القلس المعدي والسعال المزمن

ارتجاع حمض المعدة “القلس” وعلاقته بالسعال المزمن عند الأطفال

ارتجاع حمض المعدة، أو كما يُعرف علمياً بـ”القلس المعدي المريئي”، هو حالة مرضية شائعة تصيب العديد من الأشخاص، خاصة الأطفال. يتمثل هذا الاضطراب في عودة محتويات المعدة، بما فيها الحمض، إلى المريء مما يسبب مجموعة من الأعراض التي قد تكون مزعجة ومؤلمة. وبالرغم من أن الأعراض المعتادة التي ترتبط بالقلس تشمل الحموضة والشعور بالحرقان في منطقة الصدر، إلا أن هناك أعراض أخرى قد تكون غير مباشرة مثل السعال المزمن.

ما هو ارتجاع حمض المعدة؟

في الحالة الطبيعية، يتم التحكم في تدفق الطعام والحمض من المعدة إلى المريء بواسطة صمام يسمى “العضلة العاصرة المريئية السفلية”. عندما لا يعمل هذا الصمام بشكل جيد، يمكن أن يتسرب حمض المعدة إلى المريء مما يسبب تهيجاً في الغشاء المخاطي للمريء. في الأطفال، وخاصةً حديثي الولادة والرضع، قد تكون هذه الحالة أكثر شيوعاً بسبب عدم اكتمال تطور هذا الصمام لديهم.

السعال المزمن عند الأطفال

السعال المزمن هو السعال الذي يستمر لأكثر من 3 أسابيع. قد يكون هذا السعال مؤشراً على وجود مشاكل صحية معينة، ومن بينها ارتجاع حمض المعدة. الأطفال الذين يعانون من السعال المزمن غالباً ما يظهر عليهم أعراض أخرى مثل التهيج أثناء الرضاعة، تقيؤ الطعام، أو حتى التنفس بصعوبة. قد يكون السعال في هذه الحالة ناتجاً عن ملامسة حمض المعدة لجدار المريء والحلق مما يسبب تهيج الأنسجة المحيطة وبالتالي حدوث السعال.

علاقة القلس بالسعال المزمن عند الأطفال

يمكن أن يسبب القلس المعدي المريئي التهابات وتهيجاً في الحلق والمريء، مما يؤدي إلى السعال المزمن. يحدث هذا عندما يعود حمض المعدة إلى المريء، فيؤدي إلى تهيج جدران المريء والأنسجة المحيطة به، بما في ذلك الحلق والمجاري التنفسية العليا. نتيجة لهذا التهيج، قد ينعكس السعال كآلية دفاعية من الجسم لحماية المجاري التنفسية من مزيد من الضرر.

في بعض الحالات، قد يحدث هذا السعال بشكل غير منتظم، حيث يعاني الطفل من نوبات سعال متقطعة تؤدي إلى صعوبة في التنفس أو الشعور بالاختناق. يمكن أن تزداد هذه الأعراض في الليل أو بعد تناول الطعام، وهو ما يشير إلى أن القلس قد يحدث في أوقات معينة تتزامن مع أنماط نوم الطفل أو تناول الوجبات.

الأعراض التي تشير إلى وجود القلس عند الأطفال

تتفاوت الأعراض التي قد تظهر على الأطفال الذين يعانون من القلس المعدي المريئي، ومن أبرزها:

1. السعال المستمر: خاصة في الليل، مما قد يؤثر على نوعية نوم الطفل.

2. التقيؤ أو القيء المتكرر: رغم أنه قد يكون طفيفاً في بعض الأحيان.

3. البصق المستمر: خاصة بعد الرضاعة.

4. التنفس بصعوبة أو صفير في الصدر: نتيجة للتهيج الناتج عن الحمض في الحلق.

5. التهيج أو بكاء الطفل خلال الرضاعة: بسبب الشعور بعدم الراحة في منطقة الصدر أو الحلق.

6. فقدان الوزن أو التأخر في النمو: بسبب ضعف امتصاص الغذاء.

التشخيص

عادة ما يتم تشخيص القلس المعدي المريئي عند الأطفال بناءً على الأعراض السريرية والفحص الطبي. في بعض الحالات، قد يحتاج الأطباء إلى إجراء بعض الفحوصات المتخصصة مثل:

1. الفحص بالأشعة السينية: لتحديد وجود أي انسداد أو تشوهات في المريء.

2. منظار المريء: لرؤية الأضرار الناتجة عن الحمض في المريء.

3. قياس درجة الحموضة في المريء: لتحديد كمية الحمض الذي يعود إلى المريء.

4. اختبار التنفس: لتقييم وجود التهاب في المجاري التنفسية العليا.

العلاج

علاج القلس المعدي المريئي عند الأطفال يعتمد على شدة الحالة وعمر الطفل. في حالات القلس الخفيفة، قد يوصي الأطباء بتغييرات في النظام الغذائي أو العادات اليومية مثل:

1. إطعام الطفل بوجبات أصغر وأكثر تكراراً: لتجنب الامتلاء الزائد للمعدة.

2. رفع رأس الطفل أثناء النوم: لتقليل فرص ارتجاع الحمض إلى المريء.

3. تجنب الأطعمة والمشروبات التي تزيد من الحموضة: مثل الحمضيات، الشوكولاتة، والأطعمة الدهنية.

في الحالات الأكثر شدة، قد يتطلب العلاج الأدوية مثل مضادات الحموضة أو الأدوية التي تساعد على تقوية العضلة العاصرة المريئية السفلية. في بعض الحالات النادرة التي لا تستجيب للعلاج الدوائي، قد يلزم التدخل الجراحي مثل جراحة توسيع المريء أو إصلاح العضلة العاصرة.

الوقاية

الوقاية من القلس عند الأطفال يمكن أن تكون بسيطة في العديد من الحالات، وخاصة في الرضع. من النصائح الوقائية التي يمكن اتباعها:

1. تغذية الرضع بطريقة صحيحة: بما في ذلك الرضاعة الطبيعية أو الرضاعة باستخدام زجاجة ذات حلمات مناسبة.

2. الانتظار لبعض الوقت بعد الرضاعة قبل وضع الطفل على بطنه أو نومه.

3. تجنب إفراط الطفل في تناول الطعام: حيث يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط على المعدة مما يسهم في حدوث القلس.

الخلاصة

يعد ارتجاع حمض المعدة أو القلس المعدي المريئي من الحالات المرضية الشائعة التي تؤثر بشكل كبير على صحة الأطفال، ويعكس تأثيره على العديد من الأنظمة في الجسم بما في ذلك الجهاز التنفسي. يعتبر السعال المزمن أحد الأعراض الأكثر شيوعاً التي قد يعاني منها الأطفال نتيجة لهذا القلس. ولذا، يتطلب التشخيص والعلاج المبكرين لمعالجة هذه الحالة وتجنب تفاقمها.