تعريف القضاء والقدر لغة وشرعاً
يعد موضوع القضاء والقدر من المواضيع التي تشغل بال الكثيرين، حيث يشكل جزءاً أساسياً من مفهوم الإيمان بالله سبحانه وتعالى في الإسلام. ينطوي هذا المفهوم على معاني عميقة تتعلق بمسار الحياة البشرية وجميع الأحداث التي تحدث في هذا الكون، سواء كانت سعيدة أو مؤلمة، ويعكس إيمان المسلم بأن الله تعالى هو المدبر الأول والمتحكم في كل شيء. لذا، يعد فهم القضاء والقدر أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق التوازن الروحي والعقلي في حياة المسلم.
أولاً: القضاء والقدر في اللغة
في اللغة العربية، تحمل كلمة “القضاء” العديد من المعاني، منها: الحكم، والفصل، والانتهاء. فالقضاء، كما جاء في المعاجم العربية، يعني حسم الأمور أو حسم القضايا والقرارات، أو إصدار حكم نهائي في أمر من الأمور. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم القضاء على أنه قدرة الله تعالى على اتخاذ قرارات نهائية في شؤون الكون.
أما “القدر”، فيشتق من الجذر العربي “قدَرَ”، الذي يعني التحديد أو التحديد المسبق. فالقدر في اللغة يشير إلى الشيء المحدد أو المقادير التي يقدرها الله للإنسان أو للكون.
بناءً على ذلك، يمكن تفسير “القضاء” على أنه إصدار حكم أو قرار من الله سبحانه وتعالى بشأن أمر معين، بينما “القدر” هو المدى أو الحدود التي قدرها الله لهذا الشيء أو ذلك المخلوق في مسيرته الزمنية.
ثانياً: القضاء والقدر في القرآن الكريم
القضاء والقدر يعتبران من أركان الإيمان في الإسلام، وقد وردا في العديد من الآيات القرآنية التي تبيّن أنهما من مقتضيات مشيئة الله تعالى وحكمته في خلقه. ومن أبرز الآيات التي ورد فيها ذكر القضاء والقدر:
-
القضاء: قال تعالى: “وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلَا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” (الإسراء: 23). هنا، استخدم القرآن الكريم لفظ “قَضى” في سياق قرار أو حكم الله في شأن العبادة والإحسان إلى الوالدين.
-
القدر: في سورة القدر، قال الله تعالى: “إِنّا أَنزَلناهُ فِي لَيلةِ القَدرِ وَمَا أَدراكَ مَا لَيلةُ القَدرِ لَيلةُ القَدرِ خَيرٌ مِّن أَلفِ شَهرٍ” (القدر: 1-3). هذه السورة تشير إلى تقدير الله للأحداث وتحديده للأوقات المباركة في حياة البشر.
-
القدر في الحياة: كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: “إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدرٍ” (القمر: 49). هذه الآية تشير إلى أن كل شيء في الكون قد قدره الله مسبقًا، بما في ذلك كل شيء في حياة الإنسان.
ثالثاً: القضاء والقدر في السنة النبوية
أما في السنة النبوية، فقد وردت العديد من الأحاديث التي توضح معنى القضاء والقدر وتبين مكانتهما في الإيمان الإسلامي. ومن أبرز هذه الأحاديث:
-
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَضَى اللَّهُ تَعَالَى فِي لَوْحِهِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.” هذا الحديث الشريف يبيّن أن كل شيء يحدث في حياة الإنسان هو بتقدير الله تعالى، لا يمكن لأي شيء أن يحدث خارج إرادته.
-
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من المؤمنين من يؤمن بالقضاء والقدر ومنهم من يكفر، ومن آمن بالقدر فقد آمن بالإيمان.” وهذا الحديث يوضح أن الإيمان بالقضاء والقدر جزء لا يتجزأ من الإيمان الكامل بالله عز وجل.
رابعاً: الفرق بين القضاء والقدر في الإسلام
إن القضاء والقدر متلازمان في المفهوم الإسلامي، ولكنهما يختلفان في المعنى والمفهوم. القضاء هو حكم الله تعالى النهائي الذي يصدر في كل شيء، أما القدر فهو تقدير الله سبحانه وتعالى للأمور والأحداث التي تحدث في الكون، سواء كانت في حياة البشر أو في مجريات الكون الطبيعية.
-
القضاء: هو الحكم النهائي من الله بشأن الأمور التي تحدث في الحياة. قد يكون هذا الحكم متعلقًا بمصير شخص أو قرار يتخذ في الكون، ويتم تطبيقه في اللحظة التي يقرر فيها الله سبحانه وتعالى.
-
القدر: هو التحديد أو المدى الذي قدره الله لكل شيء في الكون. يشمل ذلك كل شيء مسبقاً، من تفاصيل الحياة اليومية للإنسان، إلى العوامل الطبيعية التي تؤثر في الكون.
وبذلك، فإن القضاء يتعلق بالحكم النهائي على أمر من الأمور، بينما القدر يرتبط بتحديد الله للأوقات، والأماكن، والظروف التي ستحدث في المستقبل.
خامساً: الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر هو جزء أساسي من الإيمان بالله تعالى في الإسلام. ولا يُمكن للمسلم أن يكتمل إيمانه إلا إذا آمن بأن كل ما يحدث في الكون هو بتقدير الله ومشيئته، سواء كان ذلك خيرًا أو شرًا، لقدر الله في حياة الإنسان. وقد جاء هذا المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ”.
الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني أن الإنسان يظل في حالة من الخمول والتسليم السلبي لما يحدث له، بل إن ذلك يعكس حالة من القبول الداخلي بأن الله تعالى هو من يدبر كل الأمور، ولذلك يجب على المسلم أن يسعى للقيام بالأسباب الممكنة لتحقيق الخير في حياته.
سادساً: أثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة المسلم
-
الرضا والتسليم: عندما يؤمن المسلم بالقضاء والقدر، فإنه يحقق حالة من الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى، سواء كانت الظروف التي يمر بها في الحياة صعبة أو سهلة. يعلم أن الله لا يقدر للإنسان إلا ما فيه الخير، حتى وإن كان ذلك في قالب من الصعوبات.
-
الصبر والاحتساب: يعلم المؤمن أن كل ما يواجهه في حياته هو جزء من قدر الله، ولهذا فإن الإيمان بالقضاء والقدر يمنح المسلم القوة على الصبر في وجه البلاء.
-
الطمأنينة النفسية: الإيمان بالقضاء والقدر يعطي الإنسان شعوراً بالسلام الداخلي، حيث يشعر بأن كل شيء يجري في هذا الكون هو بمشيئة الله، وأنه في أيدٍ أمينة، مما يخفف من القلق والتوتر.
-
العمل والاجتهاد: رغم الإيمان بالقضاء والقدر، فإن ذلك لا يعني التوقف عن السعي والعمل. فالمسلم مجبر على السعي وراء ما ينفعه ويؤدي به إلى الأفضل، مع قناعته التامة بأن النتيجة هي ما قدره الله له.
خاتمة
القضاء والقدر هما من أعظم مفاهيم الإيمان في الإسلام، حيث يعكسان قناعة المسلم التامة بأن الله سبحانه وتعالى هو المدبر الأول لهذا الكون، وأن كل شيء في هذا العالم يجري بتقدير من الله تعالى. إن فهم المسلم لمفهوم القضاء والقدر يمكنه من تحقيق التوازن في حياته بين السعي للنجاح والرضا بما قسمه الله له.
