.

مع بدء المشروع، تظهر تعقيدات وعقبات متعددة. تتفجر النزعات الغجرية في دم ماريا، في حين ينحدر داركورت إلى عالم الجريمة الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، تنغمس الشخصيات الأخرى في الأكاذيب، الابتزاز، والأنشطة غير الأخلاقية. يبدو أن المثل القائل: “قيثارة أورفيوس تفتح باب العالم السفلي” ينطبق بشكل صارخ على هذه الأحداث، خاصة عندما تُكشف الأسرار المدفونة لفرانسي كورنوال نفسه.

تحليل الرواية

يمثل “القيثارة لأورفيوس” ذروة الأناقة الباروكية والسخرية الرائعة التي يتميز بها دافيز. فهو يعكس بمهارة قدرته على دمج الفكاهة مع التعقيد الأدبي، مما يخلق تجربة قراءة غنية تتسم بالعمق الفكري والمتعة الأدبية. تندمج الأحداث في الرواية بشكل معقد، حيث يتقاطع الإبداع الفني مع الأبعاد الإنسانية والدوافع الشخصية، مما يجعل القارئ يعيد تقييم الشخصيات والدوافع والأحداث.

السخرية والعمق الأدبي

تجسد الرواية سخرية دافيز المميزة، حيث يستعرض تفاصيل الحياة اليومية والنزاعات الإنسانية بطريقة فكاهية ومؤثرة في آن واحد. يسخر دافيز من الطموحات الثقافية والمشاكل الإنسانية بذكاء، مما يجعل الرواية ليست مجرد سرد للأحداث، بل دراسة لعمق النفس البشرية وتناقضاتها.

يعد تصوير دافيز للشخصيات مذهلاً، حيث يتميز بتعقيد نفساني عميق ويعكس جوانب مختلفة من الطبيعة البشرية. من خلال الشخصيات المتنوعة مثل هولدا وشناكينبورغ وداركورت، يُظهر الكاتب كيف يمكن للطموح الشخصي والضغوط الاجتماعية أن تؤدي إلى تآكل القيم الإنسانية.

تأثير الرواية واستقبالها

حظيت “القيثارة لأورفيوس” باستقبال إيجابي من النقاد والقراء على حد سواء. وُصفت الرواية بأنها قطعة أدبية رائعة تعكس أفضل ما في أسلوب دافيز، واعتبرها النقاد تتويجاً عبقرياً للثلاثية الكورنية. وصفها “واشنطن بوست بوك وورلد” بأنها رواية يترقب القراء بفارغ الصبر الحديث عنها ومشاركتها مع الآخرين.

لقد أثبتت الثلاثية الكورنية، و”القيثارة لأورفيوس” على وجه الخصوص، قدرة دافيز الفائقة على دمج الأدب والفلسفة والتاريخ في عمل أدبي واحد، مما يجعله من أبرز الروائيين في الأدب الكندي والعالمي.

في الختام، تعتبر “القيثارة لأورفيوس” من الأعمال الأدبية البارزة التي تقدم تجربة قراءة غنية ومعقدة، وتؤكد على براعة روبرتسون دافيز في فن السرد وإبداع الأدب.